رويترز: سوريا تطرح مناقصة دولية لشراء 100 ألف طن من القمح اللين .. و خبير يحذر من أزمة مقبلة

 

ذكر متعاملون أوروبيون أن المؤسسة العامة السورية للحبوب أعلنت عن مناقصة دولية لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين. وأوضحوا أن المؤسسة ستتخذ قرارها بشأن العروض المقدمة خلال 15 يومًا من إغلاق المناقصة.

ويُتوقع أن يكون الموعد النهائي لتقديم العروض هو 10 مارس (آذار)، وفقًا لشروط المناقصة، حيث يجب شحن القمح خلال 30 يومًا من تاريخ التعاقد. كما تنص الشروط على دفع 80% من المستحقات عند وصول الشحنات، بينما يتم سداد 20% المتبقية بعد 15 يومًا.

وتُعد هذه المناقصة أول عملية شراء كبيرة منذ التغيرات السياسية الأخيرة في سوريا، وفقًا لوكالة رويترز.

من جهته، قال الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور محمد صالح الفتيح إن هناك “أزمة مقبلة للقمح في سورية والحكومة الحالية لا تتحرك بالسرعة وبالشكل الكافيين لتلافي الأزمة واحتواء خطر المجاعة”.

وأضاف في منشور مطول عبر حسابه في فيسبوك:

في 13 فبراير/شباط، أعلن المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز أن تخفيض وزن ربطة الخبز (من 1,500 غرام إلى 1,200 غرام) جاء للحفاظ على مخزون البلاد من القمح الذي “لم يعد يكفي لأربعة أشهر (المصدر في التعليق الأول). أي أن المخزون يكفي حتى منتصف شهر يونيو/حزيران.

في يونيو/حزيران 2022، صرح وزير الزراعة آنذاك محمد حسان قطنا أن حاجة سورية من القمح تبلغ 3.2 مليون طن سنوياً منها 2 مليون طن للخبز والباقي للفريكة والبرغل (الرابط في التعليق الأول). هذا الرقم يعني أن متوسط الاستهلاك الشهري يزيد على 250,000 طن شهرياً.

منذ حوالي العقدين من الزمن كان إنتاج سورية من القمح يزيد على 4.1 مليون طن وكان يصدر قرابة 40% منه. ولكن مواسم الجفاف باتت أكثر تواتراً وأطول في كل مرة عن سابقاتها والنتيجة أن الإنتاج السوري من القمح تراجع بشكل حاد. في السنوات الأخيرة باتت سورية تستورد حوالي نصف حاجتها من القمح أو أكثر بقليل.

حجم المستوردات بحسب مصادر المعلومات المفتوحة بلغ 1.2 مليون طن في 2018 وارفتع خلال السنوات التالية ليبقى بحدود 1.5 مليون طن. بينما تفاوتت التقديرات حول حجم الإنتاج المحلي بين 1 و2 مليون طن سنوياً. تفاوت التقديرات يعود لنقص البيانات وتنافس الحكومات السابقة مع “قسد” على شراء القمح من الفلاحين في الشرق السوري، واتساع ظاهرة عدم تسليم الفلاحين لإنتاجهم. ولكن يمكن اعتبار رقم 2 مليون طن على أنه الرقم الأقصى والأكثر تفاؤلاً الذي تم تحقيقه خلال العقد الماضي. المتوسط الواقعي هو 1.5-1.6 مليون طن والمتشائم هو أقل من مليون طن.

السنوات الأخيرة اتسمت بازدياد حدة الجفاف فضلاً عن تفاقم مشكلة المياه الجوفية وانخفاض منسوب نهر الفرات الحيوي للزراعة في المنطقة الشرقية. بعض الفلاحين كانوا يحصلون على حصص من المازوت بأسعار مخفضة بلغت 2,000 ليرة لليتر الواحد وذلك حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، ثم رفع السعر إلى 5,000 ليرة لليتر الواحد من المازوت الزراعي ثم توقف الدعم تماماً مع سقوط النظام. هذه القفزة بأسعار المحروقات ستؤثر بشكل سلبي إضافي على إنتاج القمح المروي ونقص الهطولات المطرية ستؤثر سلباً على إنتاج القمح البعلي.

ما سبق يعني أن ملف القمح يصبح أكثر حساسية في العام 2025. والحكومة السورية الحالية تدرك أن المخزون الحالي لم يعد يكفي لأربعة أشهر (ربما ثلاثة الآن). ولكنها لم تتحرك بالسرعة وبالحجم المناسب. بالأمس، أعلنت وزارة التجارة الداخلية عن مناقصة لشراء 100,000 طن من القمح الطري (الخاص بصناعة الخبز) على أن يتم التوريد خلال شهر من منح العقد أي سيتم التوريد قبل نهاية شهر أبريل/نيسان. إلا أن هذه الكمية ضئيلة بشكل خطير للغاية ولا تستجيب لا لمعدلات الاستهلاك السابقة ولا للتطورات الأخيرة. لنلاحظ ما يلي: الأولى، خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم تقل كمية القمح المستورد عن 1.5 مليون طن سنوياً (أي 125,000 شهرياً) وكان هذا الاستيراد يكفي لتغطية النقص في الإنتاج. إلا أن الإنتاج هذا العام قد يكون أسوأ من السنوات الأخيرة. مما يتطلب زيادة الاستيراد إلى حوالي 2 مليون طن سنوياً (165,000 طن شهرياً).

الثانية، أن معدلات الاستهلاك الشهري للقمح في سورية تتجاوز 250,000 طن والكمية التي تسعى الحكومة للتعاقد عليها لا تكفي حتى لأسبوعين ولن يتم تسليمها إلا بعد خمسة أو ستة أسابيع من الآن. وفترة حصاد القمح في سورية تبدأ في شهر يونيو/حزيران إلا أن عمليات النقل والتسليم تستغرق أكثر من شهر وأحياناً شهرين. فالفلاحون عادةً يقررون حجم الكميات التي سيسلمونها بعد الإنتهاء من عمليات الحصاد وتقدير الإنتاج ومن المعتاد أن يحتفظ الفلاحون بكميات من القمح لاستهلاكهم الخاص ولإنتاج البرغل والفريكة (خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول). أي أن هناك ثغرة متوقعة بين فترة انتهاء المخزون واستلام المحصول الجديد وهذه الثغرة قد تتجاوز الشهر.

الثالثة، حجم الاستهلاك هذا العام سيكون أعلى من السنوات السابقة نتيجة عودة السوريين إلى منازلهم. فحتى الآن عاد قرابة 300,000 شخص من خارج سورية. ومن غير المستبعد أن يعود قرابة نصف مليون لاجئ من خارج سورية مع نهاية العام. كما عاد حتى الآن حوالي 900,000 من النازحين الداخليين (في إدلب وحلب) عادوا إلى مناطقهم في عموم سورية. ومن المتوقع خروج أعداد إضافية من النازحين من المخيمات. خروج النازحين من المخيمات التي كانت تصلها المساعدات الدولية سيجعل الحكومة السورية مسؤولة عن توفير الغذاء لهم. بالنتيجة، الحد الأدنى المتوقع للزيادة في الاستهلاك هو 5% أي 160,000 طن من القمح. علماً أن رقم 3.2 مليون طن من القمح الذي نستند إليه يعود للعام 2022 ويعود لحكومة النظام السابق التي لم تكن مسؤولة عن توفير القمح والخبز لإدلب وريف حلب.
ختاماً، الوضع المعيشي الحالي في سورية يزيد من حساسية الأمن الغذائي والذي يعتبر الخبز ضمانته الرئيسة. توفر القمح للسوريين كان ما يحميهم من المجاعة. اعتماد السوريين العالي على القمح يعود لصعوبة الحصول على مصادر البروتين الأخرى، وهذا عكس الحال في الدول المتقدمة. فحتى في العام 2009 كان متوسط استهلاك الفرد السوري من القمح حوالي 179 كيلوغرام سنوياً بينما كان متوسط استهلاك الفرد في بريطانيا حوالي 75 كيلوغرام فقط. بالمقابل، كان متوسط استهلاك اللحوم في سورية للفرد في 2009 أقل من 20 كيلوغرام سنوياً بينما بلغ في بريطانيا 84 كيلوغرام.

الفرد السوري يستهلك حوالي نصف كيلوغرام يومياً من المشتقات المختلفة من القمح وهذا ما يمنحه ما بين 60 و65 غرام من البروتين وما بين 1,600 و1,700 حريرة يومياً (أكثر من 80% من هذه الأرقام من الخبز وحده). وهذا ما أبقى السوريين خارج مشهد المجاعات التي رأيناها في الصومال وإثيوبيا في مطلع تسعينات القرن الماضي، وهو مشهد البطون المنتفخة والعضلات الضامرة (نتيجة نقص البروتين والاعتماد على النشويات فقط).
القمح هو ما يبقي المجاعة بعيدةً عن سورية، وهذا ما قلته منذ سنوات وما كررته في البودكاست بعد سقوط النظام مع كل من الأصدقاء مرام داود وبلال سليطين وكذلك في مساحة حوار على تويتر الشهر الماضي مع الدكتور وسام العظمة (الروابط في التعليق الأول).

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها