مصاعب جمة تواجه لم شمل العائلات السورية في ألمانيا
وصل أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا العام الماضي بعد أن فتح هذا البلد أبوابه للفارين من الصراع في سوريا.
وكان العديد من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا يأملون في أن تلتحق بهم عائلاتهم بعد ذلك، لكنهم يجدون هذه العملية أصبحت تسير ببطء وتحف بها مصاعب عدة.
وقد أعلنت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل عن سياستها للباب المفتوح العام الماضي، وقالت “يمكننا أن نفعل ذلك”، لكن هذه السياسة أصبحت مثار جدل خاصة في أعقاب حادثة تعرض عدد من النساء في كولونيا عشية عيد الميلاد لاعتداءات جنسية من قبل مجموعات من الرجال بينهم بعض اللاجئين.
ويناقش البرلمان الألماني حاليا قوانين ستحد من قدرة اللاجئين على جلب أفراد عائلاتهم إلى ألمانيا، لكن بسبب خطورة الأوضاع في بلدهم الأصلي، فإن العديد من السوريين لم يلتئم شملهم مع عائلاتهم حتى الآن.
ويروى أربعة من السوريين محنتهم في السطور التالية:
محمد ونور
يقول محمد: “لم أكن لآتي إلى ألمانيا لولا ابني.” ونجل محمد هو طفل يبلغ من العمر تسع سنوات وفقد إحدى ساقيه في قصف جوي على القرية التي تعيش فيها العائلة في سوريا. ويقول محمد إن الأمر كاد أن يصبح أسوأ إذ إن نجل أخيه و15 طفلا آخر قتلوا في نفس الغارة.
ويشير محمد، الذي كان يعمل كبير طهاة سابقا، إلى أنه انتقل إلى أوروبا حتى يمنح ابنه الفرصة للحصول على رعاية صحية أفضل، لكنه اضطر لأن يتركه مع زوجته في سوريا وأصغر بناته. ويقول: “كنت أود أن آخذهم معي، لكن الرحلة كانت ستكون شاقة جدا على طفلة عمرها عامان ونصف وطفل معاق. كانت ابنتى (الكبرى) هي الوحيدة التي استطعت أن أصطحبها معي.”
ولم يتمكن محمد أو ابنته نور، التي تبلغ من العمر 16 عاما، من الوصول لألمانيا بمفردهما وبسهولة إذ إنهم كادوا يغرقون في المياه بالقرب من اليونان، لكن خفر السواحل أنقذوهما.
ولا يكاد محمد يبتسم، إذ إن حياته مليئة بالقلق، وهو يحاول معرفة كيف يمكنه إخراج عائلته من دمشق ونقلهم إلى ألمانيا بأمان وبصورة قانونية.
ويقضى محمد كل يوم تقريبا ساعات وهو يقف في البرد القارس خارج مكتب الصحة والشؤون الاجتماعية “لاجيسو” حيث يجب عليه هو وغيره من طالبي اللجوء تحصيل الأوراق الرسمية ومساعدات الرعاية الاجتماعية.
ويرى أن الدخول إلى المكتب، الذي يتطلب أخذ بصمة اليد، هو أشبه بطريقة حشد الماشية وتصنيفها في سوريا.
ويشكو محمد من أن هناك فظاظة من جانب بعض المسؤولين الذين أحيانا ما يصرخون في وجهه بعبارات ألمانية لا يفهمها. وقال: “أقسم بالله أن أحد المسؤولين جعلني أشعر وكأنني في استجواب أمام الشرطة السرية في سوريا.”
ولا يزال محمد في انتظار التصديق الرسمي على الأوراق التي تمنحه وضعا قانونيا كلاجئ والسماح له بالإقامة في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات، لكن الفترة التي يستغرقها هذا الأمر تتفاوت بشكل كبير على ما يبدو.
وسيكون بإمكان محمد، بمجرد حصوله على تصريح الإقامة، تقديم طلب نقل العائلة إلى ألمانيا ليلتئم شملها. لكن المسؤولين أبلغوه بأن هذا الأمر يمكن أن يستغرق عاما لمعالجته.
لكن محمد علم أيضا أنه إذا حصلت زوجته على خطاب من أحد الأطباء في سوريا يفيد بأن نجله يحتاج لعلاج بالخارج، فإن هذا قد يكون وسيلة لتسريع هذه الإجراءات.
وقال بصوت يملؤه الحزن: “جئت لكي أخرجه (نجله) من هناك. إذا استغرق الأمر وقتا طويلا جدا، فإنني سأفضل العودة وأن أموت بين عائلتي بدلا من البقاء بعيدا وتركهم وحدهم هناك.”
ويعيش الأب وابنته في غرفة واحدة في مبنى إداري كبير على أطراف العاصمة الألمانية برلين. ودخلت نور إلى مدرسة ثانوية ألمانية، وتؤكد رغبتها في الدراسة لكي تصبح صيدلانية، لكن لا يوجد مكان مناسب وكاف في مكان إقامتهما المؤقت لأداء واجباتها المدرسية.
أحمد شواين
أما أحمد، وهو في الخمسينيات من العمر، فقرر إخراج عائلته من منزلها في حلب حينما بلغ أبناؤه سن التجنيد. ويقول: “فكرت في الأمر: هل بالفعل أترك أولادي ليقاتلوا أخوانهم؟ ومن أجل ماذا؟ النظام الحالي؟ المعارضة؟ الأمر كله سيان. وهذا يعني أن أبنائي سيموتون من أجل لا شيء.”
ويعيش أبناء أحمد الستة الآن في أنقرة بتركيا. ويقول إن نجليه، 17 عاما و18 عاما، يفترض أنهما في الجامعة حاليا، لكن بدلا من ذلك اضطروا للعمل لدعم باقي العائلة.
ورغم أن أحمد يقدر الدعم الذي تحصل عليه عائلته من تركيا، فإنه لا يرى مستقبلا جيدا لهم هناك، ولذا جاء إلى ألمانيا، ويأمل في أن يكون بإمكان زوجته وأبنائه اللحاق به قريبا.
ويعيش أحمد في مكان إقامة طارئ في مبنى إداري كان مملوك يوما ما للشرطة السرية لألمانيا الشرقية السابقة “ستاسي”. واضطر أحمد لمدة شهرين إلى أن ينام على الأرض دون أي فراش أو وسائد قبل أن يمنحه أحد المهاجرين الذي غادر ألمانيا فراشا ينام عليه.
ويكتظ المهاجرون في أماكن ضيقة مع بعضهم بعضا، لكن الجميع يرغب في أن يتكيف مع هذه الأوضاع. ويقول أحمد: “لم نخرج في رحلة عبر سبع دول لكي نتقاتل مع بعضنا بعضا هنا.”
ويتعامل أحمد مع كل الأمور بابتسامة ساخرة، ويوجه الكثير من الأسئلة ويعطي رأيه لكل شخص يستمع إليه.
وكما هو الحال مع محمد، فإن أحمد لا يزال ينتظر منحه وضع اللجوء القانوني في ألمانيا، وليس لديه فكرة متى سيحصل عليها. ويتوجه أحمد بشكل منتظم إلى “لاجيسو” لتقديم أو جمع أوراق أو الحصول على مساعدات مادية.
أصيب أحمد مؤخرا بحالة من الصدمة حينما شاهد مسؤولي أمن خارج المكتب يضربون طالب لجوء آخر.
وقال: “من وجهة نظري، فإن 90 في المئة من الشعب الألماني أناس رائعون ويتمتعون باللطف. إنني أدين لهم بالكثير، لكن لماذا الـ10 في المئة الأخرى، الذين لا أعتبرهم ألمانا، يتخذون هذا الموقف (معنا)؟
وأضاف: “أبنائي سيأتون يوما ما إلى هنا وسيصبحون مواطنين ألمانا. وهذه حقيقة سواء شاء هؤلاء الـ10 في المئة ذلك أم أبوا. ولذا لماذا لا نتعامل مع الأمر على هذا الأساس الآن، ويحترم الجميع القانون الألماني؟ أم أن هؤلاء الـ10 في المئة لا يريدون احترام قانون بلدهم؟”
ابتسام
ابتسام هو اسم على مسمى، إذ إن الابتسامة لا تفارق وجهها.
لكن حياتها مليئة بالقلق، إذ إن زوجها يعاني من مرض الشلل الرعاش (باركنسون)، ولم يتلق أي أدوية خلال رحلتهما الشاقة من سوريا حتى وصلوا إلى ألمانيا، وحالته الصحية تدهورت حاليا على ما يبدو. وتقول ابتسام إن زوجها “سقط على درج المنزل مؤخرا”.
وينتظر الاثنان صدور قرار من السلطات بشأن طلبهما للجوء، وهما يعيشان حاليا مع والدة الزوج التي تعاني مشاكل صحية أيضا في غرفة منفردة في مبنى إداري أعيد تجهيزه لإيواء اللاجئين. وتمتلئ الغرفة بدمى الأطفال وقليل جدا من قطع الأثاث. إننا هنا على ما يرام.”
وتقول ابتسام، وهي في أواخر الأربعينيات من العمر، إنها تقضى وقتا في الدهليز تقرأ من أجل أن تمنح الراحة لزوجها وحماتها المريضين، وتغسل المطبخ المشترك والمراحيض لتخفيف أي عناء عن السلطات. وتقول: “أعتقد أن الألمان ساعدونا كثيرا. نحتاج إلى مساعدتهم أيضا حتى تسير الأمور بشكل جيد.”
وبعد أن سُجن نجلها بسبب التمرد ضد نظام الأسد، أقنعته ابتسام بالمجئ إلى ألمانيا أيضا. ووصل نجلها بالفعل إلى ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد شهرين من وصولها وزوجها بعد أن قضى فترة في مخيم للاجئين في تركيا. جاء الابن إلى برلين، لكن والدته نصحته بأن يتوجه إلى هامبورغ، حيث تعتقد أن السلطات هناك تكون أقل ضغطا.
وتعيش ابنة ابتسام مع زوجها في النرويج، وتعتزم القدوم إلى ألمانيا بعد شهور قليلة، وقد تسعى للإقامة فيها.
وقد خلعت ابتسام مؤخرا الحجاب منذ أن رأته مستغربا في بلد معظم النساء فيه لا يرتدينه، وهي مغرمة بالموضة والفن. وتقول: “في يوم ما، سينتهي كل ذلك، وسأتمكن من النوم بلا قلق. أريد أن أفعل شيئا ما في مجال الفن.”
وأضافت: “أصبحت ألمانيا بلدنا الثاني. ولن يكون بإمكاننا مطلقا رد الجميل لها. لقد احتضنا هذا البلد ونحن الآن أبناء ميركل، أبناء ألمانيا.”
أحمد
أما أحمد، وهو في أواخر العشرينيات من العمر، فهو يعيش في برلين منذ ثلاثة أشهر. وهذا تقريبا نفس الفترة التي قضاها العديد من طالبي اللجوء الآخرين، لكنه كان محظوظا بشكل كاف للحصول على صفة لاجئ بشكل قانوني بالفعل.
وشعر أحمد بسعادة خاصة وارتياح من السرعة التي أنجزت بها حالته لأنه كان قد فقد جميع أوراقه في مقدونيا حيث سُجن لفترة من الوقت وهو في طريقه إلى ألمانيا.
ومن الناحية الرسمية فإن وضع أحمد الجديد يعني أنه يمكنه البقاء في البلاد لمدة ثلاث سنوات على الأقل، ومن الناحية الواقعية فإن ذلك يعني أنه على الأرجح سيسمح له بالبقاء للأبد.
ويعني تصريح الإقامة الذي حصل عليه أحمد أنه بإمكانه تأجير منزله ومن حقه الاستفادة من المساعدات الحكومية لتغطية تكلفته. ويريد أحمد مغادرة المجمع السكني الذي يعيش فيه بجانب طالبي لجوء آخرين من دول أخرى، وهي مزيج ثقافي يرى أحمد أنه سبب له بعض المشاكل.
والأمر الأهم بالنسبة لأحمد هو أن الوضع القانوني الجديد له يعني أن بإمكانه تقديم طلب للموافقة على قدوم زوجته وابنه الصغير البالغ من العمر 18 شهرا من سوريا إلى ألمانيا.
لكن طلب التأشيرة يجب أن يملأ في السفارة الألمانية ببيروت. وكانت زوجته وابنها الصغير شرعا في الرحلة الشاقة من حلب إلى لبنان لكنها اضطرت للعودة والانتظار شهرين أو ثلاثة حتى تصبح الأوراق الرسمية جاهزة ويتسنى لهما المغادرة للأبد.
ويقول أحمد: “اليوم سيعودان إلى حلب، وكما تعرفين فإن حلب هي أخطر مدينة في سوريا. أرجو من الله أن يبقيا على قيد الحياة.” (BBC)[ads3]