” حقائب متحركة ” .. من أجل ألمانيا أكثر تلوناً في عيون المهاجرين !

يسعى ألمان كثر إلى جعل بلدهم «متلوّناً»، وأكثر ترحيباً بالآخرين وتعدداً للثقافات، ولو أستدعى الأمر إنشاد النشيد الوطني بلغات أخرى، وبألحان إضافية مثل التركية أو الإيطالية.

هكذا بدأت فكرة الصحافي هانس فيرنز مع مشروعه «من أجل حمل مزيد من الديموقراطية»، بعد أن لفت انتباهه أن شباناً ألماناً كثراً لا يحفظون إلا المقطع الأول من النشيد الوطني، وبعضهم لا يحفظون شيئاً منه، وآخرون ينشدون المقطع الذي حذف إثر خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية.

هكذا راقت لفيرنز فكرة أن ينطلق بمشروعه من «أجل حمل مزيد من الديموقراطية» من النشيد الوطني الألماني ليجعله «متلوّناً»، بمعنى أن ينشد بلغات مختلفة وألحان إضافية. فيسمع الألمان نشيدهم متجدداً، ويرون وطنهم بعيون المهاجرين والقادمين.

ويقول فيرنز إن هذه التجربة بدت جيدة. فقد نشر مجموعة من الشبان في الشوارع حاملين تسجيلات مختلفة للنشيد الوطني. فبدأ المارة يدندنون اللحن، ليتذكّروا بعد حين أنه النشيد الوطني، ومنهم من ضحك للفكرة، وآخرون وجدوها جديدة أو غير لائقة، وبعضهم شعر أنها تعبّر عن ألمانيا التي يريدونها. هكذا تنوّعت ردود الفعل واختلفت، ولكنها أوجدت حالة من التفكير والتفاعل.

وتطوّرت فكرة الصحافي فيرنز وراح يبحث في شكل أعمق عما يعني الوطن للمهاجر أو اللاجىء؟ أي طعم يحمل الوطن؟ أي رائحة؟ أي تعريف؟ وكيف لألمانيا أن تصبح وطناً جديداً؟

وكان هدفه من هذه «المعضلة» توسيع مفهوم المواطنة لدى الألمان والبحث عن جذور مشكلة الإندماج في مجتمعهم. بحث عن قصص المهاجرين أو الألمان من خلفيات مهاجرة، وسجل شهادتهم على أشرطة خاصة، ثم زوّد شباناً متحمسين للفكرة حقائب تصدر منها تسجيلات المهاجرين وشهاداتهم عن أوطانهم الأصلية ومشكلاتهم في ألمانيا وهمومهم ومعاناتهم. ساروا حاملين الحقائب في مناطق مختلفة، وأثاروا مجدداً حواراً بين العابرين وبينهم، وبالتالي أطلق فيرنز حواراً مختلفاً في الشارع.

ومع تدفّق اللاجئين السورين إلى ألمانيا في شكل كبير وتباين مواقف الألمان بين مؤيد ومعارض، بادر فيرنز إلى توسيع فكرة مشروعه ليشمل معرضاً متحرّكاً يضم صوراً للألمان الذين غادروا ألمانيا الشرقية إلى القسم الغربي بعد انهيار جدار برلين عام 1989، مع صور مشابهة لسوريين هاجروا من بلدهم إلى ألمانيا، متجاوزيين بحراً وأسلاكاً شائكة وأخطاراً مجسّدين معاناة لا تؤطر في صور.

في حافلة (كرفانة) وسط مدينة سالفيلد، عُلقت صور لسوريين تقابلها أخرى لألمان، وأكّد فيرنز من خلالها أن التاريخ يعيد نفسه والحروب والانقسامات التي عايشها الألمان تتكرّر الآن مع شعب آخر وفي بقعة مختلفة من هذا العالم. ويتساءل: «هذا الشعب في ضيافتنا فهل نحسن التعلّم من التاريخ وأن نكون مضيافين؟».

خارج الحافة يوزّع فيرنز طعاماً سورياً في «محاولة لاستحضار الوطن بالصورة والطعم».

ويوضح لـ «الحياة» أن مشروعه «نفّذ في ثلاث مدن منها برلين، وأنوي تعميمه على مدن أخرى». يختلف رد فعل الناس حول هذا الموضوع، منهم من يقول لا وجه للمقارنة بين ما حدث للألمان بعد هدم جدار برلين حين انتقل عدد كبير من «الشرقيين» إلى ألمانيا الغربية، «لأن جميعهم ألمان ولا فوارق ثقافية بينهم». في المقابل، يرى بعضهم إن المعاناة التي تولّدها الحروب والتقسيم هي ذاتها، فقد عانى الألمان طويلاً من النزوح والتهجير وحتى الجوع خلال الحرب وبعد إنتهائها.

كما ينقسم الرأي العام حول توجهات فيرنز، فمنهم من وجد أن مشروعه يعزّز مفهوم الاندماج والمساواة، وآخرون اعتبروه مرشداً وموجهاً، في ظل كثرة الاهتمامات والمواضيع والمشكلات خــصوصاً، فوجـــدوا أن مـساعدة اللاجئين أمر جيد ومفيد. كما تبرّعت فئة بسخاء كي تتابع الحافلة نشاطها وتستمر حملة «من أجل حمل مزيد من الديموقراطية» بعدما وجدت فيها ضالتها.

كما أكد كثر أن المشروع مفيد لجهة مقارنة تجارب الشعوب ببعضها بعضاً والتذكير بأهوال الحرب والتقسيم وما خلّفه جدار برلين، إذ إن لألمانيا تجربة خاصة في هذا الشأن، والهروب من ألمانيا الشرقية إلى الغربية سابقاً، كان يكلف المرء حياته أحياناً. وقد عانى كثر ممن انتقلوا من القسم الشرقي من الاشتياق لـ «موطنهم»، قبل هدم الجدار على رغـم عدم وجود فوارق كبيرة ومسافة بعيدة. (صحيفة الحياة)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها