الشماتة لليبيا و الانتداب للشام
خرج التنسيق الأميركي – الروسي المكين عارياً إلى العلن حين قامت الولايات المتحدة الأميركية مؤخّراً بإبلاغ روسيا عن إحداثيات جغرافية محدّدة تعمل فيها قواتها الخاصة في شمال سورية. الهدف من التبليغ كان تأمين الحماية لتلك القوات من الغارات الجوية الروسية التي تدكّ الشمال السوري بحممها من دون التفريق بين مستشفى للمدنيين أو موقع حربي. واللافت أن البنتاغون سبق وأعلن عن تنسيق طفيف بين المسؤولين العسكريين في الدولتين في ما يخصّ انخراطهما في الحرب على سورية، كلّ على طريقته وتماشياً مع مصالحه ومصالح حلفائه. واقتصر التنسيق الأولي بينهما على التوافق حول آليات رقابية وتقنية معينة لتفادي الحوادث الجوية المُحتملة بين الطائرات المقاتلة للطرفين خلال تنفيذ الغارات الجوية المختلَظة.
ومن المعلن، أيضاً رسمياً، من طرف وزارة الدفاع الأميركية أن واشنطن تدرّب وتدعم مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية التي تنضوي تحت مظلة تحالف قوى سورية الديموقراطية من عرب وكرد. وتَنظر واشنطن إلى القوات الكردية التي تدربها على الأعمال القتالية حصراً، من دون أن تمدّها بالسلاح كما أعلن الناطق الرسمي باسم البنتاغون، على أنها الأكثر كفاءة وجاهزية لقتال المتطرفين، والشريك الأقدر للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا بهدف القضاء على «تنظيم الدولة» الإرهابي.
التنسيق الأميركي – الروسي على المستويين العسكري والديبلوماسي يأتي قسرياً ونتيجة حتمية لانفراد الولايات المتحدة وحلفائها بإسقاط نظام معمّر القذافي في ليبيا العام 2011 وإخراج روسيا تماماً من المشهد الليبي. فالشماتة الروسية اليوم تبدو في أعلى درجاتها لما وصل إليه الحال في ليبيا من انقسامات وتناحر بحيث ترفع مناطقها المتحاربة خمسة أعلام مختلفة منها علم دولة القذافي المقهورة، بينما يكاد «تنظيم الدولة» أن يفرد سيطرته على المواقع النفطية كافة في البلاد، ما يجعله تنظيماً إرهابياً منظماً وممولاً بثروة نفطية هائلة، وعندها تقع الكارثة الكبرى على العالم.
تلك الشماتة الروسية تجلّت باختراق غير مسبوق لسورية، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وبانفراد العسكر الروسي بالقرار الحربي، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة في ليبيا منذ خمس سنوات. وها هي تعود إلى الدوامة نفسها في 2016 حيث انطلقت المقاتلات الأميركية من قاعدة بريطانية في جزيرة قبرص غارات مدمرة مواقع لـ «تنظيم الدولة» في صبراتة بذريعة أن التنظيم غدا يهدِّد الأمن القومي الأميركي مباشرة. وفي المقابل، لا تملك الولايات المتحدة إلا كفّ البصر عن سياسات روسيا على الأراضي السورية لأسباب عدة أهمها فشل أميركا وحلفائها الذريع في ليبيا، الأمر الذي هيّأ فرصة ذهبية للدب الروسي أن يجرِّب مخالبه الجارحة في الجسم السوري العليل، في ظل تراخٍ أميركي سقيم وتواطؤ دولي فاجع. ولن ننسى أن بزوغ الشمس الإيرانية الجديدة إثر توقيعها الاتفاق النووي وعودتها بقوة مالية وسياسية متعاظمة إلى صفوف المجتمع الدولي، وكذا توافقات طهران وموسكو حول مآلات الحرب في سورية وإصرارهما على إنعاش نظام بشار الأسد والإبقاء عليه ولو صار رميماً، تشكّل مجتمعةً السبب الرئيس الذي دعا الولايات المتحدة إلى الانكفاء في سورية وترك إدارة المعركة لحليفي الأمر الواقع، إيران وروسيا، بينما تتفرّغ هي لحربها الجديدة في ليبيا حيث يتفاقم الخطر الداعشي في ظل غياب تام للدولة وعدم التوصل إلى تشكيل حكومة مركزية منذ نيف وسنة، على رغم ضغوط ومساعي الأمم المتحدة ومبعوثيها الدوليين المتلاحقين.
فصل المقال أن النزف السوري لم يكن يوماً أمراً مستعجلاً بالنسبة الى خبراء المداخلات الجراحية في إدارة أوباما، ولو كان كذلك لحُسم أمر انتقال السلطة لِيَد الشعب السوري منذ سنوات، ولكان بشار الأسد اليوم ماثلاً أمام محكمة دولية خاصة بجرائم الحرب في سورية دونما شفيع، ولما دفعنا ثلث شعبنا بين ضحية ولاجئ ونازح، ولما وصلنا إلى مشارف جنيف-3 حيث مناورات العبث للرسول الأممي ستيفان دي ميستورا، والمناورة في هذا الوضع الميداني والإنساني البائس أخطر من العمل العسكري نفسه.
هذا كله يدور ضمن أجواء من الضغط الأميركي المتّصل على المعارضة السورية للانخراط في المفاوضات بهدف تسريع نقل الملف السوري كاملاً إلى عهدة الأمم المتحدة حتى تتمكّن إدارة أوباما في شهورها الأخيرة من التفرّغ للشأن الليبي العاجل بالنسبة لصُنَّاع القرار في واشنطن ولجنرالاتها أيضاً.
أما المطامح الروسية في سورية فبدأت تطفو بوضوح على ساحل طرطوس المضطرب. فناهيك عن العمليات العسكرية اليومية التي أسقطت في شكل نهائي ورقة توت السيادة عن عورة النظام، بدأت تلك المطامح تأخذ شكلاً هو الأقرب إلى انتداب فعلي بصورة تدخّل مباشر وعلني لموسكو في القرارات الأممية المتعلّقة بالانتقال السياسي في سورية، وفرضها أجندات بعينها على برنامج المفاوضات ببن الطرفين، واختيار أعضاء الوفد المعارض على مقاس ومعيار تلك الطموحات، وصولاً إلى التلميح بمنح الأسد لجوءاً سياسياً في روسيا إثر إنجاز الفترة الانتقالية أو، بمعناه المضمر، حين ينتهي دوره الفعلي بتسليم المقدّرات السورية كاملة إلى الدب الروسي الذي تقطر الدماء السورية من أنيابه المتشابكة على مبصر ومسمع هذا العالم المأجور.
مرح البقاعي – الحياة[ads3]
يا ريت نفهم ، انه الدول الغربية وروسيا ما بتريد الخير لا لسوريا ولا لدولة مسلمة. التاريخ حافل بإجرامهم في كل شيء. بقتلو القتيل وبمشو بجنازته
الشماتة تحدد سياسات الدول؟؟؟
منين الله حدف علينا هل “السياسيين” اللي الذكاء عم ينقط منهم تنقيط