سوريا و وثائق الوفاق الأميركي السوفياتي

عندما نشبت حرب 1973 لم تكن القوتان العظميان عندئذ، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تتوقعانها، وكانت بيانات مؤتمر القمة في موسكو في أيار (مايو) 1972 تتحدث عن استرخاء عسكري. ثم في مؤتمر قمة واشنطن، في حزيران (يونيو) 1973، جرى الحديث عن تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية سلمية وفقاً لقرار الأمم المتحدة 242.

غير أن اندلاع الحرب، وما بدا من تأييد القادة السوفيات لحق كل من مصر وسورية، في تحرير أراضيهما، تلازم مع جسر جوي لدعم القاهرة ودمشق. وهو التطور الذي استشعرت فيه موسكو وواشنطن الحاجة إلى تنسيق مواقفهما وفقاً لـ «إعلان المبادئ»، الذي صدر عن قمة موسكو عام 1972 والذي نص على التشاور والتنسيق بين القوتين خلال الأزمات التي يمكن أن تهدد علاقات البلدين. وجاءت المبادرة من الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف حين طلب من الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن يبعث بمستشاره للأمن القومي عنذئد هنري كيسينجر للتشاور حول الأزمة في الشرق الأوسط. ووصل كيسينجر إلى موسكو في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 وأسفرت المشاورات مع القاده السوفيات عن مشروع قرار يتضمن الدعوة إلى وقف إطلاق النار عند الخطوط التي وصل إليها الطرفان المتحاربان، وهو المشروع الذي أقره مجلس الأمن وصدر برقم 238.

واليوم مع أزمة أخرى في الشرق الأوسط، هي الأزمة السورية، ومع انخراط كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية فيها، وبخاصة بعد التدخل العسكري الروسي ودعمه نظام بشار الأسد، الذي كانت الإدارة الأميركية تطالب برحيله، بدأ تطور المواقف خصوصاً الأميركية، تجاه إدارة علاقاتها مع موسكو.
فمع بداية التدخل العسكري الروسي اعتبرت الإدارة الأميركية على لسان وزير الدفاع اشتون كارتر أن «روسيا ستدفع ثمناً باهظاً لتدخلها». غير أن هذا تطور إلى اعتبار أن واشنطن ستتفهم التدخل الروسي إذا أدى إلى هزيمة «داعش»، وتطور أكثر إلى الاهتمام بتفادي صدام مسلح بين المقاتلات الأميركية والروسية في الأجواء السورية. وهو ما صاغ من أجله عسكريون أميركيون وروس بروتوكولاً. ومع أن اجتماعي فيينا حول الأزمة السورية لم يحققا اختراقاً لجهة التوصل إلى تسوية، فإن المبادئ التي توصلا إليها أظهرت قدراً من التنسيق حول أسس التسوية وإن ظل الاختلاف حول مصير الأسد. وحتى حول هذه القضية بدأ نوع من التطور في الموقف الأميركي لجهة تقبل بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية.

وتطور الموقف الأميركي أكثر، حيث بدأ وزير الخارجية جون كيري يلمح إلى أن ثمة قواسم وأهدافاً مشــتركة بين روسيا وأميركا في ســورية، وأنهما يتفقان على أن الحرب يجب أن تنتهي عبر صفقة سياسية، وأنهما يريدان أن تظل سورية بلداً موحداً بحكومة علمانية. وقال كيري إن الولايات المتحدة وروسيا تريدان تصفية «داعش» والمنظمات المتطرفة الأخرى. وللإعداد لمؤتمر جنيف، تواصل كيري ولافروف للتنسيق حول صيغة تمثيل المعارضة السورية، وأصدرت الخارجية الروسية بياناً تؤيد فيه الجهود الأميركية لعقد مؤتمر جنيف. كما أبلغ لافروف نظيره الأميركي بأن روسيا مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية.

فهل يعني ذلك أنه على رغم تغير الأيديولوجيات والنظم، سيظل اهتمام واشنطن وموسكو، منصباً على التعامل مع المواقف والنزاعات الإقليمية التي ينخرطان فيها في شكل لا يؤدي إلى صدام مسلح؟ وهو الحرص نفسه الذي بدا من الولايات المتحدة، عندما امتنعت عن التدخل العسكري، في أزمتي جورجيا وأوكرانيا، وفضلت اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية والسياسية.

السيد أمين شلبي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها