كواليس ” مؤتمر ميونخ ” المنتظر قبل استئناف محادثات جنيف

يحسم المؤتمر الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ بدءاً من الخميس المقبل، مصير استئناف المفاوضات غير المباشرة بين ممثلي الحكومة السورية والهيئة التفاوضية العليا للمعارضة في جنيف في 25 الشهر الجاري، وسط وجود اتجاهين، يدعم الأول وزير الخارجية الأميركي جون كيري باستعجال إعلان وقف للنار، فيما تدعم دول أخرى مقاربة تقوم على إعلان المؤتمر «إجراءات بناء الثقة» بينها إلقاء مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة ووقف إلقاء «القنابل الغبية» على المدنيين.

واستبق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نهاية الأسبوع الماضي قرار الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة الانسحاب من المفاوضات بسبب تكثيف الغارات الروسية على ريف حلب، بإعلانه «تعليق» المفاوضات غير المباشرة إلى 25 الشهر الجاري، ذلك لقناعته أن انسحاب المعارضة رسمياً سيجعل أمر عودتها أكثر صعوبة، في حين أن تعليقه المفاوضات يترك مبادرة العودة إلى طاولة المفاوضات في يديه والاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية» في مؤتمر ميونيخ الذي تقرر دعوة المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية» رياض حجاب إليه.

وخيم قرار تعليق دي ميستورا المفاوضات على المؤتمر الدولي للمانحين في لندن الخميس الماضي. كما أنه «صدم» كيري المتحمس للعملية التفاوضية، إذ تبلغ قرار التعليق عشية وصوله إلى العاصمة البريطانية. وبدا هذا في تعليقاته أمام نشطاء في المجتمع المدني السوري، لدى إشارته إلى خطأ تلويح المعارضة بالانسحاب لأن ذلك سيعرضها إلى ثلاثة أشهر من القصف الروسي العنيف، إضافة إلى تساؤله ومساعديه رداً على إلحاح معارضين آخرين: «هل تريدون أن تخوض أميركا حرباً ضد روسيا؟».

وقال كيري، بحسب ما نقل عنه: «يجب أن يكون هناك نقاش للوصول إلى صيغ تلتزم بها جميع الأطراف بحيث يتاح وصول الإغاثة ويمكن تطبيق وقف إطلاق النار». وهو يرى أن مؤتمر ميونيخ المنصة المناسبة لإقناع ممثلي الحكومة والمعارضة للعودة جنيف. وقال مسؤول غربي رفيع المستوى لـ «الحياة» أمس أن المطروح هو أمرين: «اتفاق أميركي – روسي على تقديم مساعدات إنسانية أو إعلان وقف للنار».
وكان كيري بين أكثر المتحمسين لإعلان وقف النار بالتزامن مع قيام الأمم المتحدة بصوغ مسودة لإعلان وقف للنار والإفادة من تجارب سابقة مع الإشارة إلى جانب مهم في سورية وهو أن وقف النار يشمل القوات النظامية والمعارضة مع بقاء القوة النارية وتصعيدها ضد «داعش» والتنظيمات الإرهابية وسط عدم وجود تفاهم على هذه التنظيمات. وقال كيري قبل يومين: «هناك مناقشات حالياً في شأن تفاصيل وقف إطلاق النار وطرح الروس بعض الأفكار البناءة في شأن كيفية تطبيق وقف إطلاق النار».

وبحسب المعلومات، فان الجانب الروسي موافق على مبدأ وقف شامل للنار، لكن لا يرى ذلك ممكناً حالياً، ما رجح احتمال أن موسكو تربط موعد إعلان وقف النار بتحقيق القوات النظامية، بـفضل «القبة الحديد» الروسية، تقدماً إضافياً على الأرض و»تطويق» حلب ثاني أكبر مدينة في سورية وعزلها عن خطوط الإمداد في تركيا إضافة إلى «تأمين» حزام دمشق بسيطرة القوات النظامية على مدينة داريا وبعض مناطق الغوطة الشرقية. وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن موسكو «ستضع بعض الأفكار الجديدة على الطاولة (في ميونيخ). نعد بعض الأفكار حول طريقة التقدم خصوصاً في ما يتعلق بوقف إطلاق النار».

إضافة إلى ذلك، فإن موسكو وطهران ودمشق تتفق على أن وقف النار «لن يشمل التنظيمات الإرهابية» وإن كان كل طرف يختلف حول تعريف «الإرهابيين». وتعتبر الحكومة السورية أن «كل من رفع السلاح ضد الدولة هو إرهابي». وقال وزير الخارجية وليد المعلم أول من أمس: «الحل السياسي قد يساعد لكن إنهاء القتل في سورية لا يتم إلا بهزيمة داعش والنصرة والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة»، إضافة إلى مطالبته بإغلاق الحدود التركية والأردنية لـ «خنق» المعارضة قبل إعلان وقف النار، ذلك بعد إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في البرلمان البريطاني أن وقف النار لن يشمل «داعش» و «النصرة» والتنظيمات المرتبطة بهما، في حين لا تزال موسكو تعتبر «جيش الإسلام» و «أحرار الشام الإسلامية»، اللذين شارك ممثلوهما في المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض نهاية العام الماضي، تنظيمين «إرهابيين».

أما أنقرة، فإنها تعتبر «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ «الاتحاد الديموقراطي الكردي» بقيادة صالح مسلم «إرهابية، مثلها مثل داعش»، مقابل تعاون واشنطن عسكرياً وسياسياً مع هذه «الوحدات» ضد «داعش»، بل إن المبعوث الرئاسي الأميركي بريت ماغورك زار مناطق الأكراد شمال سورية قرب حدود تركيا.

بالنسبة إلى دي ميستورا، فإن فريقه يعتقد أنه أمام عدم توصل الأردن، بحسب تكليف «المجموعة الدولية»، إلى قائمة نهائية للتنظيمات الإرهابية، يجب الاكتفاء بتعريف مجلس الأمن الذي يشمل «داعش» و «النصرة» وباركت الدول الأعضاء الـ 15 في المجلس ذلك بإصدار القرار 2253 قبل يوم من صدور 2254. ويلتزم المبعوث الدولي بالتفسير الدولي لموعد لوقف النار الناتج من عملية فيينا ومخرجاتها، لدى قوله إن وقفاً شاملاً للنار يجب أن يعلن لدى بدء العملية التفاوضية بين وفدي الحكومة والمعارضة.

في المقابل، فان «الهيئة العليا للمعارضة» وحلفاءها يرون أن وقف النار غير ممكن «قبل تشكيل مؤسسات هيئة الحكم الانتقالية» نتيجة مفاوضات بين ممثلي الحكومة والمعارضة، بحسب ما ورد في بيان مؤتمر الرياض. وتطالب الهيئة بتنفيذ المادتين 12 و 13 من القرار 2254 ووقف القصف واطلاق معتقلين وتقديم مساعدات انسانية.

إجراءات بناء ثقة

ما تقدم يعقد العبور إلى استئناف مفاوضات جنيف من بوابة وقف النار ويترك خيار إجراءات بناء الثقة. وبحسب المسؤول الغربي، فإن هناك أفكاراً عدة تتعلق بإعلان المؤتمر الوزاري لـ «المجموعة الدولية» بعض الخطوات الملموسة في المجال الإنساني وإطلاق سراح المعتقلين ووقف القصف العشوائي. ونقل موقع السفارة الأميركية في دمشق على «فايسبوك» عن كيري قوله إن روسيا والنظام السوري «غير ممتثلين للقرار 2254 الذي دعا في 18 كانون الأول (ديسمبر) إلى إتاحة وصول الإغاثة الإنسانية في شكل فوري إلى جميع السوريين، إضافة إلى إنهاء كافة عمليات القصف الجوي والقصف المدفعي على المدنيين. وعلاوة على ذلك، هناك أدلة واضحة على أن روسيا تستخدم ما يسمى بقنابل السقوط الحر أو ما تعرف بـ «القنابل الغبية» وهي قنابل ليست دقيقة التوجيه، وهناك مدنيون بينهم نساء وأطفال يقتلون بأعداد كبيرة نتيجة ذلك». لكنه قال: «هذا الأمر يجب أن يتوقف، وما من أحد لديه اعتراض على ذلك، لكنه لن ينتهي بالانسحاب من طاولة المفاوضات أو عدم المشاركة».

وتأكد أن نقاشاً جدياً يجري بين مؤسسات عسكرية وأمنية وسياسية في عواصم غربية حليفة للمعارضة، إزاء احتمال إنزال مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة من القوات الحكومية التي تبلغ حوالى 15 منطقة، بحيث تحصل بـ «تفاهم» مع روسيا التي كانت أنزلت طائراتها مساعدات إنسانية على مدينة دير الزور المحاصرة من «داعش» شمال شرقي البلاد، في حين تلقي مروحيات سورية مساعدات على بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرين في ريف إدلب وفكت القوات النظامية بدعم جوي روسي الحصار على بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب.

الملف الآخر، الذي سيكون على طاولة مؤتمر ميونيخ يتعلق بدعوة «الاتحاد الديموقراطي» إلى مفاوضات جنيف، الأمر الذي تعارضه أنقرة وفصائل سورية معارضة. إذ إن مسلم تبلغ تأكيدات أميركية أنه سيدعى «في مرحلة لاحقة» وأن دور الأكراد «محوري في مستقبل سورية». لكن السفير رمزي رمزي نائب المبعوث الدولي قال إن لا تغيير في الدعوات إلى المفاوضات لدى استئنافها، ما يعني أنها تقتصر على وفدي الحكومة و «الهيئة العليا» كمفاوضين وشخصيات معارضة وممثلي مجتمع مدني كمحاورين، علماً أن رئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل كان بين سبع شخصيات التقوا دي ميستورا نهاية الأسبوع. اما وفد الحكومة فانه مستعد للذهاب الى جنيف في 18 الجاري.

ابراهيم حميدي – الحياة

* العنوان لعكس السير[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها