تحت سقف ألمانيا

مع انتشار صورة الطفل إيلان، وما خلفته من موجات تعاطف شعبي مع اللاجئين السوريين، وبعدها قرار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بفتح الأبواب وتعليق العمل باتفاقية “دبلن”، شهدت ألمانيا تدفقاً كبيراً للاجئين، رصدته كاميرات التلفزيون، التي اعتمد بعضها تقنية البث المباشر لحركتهم عبر الحدود، كما لو كان تلفزيون الواقع مع كومبارس هائل. رحّب الأوروبيون بداية بالقادمين من الجحيم عبر لافتات مكتوبة باللغات المحلية والعربية، وقدموا المساعدات المادية، إضافة إلى خطاب إعلامي صديق للاجئين، يحذر من ممارسات عنصرية ضدهم.

لكن سرعان ما سينقلب المزاج العام، ليعود إلى التأفف من الأعداد المهولة للقادمين وأكلافهم الاقتصادية والاجتماعية، ومع هجمات داعش في باريس، وحوادث التحرش في كولن، سيقول اليمين الأوروبي المتطرف: لقد حذرناكم!
لم يكن اليمين الأوروبي فقط من عبّر عن هذه المخاوف، فقد عبر عنها مرشحون للرئاسة الأميركية، ووسائل إعلام روسية، وبشار الأسد أيضاً. وإذا كان لهذا الخطاب ما يبرره في السياسة وأغراضها، فالمفاجىء، كان تبرُّم أوساط من المهاجرين واللاجئين السابقين من الموجة الجديدة للجوء.

ينظر الأوروبيون بكافة اختلافاتهم والتناقضات القائمة فيما بينهم إلى مجموع اللاجئين كأصحاب قضية واحدة، هي النجاة بحياتهم من حرب لا يبدو ثمة أفق قريب لحلها، فيما ينقسم اللاجئون بما يحملونه من أشكال الصراع السوري: فمنهم الموالي للنظام السوري ومنهم المعارض له (مع تنوّع حساسيات المعارضة). ويختلفون أيضاً حسب الطوائف والإثنيات (مسلمون – أقليات، عرب – أكراد)، كما تتباين خلفياتهم الاجتماعية كذلك بين أغنياء وفقراء، وبين من خسر أهلاً وأحبّة أو تعرض للاعتقال والتعذيب، وبين من لم يواجه تجارب مماثلة. في “الكامب”، المحطة الأولى، تنفجر كل هذه التناقضات، مترافقة مع صدمة للكثيرين من الواقع الجديد، فأوروبا كما تبدو في صور المهاجرين السابقين عبارة عن جنّات نعيم ووفرة، والكامب أبعد ما يكون عن ذلك.

أما بالنسبة للمسؤولين في الكامب فما دام المأوى الآمن والطعام متوافرين، فلا مبرر للتذمر. لكن أسباب التذمر قد تكون وجيهة من وجهة نظر لاجىء ما، كأن يكون شريك السكن في الكامب ليس سورياً مثلاً. فهو لن يتردد في وصف أي تصرف لا يعجبه من مضيفيه بالعنصرية، كإصرار الموظف على التحدث بلغته بدل الإنجليزية، أو التدقيق على التذكرة في وسائل النقل العامة وما شابه. لكنه لا يطيق السكن مع لاجىء أفغاني أو أرتيري في غرفة واحدة، ولا يفطن لأي عنصرية في سلوكه هذا.

وفي الكامب أيضاً ستتهافت بعض الخرافات الشائعة بين أوساط المهاجرين، فمن يصدّق أن أوروبا بحاجة إليه لتجديد شبابها وعوزها لليد العاملة، سينتبه إلى عدد الشباب البلقانيين الذين تُرفض طلبات لجوئهم لعدم استحقاقها، فالقوانين تصنّف بلدانهم كبلدان آمنة، ومن يعتقد أن الأوروبيين يفضلون أبناء الأقليات أو المسيحيين تحديداً على المسلمين، سيتبين له أن المعاملة والتقديمات واحدة للجميع.

وإذا كان مستوى المعيشة في الكامب موحداً تقريباً، ويعتمد على نظام المعونات (يحرص الأثرياء على إخفاء أمرهم إلى حين مغادرته)، إلا أن ذلك لايمنع من التباهي بخلفيات اجتماعية غير متحقَّق منها بالطبع. فقد تسمع نفس القصص والتفاصيل من أشخاص مختلفين، وتتمحور غالباً حول معامل وشركات تجارية، وأملاك خسرها في الحرب، مما اضطرّه إلى اللجوء.

وتختلف موجة اللجوء الأخيرة عن سابقتها بانخفاض كلفة الرحلة، فبعدما كانت الرحلة تكلف ما يزيد على 5 آلاف يورو، أضحت تكلّف أقل من ألف يورو فقط، وهو ما أدّى إلى فرز اجتماعي جديد على خلفية أن من سبق ودفع غالياً كان من أصحاب المهن الحرة والطبقة الوسطى، بينما من قدم لاحقاً هم من الطبقات الأفقر.

وهكذا سيكون على سوريّي أوروبا، وقبل البدء بمشوار الاندماج مع المجتمع الجديد، أن يعيشوا اندماجاً فيما بينهم داخل مجتمع الكامب كخطوة أولى.

كنان قوجه – العربي الجديد[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها