بلومبرغ : هل تعيد ألمانيا حساباتها تجاه أميركا والصين بعد رسوم ترامب ؟

 

يواجه فريدريش ميرتس، المستشار المرتقب لألمانيا، ضغوطاً لاعتماد تغيير جديد في مواقفه السياسية قبل تسلمه الرسمي للمنصب.

فبعدما فرض دونالد ترمب تعريفات واسعة النطاق تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الواردات من ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، أصبحت ثقة ميرتس السابقة في الولايات المتحدة مهددة، وبات تحقيق انتعاش اقتصادي سريع صعباً وسط الاضطرابات التجارية.

ومع تعثر محادثات الائتلاف بين الكتلة المحافظة التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري الوسطي بسبب مسائل السياسة الضريبية والهجرة، أضيفت التجارة إلى أجندة التفاوض، وأصبحت البدائل أمام ميرتس إما إعادة النظر في معارضته القائمة منذ وقت طويل لتوطيد العلاقات مع الصين، أو تطوير أسواق أخرى للاقتصاد الألماني المعتمد على الصادرات.

يسيطر عدم اليقين على مستقبل أكبر اقتصاد في أوروبا، ما يزيد الضغط على ميرتس خاصة بعد أن فقد دعم بعض الناخبين المحافظين بسبب قراره التخلي عن سياسة التقشف الألمانية، واختياره حزمة إنفاق ضخمة تتضمن ديوناً بمئات المليارات من اليوروهات لتمويل الدفاع والبنية التحتية.

ظل زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) البالغ من العمر 69 ظل صامتاً بشكل لافت منذ الإعلان عن الرسوم الجمركية الأميركية، إلا أن شركاء حكومته المحتملين أوضحوا أن الاعتماد على حسن نية البيت الأبيض لم يعد خياراً مقبولاً.

قال نيلس شميت، المتحدث باسم السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، لـ”بلومبرغ”: “أطلق ترمب حرباً تجارية ضد بقية العالم”. ودعا إلى فرض رسوم جمركية انتقامية ضد الولايات المتحدة، وتنويع العلاقات التجارية، والتنسيق مع كندا والمكسيك بالإضافة إلى الشركاء الآسيويين.

كان يفترض أن تكون الخطة مختلفة، فقد صرح ميرتس مراراً وتكراراً عن نيته بأن تتخذ ألمانيا تحت قيادته موقفاً أكثر صرامة تجاه الصين بينما تعزز الروابط عبر الأطلسي، لكن هجوم الرسوم الجمركية من جانب ترامب قوض هذا التحول الذي كان يخطط له ميرتس، وطرح تساؤلات حول أين يمكن أن تبيع ألمانيا صادراتها.

أشار روبرت هابيك، وزير الاقتصاد المنتهية ولايته من حزب الخضر، إلى أن ميرتس ليس على قدر المسئولية، داعياً الحكومة المقبلة للتخلي عن “افتراضات تسعينيات القرن الماضي”.

وقال هابيك يوم الخميس في برلين: “لم نعد قادرين على الاعتماد على طيبة الآخرين معنا، والقبول التام للواقع هو النموذج الجديد الذي يجب أن تعمل وفقه الحكومة المقبلة”.

بينما وصف المستشار المؤقت أولاف شولتز رسوم ترمب بأنها “خاطئة من أساسها”، إلا أن ميرتس لم يعلق عليها علناً بعد.

وفي الوقت الذي تواجه فيه ألمانيا حالة من عدم اليقين غير المسبوق بشأن علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، نشر ميرتس منشوراً عن المستشار الراحل هيلموت كول، الذي كان ليحتفل بعيد ميلاده الـ95 يوم الخميس الماضي

رفض المتحدثون باسم الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) التعليق على سياسة ميرتس تجاه الصين، قائلين إنه يركز حالياً على محادثات تشكيل الائتلاف.

قال “شولتز” في تغريدة على صفحته الشخصية بمنصة “إكس”: “بالنسبة إلي، قرار الرئيس الأميركي بشأن الرسوم الجمركية خاطئ من أساسه، إنه وضع خاسر للطرفين – لنا والولايات المتحدة. ألمانيا وأوروبا تدعمان التجارة الحرة، وسندافع عن مصالحنا”.

في السابق، كان تفضيل ميرتس للولايات المتحدة وعدم ثقته بالصين واضحين، ففي خطاب ألقاه قبيل الانتخابات في 23 فبراير، حذر قادة الأعمال من التورط الزائد مع القوة الآسيوية الكبرى.

وقال للحاضرين، وبينهم السفير الصيني دينغ هونغبو: “قرار الاستثمار في الصين ينطوي على مخاطر كبيرة. وإذا قررتم تحمل هذه المخاطر، فتحملوها بطريقة لا تُعرّض الشركة بأكملها للخطر في حال اضطررتم لشطب هذا الاستثمار خلال عام”.

قال أشخاص حضروا الحدث وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم إن دينغ بدا منزعجاً وغادر المكان بسرعة. لم ترد السفارة الصينية على طلب التعليق، وفي ذلك الوقت، دعت وزارة الخارجية في بكين ألمانيا إلى النظر في العلاقات بين البلدين بـ”موضوعية وعقلانية”.

وبعد بضعة أسابيع، جدد ميرتس تأكيد تفضيله التعامل مع الولايات المتحدة، دون اكتراث بتصريحات ترمب وإدارته التي شككت في أهمية التحالف عبر الأطلسي.

قال زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) في اجتماع استضافته جماعة ضغط لصالح صناعة السيارات الألمانية في نهاية شهر يناير: “ترسخ اقتناعي في الأسابيع والأشهر الماضية بأن السوق الأميركية، بما في ذلك سوق أميركا الجنوبية، تمثل بالتأكيد قاعدة آمنة لنا”.

في عهد شولتس، حاولت ألمانيا الحفاظ على علاقات إيجابية مع الصين، داعية إلى تقليل المخاطر بدلاً من فك الارتباط الكامل.

ورغم أن الصين تراجعت خلف الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر شريك تجاري لألمانيا العام الماضي، فلم يكن هذا التراجع بسبب سياسات حكومية من برلين، وإنما لانخفاض الطلب من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

الموقف الأكثر صرامة ينعكس في وثيقة تُعد أساس محادثات تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية بشأن سياسة ألمانيا الخارجية المستقبلية، حيث تدعو إلى تقليل “أوجه الاعتماد على أطراف أحادية”.

قال المحافظون بقيادة الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) في ورقة سياسة اطلعت عليها “بلومبرغ”: “أصبحت الصين خصماً نظامياً ورغبتنا في إقامة شراكات وعلاقات منافسة عادلة لا تُقابل بنفس القدر من الجانب الصيني، ومع ذلك ما زلنا نسعى للتعاون بما يخدم مصالحنا”.

أبرزت وثيقة منفصلة صادرة عن الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي احتمال نشوء خلافات، حيث تتبنى موقفاً أكثر تشدداً، وتقترح فحص الاستثمارات الخارجية، وتوطين الإنتاج وسلاسل التوريد في أوروبا، وتنويع العلاقات التجارية.

الرسالة العامة واضحة: التعامل مع الصين سيستمر، لكن على أسس جديدة أكثر حذراً واستقلالية.

خلف الكواليس، يرى ميرتس أن الصين تشكل تهديداً وجودياً لأمن ألمانيا، ويعتزم تقليص العلاقات معها، ما يشير إلى احتمال حدوث تغيير جذري في الروابط التجارية، التي بلغت قيمتها نحو 246 مليار يورو (271 مليار دولار) في شكل صادرات وواردات العام الماضي.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي الألماني، يوجد أيضاً 107 مليارات يورو من الاستثمارات التراكمية في عمليات التصنيع داخل الصين، من قبل شركات مثل “فولكس واغن” و”باسف” (BASF SE)، إلى جانب مئات الشركات الصناعية الأصغر.

موقف ميرتس المتشدد تجاه الصين يعود جزئياً إلى الفترة التي قضاها خارج الحياة السياسية؛ إذ قال، خلال عشاء مغلق مؤخراً، إنه خلال أكثر من عقد عمل فيه كمحامٍ للشركات، نشأت لديه عدم ثقة تجاه الشركاء الصينيين، بحسب أحد الحاضرين الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لسرية النقاش.

كان المستشار الألماني المرتقب يأمل في البداية أن يسهم موقفه المتشدد تجاه الصين في تعزيز علاقته مع إدارة ترمب، بحسب شخص مطلع على توجهات ميرتس. كما أعرب السياسي المحافظ مراراً عن استعداده لإبرام صفقة سياسية مع الرئيس الأميركي.

الآن، يجد ميرتس نفسه أمام تحدي قيادة ألمانيا في بيئة جيوسياسية بعيدة عن قناعاته وتضغط على البلاد. وكان ألكسندر دو بريندت من الحزب الاجتماعي المسيحي، وهو الحزب الشقيق للحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) في بافاريا، أحد المحافظين الكبار الذين علقوا علناً على الهجوم الجمركي الذي شنه ترمب.

قال دوبريندت للصحفيين في برلين إن هذا الهجوم سيضع ضغطاً على العلاقات التجارية في جميع أنحاء العالم، مضيفاً أن “النمو المستقر” هو الركيزة الأساسية لألمانيا.

واختتم: “عندها يمكننا أيضاً الصمود أمام التهديدات التي تطرحها الولايات المتحدة… لكن هذه المهمة أصبحت الآن أكبر من السابق”. (asharqbusiness)

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها