وسط انتقادات حادة .. دويتشه فيله : شركات تدير مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا تحقق أرباحاً ضخمة
تعمل شركة “سيركو” البريطانية في مجموعة واسعة من المجالات تشمل الدفاع ومراقبة الحدود وإدارة السجون والفضاء، بالإضافة إلى إدارة عقود حكومية في أوروبا والمملكة المتحدة وأستراليا. وفقًا لتقارير من قناة الألمانية الأولى ARD و الثانية ZDF بالتعاون مع صحيفة “سود دويتشه تسايتونغ”، حصلت شركة “سيركو” وشركاتها الفرعية مؤخرًا على عقود جديدة لإدارة مراكز طالبي اللجوء في ألمانيا. تدير شركتا “أو آر إس” و”يوروبيان هومكير”، التابعتان لـ “سيركو”، حاليًا 130 مركزًا يأوي حوالي 55 ألف طالب لجوء.
في المملكة المتحدة، تشرف “سيركو” علي مراكز مماثلة منذ سنوات، بموجب عقد طويل الأمد تبلغ قيمته 1.9 مليار جنيه إسترليني ويستمر حتى عام 2029. أما في أستراليا، فقد بدأت الشركة في إدارة مراكز احتجاز المهاجرين منذ عام 2014، بعقود تصل قيمتها إلى أربع مليارات دولار أسترالي (حوالي 2.4 مليار يورو). ومع ذلك، أعلنت “سيركو” أنها لم تفز بالعقود الجديدة لتشغيل هذه المراكز في العام الحالي.
وانتقدت منظمات حقوق الإنسان طريقة إدارة بعض الشركات الخاصة لمراكز اللجوء في بريطانيا وأستراليا. ووفقًا لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”، ظهرت مزاعم حول وجود ديدان في الطعام، ونقل المعتقلين مقيدين، إضافة إلى حالات انتحار وغرف احتجاز معزولة في المراكز التي تديرها شركة “سيركو”.
في المقابل، بدأت 13 ولاية ألمانية مؤخرًا في التعاقد مع شركات خاصة لإدارة مراكز اللجوء، وهو توجه يزداد في ألمانيا وأوروبا. في السابق، كانت هذه العقود تُمنح إلى المنظمات الحكومية والجمعيات الخيرية، لكن مع تزايد الضغوط المالية، أصبحت الشركات التي تقدم العروض الأرخص هي الأكثر فوزًا بالعقود.
وصرح البروفيسور فيرنر نينهوسر، الخبير الاقتصادي في جامعة دويسبورغ، في تقرير لبرنامج مونيتور التابع للقناة الألمانية الأولى ARD”: “إن هوامش الربح في مراكز اللجوء التي تديرها شركة “سيركو” أعلى بكثير مما كانت تستهدفه الشركة في قطاعاتها الأخرى. يبدو أنهم اكتشفوا قطاعًا يمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة.”
وفقًا للوثائق الداخلية التي اطلعت عليها فرق التحقيق، أعلنت شركة “سيركو” عن هوامش ربح تتجاوز 50% في بعض مراكز اللجوء التي تديرها. على سبيل المثال، في إحدى المنشآت القريبة من مطار هان في ولاية راينلاند بفالس، التي كانت ثكنة عسكرية أمريكية سابقة وتضم 530 مكانًا، وأعلنت الشركة عن أرباح تصل إلى 66.8% في العام الماضي.
ورغم هذه الأرقام، لم ترد شركة “ORS” التابعة لـ “سيركو” بشكل مباشر على الادعاءات بشأن تحقيق أرباح استثنائية من إدارة مراكز اللجوء في ألمانيا. وقالت الشركة لقناة ARD: “في عام 2023، كان صافي ربحنا في قطاع الهجرة في جميع أنحاء أوروبا منخفضًا.” وتدير “سيركو” أيضًا مراكز للهجرة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا، النمسا وسويسرا.
وقال موظف سابق في شركة ORS، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الشركة كانت تركز بشكل رئيسي على تحقيق الأرباح. وأضاف آخر أن الشركة كانت تعتبر طالبي اللجوء وسيلة لزيادة ثروتها، وليس كأشخاص لهم حقوق.
في نهاية يونيو/حزيران من هذا العام، أعلنت شركة “سيركو” عن رفع توقعاتها للأرباح بعد نجاحها في الفوز بعقود جديدة، وفقًا لما ورد في برنامج ZDF Magazin Royale.
اتهم موظفون سابقون شركة “سيركو” بخفض الخدمات إلى الحد الأدنى لزيادة الأرباح. وأشار أحد الموظفين إلى أن نقص عدد العاملين الاجتماعيين أدى إلى تراكم الطوابير وزيادة الإحباط بين طالبي اللجوء.
من جهة أخرى، أعربت موظفة سابقة عن استيائها من نوعية الطعام الذي كان يُقدم في المركز، قائلة: “لا يمكننا تقديم هذا الطعام لهم، هؤلاء بشر، وليسوا حيوانات.” وأضافت أن رد الإدارة كان: “سيتعودون عليه.”
وتسجل شركة سيركو إيرادات سنوية تتجاوز 5 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 6 مليارات يورو) في جميع أنحاء العالم. يشكل قطاع الأمن والحماية، الذي يتضمن عقودًا مع الحكومات في مجالات مثل الجيش والأمن العام، 35% من إجمالي أعمال الشركة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ قطاع الهجرة يشهد نموًا ملحوظًا في الأرباح. على سبيل المثال، في العام الماضي، استحوذت سيركو على شركة ‘يوروبيان هومكير’ التي تدير مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا، مقابل 40 مليون يورو، مما ساعد في تعزيز مكانتها في هذا القطاع.
تعرضت الشركة لانتقادات حادة بعد وفاة طالب اللجوء الغيني، مامادو جودو ديالو، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 داخل مركز إيواء تديره الشركة في جنوب غرب برلين. وعلى الرغم من عدم معرفة سبب الوفاة، أشارت التقارير إلى أن وفاته لم تُلاحظ لمدة أربعة أسابيع. تم اكتشاف الجثة بعد انبعاث رائحة قوية من غرفته. وعندما فتح أحد حراس الأمن في شركة ORS الباب، اكتشف الوفاة.
وأظهرت التحقيقات الأولية أن ديالو ربما كان يعاني من إدمان الكحول، مما أدى إلى تحلل جسده بسرعة، وهو ما جعل من الصعب تحديد سبب وفاته بدقة.و تولى مواطن غيني آخر يُدعى سانوسي باري، الذي يعمل مساعد رعاية في ألمانيا، دفن ديالو رغم أنه لم يكن يعرفه شخصيًا.
واتهم باري شركة ORS بالتقصير في مسؤولياتها. وقال في حديثه لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ”: “إن كل ما كانوا يهتمون به هو جني المال”.
وقد أشار أحد محامي الشركة إلى أنه تم رد هذه المدفوعات الآن، فيما قرر مكتب اللجوء واللاجئين في برلين إلغاء ثلاثة عقود كانت قد أبرمتها مع ORS لإدارة مراكز إيواء اللاجئين في المنطقة.
وقال مكتب شؤون اللاجئين في برلين إن إلغاء العقود كان نتيجة لـ “عيوب خطيرة” و”مشاكل تنظيمية متعددة”. وأوضح المكتب أنه لا يمكنه تقديم تفاصيل إضافية في الوقت الحالي بسبب “تحقيق جارٍ”. من جانبها، نفت شركة ORS هذه الاتهامات وأكدت أنها تتعامل مع مسؤولياتها بجدية وتلتزم بالمعايير العالية.
في المنزل الذي كان يعيش فيه ديالو، تحدثت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” مع عائلة فلسطينية عاشت هناك قبل أن تتولى شركة ORS الإدارة. ذكرت العائلة أنه خلال مكتب شؤون اللاجئين، كان هناك فعاليات مثل حفلات الصيف وأعياد الميلاد، بالإضافة إلى توفير ألعاب وطعام للأطفال. لكن بعد انتقال الإدارة إلى ORS، قالت العائلة إن كل هذه الأنشطة توقفت، كما أغلقت الغرف المخصصة للعب والتعليم.
وذكرت العائلة أن الأطفال في المركز كانوا يشاركون في رحلات خارجية إذا سجلوا أسمائهم، وكان الموظفون يساعدونهم في ملء الاستمارات والحصول على الوثائق الضرورية. لكن بعد تولي ORS إدارة المركز، توقفت هذه الخدمات، ولم يعد هناك موظفون لتقديم الدعم اللازم، بحسب العائلة.
كما أشارت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” إلى أن زياراتها كشفت عن قلة عدد موظفي شركة ORS في المركز، وهو ما نفت الشركة صحته.
من ناحية أخرى، أعربت أربع منظمات اجتماعية في رسالة وجهتها العام الماضي إلى مكتب اللاجئين في برلين عن قلقها من إدارة شركة “سيركو” لمراكز اللاجئين، مشيرة إلى احتمال تغليب الربح على توفير الرعاية المناسبة لطالبي اللجوء. وأوضحت تقارير إعلامية، بعد الاطلاع على وثائق رسمية، أن اختيار العقود كان يعتمد بشكل رئيسي على السعر المنخفض وليس جودة الخدمة المقدمة. (DW)
[ads3]