قصة فرار مراهقين سوري و أفغاني إلى ألمانيا

يطهو نعمت وعبود طعامهما في جو تدمع منه عيون أصدقائهما الألمان. نعمت في السادسة عشرة وعبود في السابعة عشرة من العمر. وهنا في مطبخ قرية الأطفال لاندسبيرغ Landsberg يوجد العديد من كتب الطبخ، لكنهما لا يحتاجان إلى كتاب طبخ لطهو أكلتهما المفضلة: الدجاج مع الأرز. وإذا أرادا التغيير، فإنهما يطبخان الدجاج والأرز أو المعكرونة.

وصل الفتيان إلى ألمانيا قبل نحو عام، وهما يقيمان في ولاية بافاريا بجنوب البلاد ذات اللهجة الخاصة بها. ويقول نعمت، الذي ولد في كابول: “اللهجة البافارية مضحكة ولم أتعلمها. تعلمت الألمانية الفصحى وهي ليست صعبة.
العلاقة بين نعمت الأفغاني وعبود السوري متوترة أحيانا، لأن عقلياتهما مختلفة، كما يقول مسؤولو الرعاية في قرية الأطفال في لانديسبيرغ، حيث يعيش الفتيان القاصران. وبالنسبة لهما فإن أصل المرء وديانته لا يأخذ من اهتمامهما وكأنهما روحان وجدا بعضهما البعض. يقول نعمت عن عبود: “إنه هادئ وأنا أحب هذا النوع من البشر”. كلاهما يفضل العمل بالفكر على العمل اليدوي، لذا يريد عبود أن يصبح خبير كمبيوتر. أما نعمت، فيرغب في أن يصبح ميكانيكيَّ سيارات، وللوصول إلى ذلك يتوجب عليهما تحسين قدراتهما في الرياضيات في المدرسة المهنية التي يقصدانها. وقد سمعت إحدى الشركات باجتهادهما وطموحهما، فعرضت عليهما مكانا للتدريب.

نعمت فقد والديه في أفغانستان، وهو لا يريد الحديث عن هذا الموضوع. وقد أمضى في طريق رحلته إلى ألمانيا نصف سنة بداية في إيران ثم انتقل إلى تركيا ومنها بالقارب إلى اليونان ثم سلك ما يعرف بطريق البلقان. وقد جذبه إلى ألمانيا ما سمعه من قصص واعدة عنها.

وهذه القصص جذبت عبود أيضا، الذي يقول: “لقد سمعت دائما أن ألمانيا رائعة. حيث يمكن للمرء كسب المال والعيش بحرية”. الحرية والعدالة هما الأمران الأهم بالنسبة لعبود، وهو يعرف معنى فقدان كل شيء، منذ أن فقدت عائلته في سوريا كل ما لديها: البيت والعمل والوطن. إذ فرت العائلة مع عبود وثمانية إخوة وأخوات إلى لبنان ثم إلى مصر. وفي مصر لم يحالفهم الحظ فاضطر الأطفال للعمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة. ويقول عبود متذكرا تلك الفترة: “كنت أعمل اثنتي عشرة ساعة لأكسب عشرة يوروهات. أردت توفير بعض المال للقدوم إلى ألمانيا”.

لا يملك والداه ما يكفي من المال لمغادرة مصر. “لم يتقبل أبي فكرة أن أسافرت وحيدا، لكنني أردت ذلك”. اشتغل عبود في مصر لمدة سنتين لتأمين مبلغ 3000 يورو للمهربين، الذين هربوه في قارب من مصر إلى إيطاليا. استغرقت رحلة القارب 15 يوما: “لم يكن معنا بنزين وبقينا ستة أيام في البحر. اعتقدت أني سأموت”، يقول عبود متذكرا.

لكن طائرة مروحية إيطالية من خفر السواحل أنقذت عبود و300 شخص كانوا معه على متن القارب، ثم أرسلوه إلى ألمانيا.

في قرية الأطفال ببلدة لاندسبيرغ يجلس نعمت وعبود مع ماريا شتوك، التي ترعاهما وتهتم بهما. يشعران بالراحة معها ويتحدثان عن كل ما يحبطهما. ورغم أنهما لا يتحدثان بالسياسة، إلا أنهما يتابعان النقاشات في ألمانيا عن قضية اللاجئين والحديث عن “إغلاق الحدود” و”إعادة اللاجئين”. وحتى عن أفغانستان يجري الحديث عن اعتبارها جولة آمنة بالنسبة للبعض. إن ذلك يغضب نعمت، الذي يقول: “أنا أتعلم اللغة الألمانية وأبذل قصارى جهدي، ثم يقولون عليّ أن أرجع. هذه مشكلة بالنسبة لي!”.

بعد تفجيرات باريس أدار بعض الناس في القرية الظهر لنعمت وعبود، خاصة مع النقاشات والجدل بشأن احتمال وصوارهابيين مع اللاجئين القادمين إلى ألمانيا. وبدى شعور الانعزال على نعمت، لكن عبود يبدو غير متأثر بكل بذلك ويقول: “هذا لا يهمني، وقد رأيت الكثير حتى الآن. أترك الناس يقولون ما يشاؤون وأذهب، ليس لزاماً علي أن أسمع هذا”.

كلاهما يرغب في البقاء في ألمانيا، وعبود يأمل أن يتمكن من مساعدة أهله وإخوته في القدوم إلى ألمانيا، لكن القرار النهائي بهذا الخصوص ما زال معلقاً. المهم بالنسبة لنعمت وعبود هو وجودهما في قرية الأطفال، فتأخذهم مشاعر الحمد والشكر. (Deutsche Welle)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments