بدأ في ألمانيا .. كيف أصبحت الشجرة المزينة تقليداً ميلادياً ؟
تتعدد التقاليد المرتبطة بعيد الميلاد، لكن تزيين شجرة الميلاد يُعَدّ أكثرها شعبية. فقد باتت الشجرة المزينة بالأضواء والأشكال المزخرفة مرادفًا للعيد في جميع أنحاء العالم.
لكن هذا التقليد شهد تطورًا عبر التاريخ قبل أن تصبح شجرة الميلاد بصورتها ومعناها الحالي.
فبحسب موسوعة “بريتانيكا”، استُخدمت الأشجار في الطقوس والزينة منذ العصور القديمة. فقبل ظهور المسيحية بوقت طويل، كان للنباتات والأشجار دائمة الخضرة معنى خاص للناس في الشتاء، حيث يُعتقد في العديد من البلدان أن النباتات دائمة الخضرة من شأنها إبعاد السحرة والأشباح والأرواح الشريرة والمرض، وفقًا لموقع “هستوري”.
واعتقد الكثير من القدماء أن الشمس إله وأن الشتاء يأتي كل عام لأن إله الشمس يمرض ويضعف في الانقلاب الشتوي الذي يقع في 21 أو 22 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام. واحتفلوا بالانقلاب الشمسي لأنه يعني أن إله الشمس سيبدأ في التعافي أخيرًا.
كما احتفل المصريون القدماء بشفاء إلههم رع بتزيين منازلهم بالنخيل الأخضر وقصب البردي في إشارة إلى انتصار الحياة على الموت.
لكن يعتقد أن تقليد شجرة الميلاد بدأ في ألمانيا. ووفقًا لموسوعة “بريتانيكا”، يُزعم أنه في ألمانيا حوالي عام 723، التقى المبشر الإنكليزي القديس بونيفاس بوثنيين يعدون ذبيحة عند شجرة بلوط مخصصة للإله ثور (دونار). فأخذ بونيفاس فأسًا إلى الشجرة، وعندما لم يضربه إلههم، أعلن للوثنيين أن شجرة قريبة دائمة الخضرة هي “شجرتهم المقدسة”. وتشير مصادر أخرى إلى أن شجرة التنوب نمت في موقع شجرة البلوط المتساقطة.
ويشير موقع “هستوري” إلى أنّه بحلول القرن السادس عشر كان المسيحيون المتدينون في ألمانيا يجلبون الأشجار المزخرفة إلى منازلهم وقد أطلقوا عليها اسم “أشجار الجنة”. وقام بعضهم ببناء أهرامات عيد الميلاد من الخشب وزينوها بالأشجار دائمة الخضرة والشموع.
ويعتقد على نطاق واسع أن مارتن لوثر، المصلح البروتستانتي في القرن السادس عشر، هو أول من أضاف الشموع المضاءة إلى الشجرة. فوفقًا لنسخة شائعة من القصة، شعر لوثر أثناء عودته إلى منزله في إحدى أمسيات الشتاء، بالرهبة من النجوم المتلألئة وسط الخضرة. ولاستعادة المشهد لعائلته، نصب شجرة في الغرفة الرئيسية وربط أغصانها بالشموع المضاءة.
وتطورت “أشجار الجنة” إلى أشجار عيد الميلاد. بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت أشجار عيد الميلاد تقليدًا راسخًا في ألمانيا، بحسب بريتانيكا.
ومع هجرة الألمان، أخذوا أشجار عيد الميلاد إلى بلدان أخرى، ولا سيما إنكلترا. ففي تسعينيات القرن الثامن عشر، قامت شارلوت، زوجة الملك جورج الثالث الألمانية المولد، بتزيين الأشجار بمناسبة العيد. ومع ذلك، كان الأمير ألبرت المولود في ألمانيا، وزوجته ملكة بريطانيا فيكتوريا، هما من نشرا هذا التقليد بين البريطانيين.
وجعل الزوجان أشجار عيد الميلاد جزءًا بارزًا من احتفالات العيد، ففي عام 1848 ظهرت صورة توضيحية للعائلة المالكة حول شجرة مزخرفة في إحدى الصحف اللندنية. وسرعان ما أصبحت أشجار عيد الميلاد شائعة في المنازل الإنكليزية.
كما أدخل المستوطنون الألمان أشجار عيد الميلاد إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن هذه العادة لم يتم تبنيها في البداية. فقد عارض العديد من البيوريتانيين هذه العطلة بسبب جذورها الوثنية.
وفي عام 1659، أصدرت المحكمة العامة في ماساتشوستس قانونًا يجعل أي احتفال بيوم 25 ديسمبر جريمة جزائية؛ وتم تغريم الناس لتعليق الزينة. واستمر هذا الوضع حتى أدى تدفق المهاجرين الألمان والأيرلنديين في القرن التاسع عشر إلى تقويض الإرث البيوريتاني.
وفي عام 1846، تم تصوير الملكة فيكتوريا وأميرها الألماني ألبرت في مجلة أخبار لندن المصورة وهما يقفان مع أطفالهما حول شجرة عيد الميلاد. وكانت فيكتوريا تحظى بشعبية كبيرة بين رعاياها.
وبحسب صحيفة “تايم”، يقول الكاتب جوديث فلاندرز في كتابه “كرسماس: أي بيوغرافي”: “لقد عززت هذه الصورة الفردية شجرة عيد الميلاد في الوعي الشعبي، لدرجة أنه بحلول عام 1861، وهو العام الذي توفي فيه ألبرت، كان هناك اعتقاد راسخ بأن هذا الأمير الألماني قد نقل هذه العادة معه إلى إنكلترا عندما تزوج”.
وساعدت هذه الجهود وغيرها في جعل أشجار عيد الميلاد شائعة في الولايات المتحدة بحلول سبعينيات القرن التاسع عشر.
انتشرت أشجار عيد الميلاد في جميع أنحاء العالم، لكن التقليد بدأ يؤثر سلباً على الغابات، وخاصة في ألمانيا. لذلك، بدأ الألمان في صناعة أشجار ريش الإوز الاصطناعية في ثمانينيات القرن التاسع عشر. ووجدت هذه الأشجار طريقها إلى بلدان مختلفة، ومع مرور الوقت تم استبدال ريش الإوز بمواد أخرى.
وبحسب موسوعة “بريتانيكا”، حدث تطور ملحوظ في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما زُعم أن إحدى الشركات المصنعة لفرش المراحيض استخدمت فائض المنتج لإنشاء شجرة صناعية. واكتسبت هذه الأشجار ذات الشعر الخشن شعبية ولكن تم استبدالها لاحقًا بإصدارات من الألومنيوم ثم البلاستيك.
وفي أوائل القرن العشرين كان الأميركيون يزينون أشجارهم بشكل أساسي بزخارف محلية الصنع، بينما استمر العديد من الأمريكيين الألمان في استخدام التفاح والمكسرات وبسكويت المرزبان. كما أضيف الفشار إلى زخارف الأشجار بعد صبغه بألوان زاهية وتداخله مع التوت والمكسرات. ثم جاء مساعدو توماس إديسون بفكرة المصابيح الكهربائية لأشجار عيد الميلاد.
وأصبح بالإمكان إضاءة أشجار عيد الميلاد لأيام متتالية. وبهذا، بدأت أشجار عيد الميلاد في الظهور في ساحات المدن في جميع أنحاء أميركا وأصبح وجود شجرة عيد الميلاد في المنزل تقليدًا أمريكيًا.
وغالبًا ما يُنسب الفضل إلى فرانكلين بيرس، الرئيس الرابع عشر، في جلب تقليد شجرة عيد الميلاد إلى البيت الأبيض في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر.
وفي عام 1923، بدأ الرئيس الثلاثين للولايات المتحدة الأميركية كالفين كوليدج حفل إضاءة شجرة عيد الميلاد الوطني الذي يقام الآن كل عام في حديقة البيت الأبيض.
والآن، تبلغ قيمة تجارة أشجار عيد الميلاد في الولايات المتحدة 155 مليون دولار، تمثل أشجار البولي فينيل 35% منها، وفقًا لمقال في صحيفة “تايم”. (alaraby)[ads3]