التسوية لم تنضج و كل يبحث عن انتصاره

أكتب هذا التقييم الديبلوماسي والجيوستراتيجي في وقت احتدام المواقف الديبلوماسية، وارتفاع المواجهات العسكرية على جبهات القتال السورية، من أقصى الشمال إلى ضواحي العاصمة وامتداداً إلى جبهة حوران ودرعا.
على الصعيد الميداني يبدو أن النظام السوري وحليفيه الأساسيين الروسي والإيراني يحاولون، ومنذ فترة زمنية، تحقيق اكبر مكاسب ميدانية ممكنة وفي مناطق حساسة من أجل توظيفها في المفاوضات الديبلوماسية التي يعمل المندوب الدولي استيفان ديمستورا على عقدها «جنيف 3».

وفي رأيي، قبل استعراض المرحلة الحرجة التي ستسبق او ترافق المفاوضات (في حال انعقادها) من المفيد والضروري الإضاءة على عناصر ومبادئ وشروط لا بد من توافرها من أجل تأمين انعقاد المفاوضات والتأكيد على حسن سيرها وصولاً الى تحقيق أهدافها المرسومة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والمستند الى مقررات فيينا.

أولاً، لا بد من وجود توافق بين مختلف القوى الدولية والإقليمية وأن تترجم هذه القوى هذا التوافق في رؤية أو إطار للحل السياسي يطرح على طرفي الأزمة السورية للتفاوض من أجل التوصل الى إقامة سلطة مركزية وطنية موحدة تمسك بالوضعين السياسي والأمني، وتهيّء الخطوات الإصلاحية اللازمة، سواء لجهة وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة لإعادة تكوين سلطات الدولة.
يمكن من خلال استنتاج أولي لمواقف وأدوار اللاعبين الكبار في تقرير مسار الأزمة إنه لا تتوافر حتى الآن أدنى الظروف الملائمة لوضع عربة السياسة على سكة الحل.

والمؤسف، لا بل الخطر، أن هؤلاء اللاعبين هم في حال اشتباك سياسي وديبلوماسي وعسكري متصاعد، ولا يبدو في الأفق أي أمل بتخفيف أو فضّ أيّ من الاشتباكات، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار حال التصعيد في المواقف (العدائية) بين المملكة العربية السعودية وإيران. وهنا لا بد من التوقف عند الاتهامات التي ساقها وزير الخارجية الإيراني أحمد جواد ظريف ضد المملكة فالمقال الذي نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» في 10 كانون الثاني (يناير) متهماً إياها «بدعم الإرهاب والتعاون مع التطرّف ودفع دول المنطقة نحو مواجهات مدمرة». لقد تحدث ظريف عن السعودية بلسان وزير الحرب الإيراني وليس بلسان صاحب الوظيفة الديبلوماسية التي وظهر سابقاً أنه يتقنها.

ثانياً، يتطلب انعقاد وحسن سير المفاوضات السورية ان تكون الأطراف الداخلية، من النظام والمعارضة، مقتنعة بضرورة البحث عن حل ينقذ البلاد من عملية التدمير الممنهج منذ اكثر من خمس سنوات والتي بدأت تأخذ منحى خطيراً منذ بدء العمليات الجوية الروسية. لكن، يبدو من المعلومات المتوافرة من كواليس الديبلوماسية إنه لا تتوافر لدى الأطراف الداخلية النية والتصميم للتجاوب مع الجهود المكثفة التي يبذلها الموفد الدولي من أجل تأمين انعقاد المؤتمر وإطلاق أعماله.

يضاف الى ذلك الاختلاف الكبير القائم حول تشكيل وفد المعارضة وتسمية المفاوضين. تضغط روسيا بكل ثقلها ليكون لها اثنا عشر ممثلاً في الوفد المعارض من أبرزهم قدري جميل وهيثم مناع وصالح مسلم، في حين تعترض تركيا بقوة على مشاركة هذا الأخير، وهي تهدد بالانسحاب من مجموعة الدول الداعمة في حال حصول مشاركة صالح مسلم في وفد المعارضة.

هذا الإرباك الديبلوماسي المرافق لمرحلة تشكيل الوفود، دفع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينمر للتصريح إلى صحيفة «فرانك فورتر الغيماني تسايتونغ» قائلاً: «أخشى أننا تخطينا مرحلة الانتقاء الدقيقة في اختيار جميع الأطراف والمفاوضين». كما شدد على ضرورة وجود تحالف من كل الذين يمثلون شرائح من المجتمع السوري ويمثلون قوة فعلية وهم مستعدون لوقف الحرب.

يعكس هذا التصريح حالاً من التشاؤم والإحباط حول مدى التخبط الديبلوماسي الحاصل في عملية تشكيل وفد أو وفدي المعارضة وتأمين الظروف والأجواء السياسية والديبلوماسية الملائمة لانطلاق المفاوضات.

ثالثاً، لا يمكن تصور انعقاد مؤتمر للسلام يؤدي إلى تقدم فعلي إذا لم تتوافر الشروط والمعطيات الموضوعية التي تغيّر في سلوكات القوى الخارجية والديناميات الداخلية المشاركة في النزاع.

ولا بد من طرح علامات استفهام كبرى حول نوايا وسلوكات مختلف اللاعبين. يبدو بوضوح من خلال المواقف المتباعدة بين أبناء المعسكر الواحد، أو من خلال المواقف المتناقضة بين الأطراف المتواجهة سياسياً وعسكرياً، بأن هذه الأطراف كلها لا تؤمن بالبحث عن المخارج العملية بالطرق الديبلوماسية المشروعة، وما زال معظمها يرى أن في إمكانه الاستمرار في الصراع إلى حين تحديد النصر.

هذا ما تؤشر إليه مواقف النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني كما تؤشر إليه أي قراءة موضوعية لمواقف أطـــراف المعارضة، سواء تلك المنبثقة من مؤتــــمر الرياض والتي طالب نصفها بتأجيل المؤتمر في الوقت الذي بدأت الانشقاقات بين المعارضين والمعتمدين لدى روسيا.

تفترض حال النضوج وجود قناعة وحاجة حقيقية لدى الأطراف المتصارعة للانخراط في العملية السلمية، ولا يمكن لمثل هذه الحاجة أن تتبلور وتتحول إلى خيار إلا إذا كانت الأطراف جميعها قد تعبت وشعرت بأن الحرب قد أنهكتها بالكامل. وإذا ظهر في مكان ما أن أحد هذه الأطراف ما زال يعتقد بقدرته على متابعة الحرب فإن ذلك قد يتطلب أن تقوم القوى الدولية الداعمة للعملية السياسية بعمل عسكري حاسم لإضعافه وإعادته إلى رشده.
أفضل مثال على هذا الأمر نجده في مؤتمر (دياتون) للسلام في البوسنة، حيث جرى التصدي عسكرياً للرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش من أجل إخضاعه وإعادته صاغراً إلى طاولة المفاوضات.
في التقييم العام يبدو أن خريطة الطريق إلى «جنيف 3» متشابكة ومليئة بالتناقضات لجهة تشكيل وفد المعارضة، وأن ما يزيد الأمور تعقيداً وضبابية يتمثل في التصدع الحاصل في العلاقات القائمة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين.

لا بد من الإشارة إلى أنه في مقابل الموقف السعودي الذي يريد الاستجابة للموقف الأميركي الداعي بإلحاح للذهاب إلى جنيف شهدنا تردداً لا بل تشجيعاً من تركيا وقطر لعدم الحضور أو في أحسن الأحوال طلب التأجيل.
تجدر الإشارة إلى حيوية الموقف الروسي وقوته الذي يعمل على جبهتين ديبلوماسية وعسكرية من أجل خدمة (إستراتيجيته الكبرى) التي تؤهل موسكو لكي تلعب دوراً إقليمياً كبيراً.

وتطمح موسكو ليس فقط إلى لعب الدور المقرر في طبيعة الحل في سورية بل وأيضاً إلى لعب دور الدولة الحامية للأقليات العلوية والكردية وغيرهما.

وكانت روسيا عملت طوال الأشهر الماضية كل ما يلزم من تدابير عسكرية وسياسية من أجل عزل تركيا، ومنعها من القيام بأي دور عسكري مؤثر في طول حدود سورية الشمالية.

السؤال المطروح الآن وبإلحاح: هل ينجح الموفد الدولي دي ميستورا في «تفكيك كل هذه الألغام» المنصوبة؟ يعتقد ديبلوماسي دولي بأن مهارات دي ميستورا لم تساعده كثيراً حتى الآن في تحقيق ما يصبو إليه، حيث أن الحاجز الأساسي أمام أي تقدم نحو المفاوضات ما زال يتمثل بعدم توافر القناعة لدى أي من الأفرقاء بأن لديه مصلحة فعلية في وقف الصراع. وهذا يؤكد حقيقتين، الأولى أن شروط إنضاج التسوية وظروفها لن تتحقق في القريب المنظور، وأن الوقت يعمل لمصلحة الإرهاب و«الدولة الإسلامية».

نزار عبد القادر – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. لايوجد حل سياسي سلمي في سوريا فلو افترضنا وجود الإرادة الدولية للضغط على جميع الأطراف بالتساوي للقبول بالحل السلمي ولو افترضنا أيضا صدور عفو عام عن جميع مجرمي الحرب وعن لصوص المال العام فماذا سيحدث في اليوم الأول لاستلام هيئة الحكم لصلاحياتها الأمنية والعسكرية والإدارية الكاملة في سوريا وبدأت بإجراء إصلاحات هيكلية في الجيش والأمن عبر تسريح آلاف الضباط العلويين لتحقيق نسبة التمثيل الطائفي العادل لجميع الطوائف أو بدأت بصرف عشرات الآلاف من الموظفين العلويين المتخمة بهم دوائر الدولة لنفس السبب السابق أو بسبب عدم كفائتهم ونزاهتهم والطرق الملتوية التي توظفوا بها أو بدأت هيئة الحكم ضمن مخطط تنظيم المدن بالتخطيط لإزالة مستوطناتهم العشوائية المحيطة بها أو بالنظر في العقارات والأراضي التي سطت عليها المليشيات الشيعية وإيران في جميع المدن السورية ومحاولة إعادتها لأصحابها أو أرادت فرض رقابتها الصارمة على الحدود البرية مما يعني قطع شريان حزب اللات العسكري والمالي والمخدراتي أو الامتناع عن دفع القروض الإيرانية المقدمة لنظام الأهبلوف وأشياء أخرى كثيرة مماثلة فماذا سيحصل في اليوم التالي لصدور تلك القرارات ؟ سيقوم العلويون والشيعة المدججين بالسلاح وبمساندة إيرانية بالتمرد والانقلاب العسكري عصر ذاك اليوم وتعود الحرب من جديد … باختصار التغلغل العلوي وجبل الفساد الذي نخر مفاصل وشرايين الدولة السورية والتجاوزات الأمنية والعقارية والإدارية والمالية والقانونية والقضائية وسلب الحقوق بالقوة والظلم والقتل والفساد وجميع الكوارث التي حصلت في عهد المقبور حافييييظ والأهبلوف أصبح ينظر لها كمكتسبات للطائفة العلوية دونا عن سائر الطوائف لايمكن التفريط بها ولا التنازل عنها مهما كلف الثمن ولذلك لن يرضوا بأي حل سلمي سيسلبهم هذه الامتيازات بقوة القانون وهم يعرفون هذا جيدا وسيقاتلون بدعم من إيران ومليشياتها حتى النهاية أما جنيف وسواه من مؤتمرات فهم يحضرونها فقط لإزالة الضغط الدولي عنهم دون أي نية حقيقية للحل وإلا مامعنى استمرار القصف والحصار والاعتقال إذا كانت النية سليمة؟