الكاتبة الألمانية الفائزة بجائزة نوبل ” هيرتا مولر ” : ألمانيا مصابة بفقدان الذاكرة الجماعي

ولدت هيرتا مولر في السابع عشر من آب (أغسطس) 1953 في غرب رومانيا لوالدين من أقلية ألمانية، حازت مولر جائزة نوبل للآداب يوم الخميس 2009/10/8 في مكافأة فهمت بكونها إيماءة للذكرى السنوية الـ2- لانهيار الشيوعية.

وقالت مولر في تصريح أطلقه ناشرها في ألمانيا، حيث تتمتع بشهرة واسعة: أنا جد منذهلة وما زلت لا أصدق الفوز بالجائزة، لا أستطيع أن أقول مزيدا في هذه اللحظة. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مدحت عمل مولر، مسميةً إياه، أدباً بارزاً مستقى من تجربتها الحياتية في ظل الدكتاتورية، وقالت ميركل للمراسلين الصحافيين، اليوم، بعد 20 سنة على سقوط جدار برلين، إنها رسالة مدهشة أن يتم تكريم أدب ذي منزلة رفيعة تناول هذه التجربة الحياتية بجائزة نوبل للآداب، من الطبيعي أننا شعرنا بالسرور لأن هيرتا مولر وجدت لها وطناً في ألمانيا.

هاجرت مولر صحبة زوجها الروائي ريتشارد فاجنر إلى ألمانيا سنة 1987، قبل الانقلاب الذي أطاح بنيكولاي شاوشيسكو بسنتين وسط انهيار متزايد للنظام الشيوعي عبر أوروبا الشرقية.

هذه الجائزة هي اعتراف عالمي بالاضطهاد الذي جرى في رومانيا وأوروبا الشرقية، هذا ما قاله الممثل الروماني إيون جارامترو، وهو مناوئ للشيوعية صعد على سطح دبابة متجهة نحو محطة التلفاز في بوخارست، خلال انقلاب 1981 وهو الآن يترأس المسرح الوطني في بلاده.

معظم أعمال مولر الأدبية مكتوبة بالألمانية، إلا أن بعض الأعمال تمت ترجمتها إلى الإنجليزية، الفرنسية، والإسبانية، بضمنها (جواز السفر)، (أرض البرقوق الأخضر)، (السفر على ساق واحدة) و(الموعد). رواية مولر الأخيرة (أرجوحة النَفس) نالت (جائزة الكتاب الألماني) لسنة 2009 والتي أعلن عنها يوم الإثنين الموافق 12 / 10 / 2009.

مولر هي المرأة الـ12 التي تنال جائزة نوبل للآداب، آخر امرأتين فازتا بالجائزة هما النمساوية ألفريدا يلينيك سنة 2004، والكاتبة البريطانية دوريس ليسنغ سنة 2007، وهي الفائزة رقم 13 من المؤلفين الذين يكتبون بالألمانية، حيث كان آخرهم غونتر غراس الذي فاز بالجائزة سنة 1999.

كان الظهور الأول لـ”مولر” سنة 1982 بمجموعة قصصية حملت عنوان (منخفضات) تصف فيها قسوة الحياة في قرية صغيرة يتكلم سكانها الألمانية في رومانيا، منعت الحكومة الشيوعية المجموعة حالا.

“إنه أدب لا نتوقعه منها بالتأكيد. كنا نتوقع أدباً حافلاً بمزيد من الاعترافات والشهادات”.

في مؤتمر صحافي حاشد فيما بعد الظهر في مكاتب (جمعية الناشرين وبائعي الكتب الألمان) في برلين، حيث تقيم، تكلمت السيدة مولر، ضئيلة الجسم وأنيقة، مجللة بالسواد وجالسة على كرسي طباعة يتخذ هيئة أسد، بدت مرتبكةً بالمصابيح الومضية وهي تنفجر بوجهها، تكلمت عن 30 سنة أمضتها في ظل الدكتاتورية، وعن أصدقائها الذين فارقوا الحياة إلى الأبد، قالت مولر إن الجائزة تتويج لأعمالها وهي ليست لها شخصيا، إنها كتب وقد تم إنجازها، إنها ليست لشخصي، أنا هي الإنسانة التي يعرفها الجميع، أنا الآن لستُ أفضل ولا أسوأ حالاً البتة، إن الفوز شيء جيد، إنه شيء جميل، إنما لا يغير أي شيء بالنسبة لي، باطني هو الكتابة، كوني أستطيع الاستمرار.

ولدت السيدة مولر وترعرعت في مدينة (نيتزكيدورف) التي تتحدث الألمانية في رومانيا. خدم والدها في الـ SS خلال الحرب الكونية الثانية، ونفيت أمها إلى الاتحاد السوفياتي سنة 1945 وأرسلت إلى معسكر عمل فيما يسمى الآن أوكرانيا. حين كانت طالبة جامعية درست الأدب الألماني والروسي، عارضت نظام نيكولاي شاوشيسكو وانضمت إلى (أكشن غروب بانات)، وهي مجموعة من الكتاب المنشقين الذين يسعون إلى حرية الكلام. صدرت مجموعتها القصصية (منخفضات) خلال عملها كمترجمة في أحد المعامل. مُنعت القصص وطُردت السيدة مولر من المعمل بعد أن رفضت العمل مع (البوليس السري). وخلال عملها كمعلمة روضة أطفال تم تهريب هذه المجموعة إلى ألمانيا وطُبعت هناك فنالت استحساناً نقدياً فورياً.

مع أن السيدة مولر محترمة بصورةٍ واسعة في ألمانيا، هي مجهولة بكل معنى الكلمة في العالم الناطق بالإنجليزية. في كتابتها عن نيويورك سنة 1996 وصفت لاري وولف رواية مولر (أرض البرقوق الأخضر) بكونها تسعى إلى خلق نوع من الشعر من القبح الروحي والمادي للحياة في رومانيا الشيوعية وفي مراجعة لرواية (الموعد) في سنة 2001، كتب بيتر فيلكينس أن السيدة مولر استخدمت سفك الدماء من قبل الحكومة بوصفه ستارة مسرح خلفية للوحشية والتضليل اللذين يتعامل بهما الناس مع بعضهم الآخر في حياتهم اليومية، سواء كانوا أزواجاً، أفراد أسرة أو أقرب الأصدقاء.

لين مارفن، المحاضرة بالدراسات الألمانية في (جامعة ليفربول) التي كتبت عن السيدة مولر، قالت: إنه انفصال غريب الأطوار أن تكتب عن التجارب الصادمة في ظل الدكتاتورية بأسلوب شاعري جداً. إنه شيء لا نتوقعه بالتأكيد. نتوقع أدباً حافلاً بمزيد من الاعترافات والشهادات.

تقول السيدة مولر: بعد أن أنشر كل كتاب أفكر أنني لن أكتب كتاباً آخر، إنه كتابي الأخير. وبعد مرور سنتين أبدأ بالكتابة من جديد. لا أشعر بأي فرق بعد أن حصلتُ على جائزة نوبل. من بين أشهر رواياتها (جواز السفر) التي نشرت سنة 1986 في ألمانيا وتُرجمت سنة 1989، و(الموعد) التي نشرت سنة 2001 وتصف فيها القلق الذي تعيشه امرأة بعد أن استدعتها مديرية أمن الدولة. وصفت مولر الدكتاتور الروماني السابق شاوشيسكو في مقال نشرته صحيفة (فرانكفرتر راوند شو) سنة 2007 بأنه: محدث نعمة يستخدم الصنابير وأدوات الطعام المصنوعة من الذهب، كما أن لديه ضعفاً خاصاً تجاه القصور وقالت إن رومانيا أُصيبت بفقدان الذاكرة الجماعي فيما يتعلق بماضيها القمعي.

وقالت إن سكان ألمانيا يتظاهرون بأن ذلك الماضي اختفى، لكن البلاد كلها مصابة بفقدان الذاكرة الجماعي. وأضافت: كانت رومانيا مأوى لأعتى دكتاتور في أوروبا الشرقية وأكثرهم شراً بعد ستالين.

قبل يومين من إعلان الجائزة، انتقد السيد بيتر إنغلوند، السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية، هيئة التحكيم المؤقتة بكونها شديدة التركيز على أوروبا؛ إذ حصل الأوروبيون على تسع من بين الجوائز العشر الماضية في الآداب. لكنه قال بعد فوز السيدة مولر إنها: ذات لغة خاصة متميزة جداً، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى إنها تملك حقيقةً قصةً صالحة للروي عن عيشها في ظل نظام شمولي.. عن نشأتها كغريبة بين أهلها. وقالت لجنة حكام جائزة نوبل للآداب في حيثيات منحها جائزة نوبل للآداب: إنها كاتبة عكست حياة المحرومين بتركيز لغة الشعر ووضوح لغة النثر. (Elaph)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها