دويتشه فيله : مدارس خاصة ألمانية تفتح أبوابها أمام اللاجئين
للوهلة الأولى، يبدو الفصل الذي يدرس به 18 طالباً في هذه المدرسة مثل غيره من الفصول: لباس التلاميذ شبابي وتسريحة شعرهم تتماشى مع الموضة وبعضهم يرتدي نظارات شمسية. لكن ما كتب على السبورة يوحي بأن الدرس يرتبط في هذا اليوم بتعلم اللغة الالمانية. عنوان درس اليوم: “كيفية البيع والشراء والمعاملات التجارية”.
البائع هو الشاب الأفغاني يزدان، البالغ من العمر 17 عاماً، والزبائن هم فهيمي ونديم ومحمد وسارة. جميعهم في الفصل التحضيري للأجانب بمدرسة “أوتو كوني” الشهيرة بمنطقة باد غوديسبيرغ في مدينة بون، وهي مدرسة يعتبرها البعض مخصصة للنخب والأثرياء. لكن مديرها، فيلي ميرغارتس، يرفض مثل هذه الاوصاف، ويشير إلى أنها تحمل هذه الصفة فقط لأنها تقع في حي راق سكانه ميسورو الحال.
اللاجئون الشباب يدرسون في هذا الفصل الخاص بهم منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولكن رسمياً فقط منذ بداية فبراير/ شباط لأسباب بيروقراطية. تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، وجاءوا من سوريا وأفغانستان وإيران وغيرها من مناطق الأزمات. القاسم المشترك بينهم جميعاً هو أنهم فروا إلى ألمانيا دون عائلاتهم ويقيمون في مراكز لإيواء اللاجئين بمدينة بون.
تقول المعلمة أورسولا كوستر لـDW إن تلاميذها يبدون ظاهرياً أكبر سناً مقارنة بالتلاميذ الألمان، مضيفة: “لقد عاشوا تجارب كثيرة، مثل الشاب يزدان، الذي هرب من أفغانستان إلى باكستان ورحل وحده الى إيران وعمل هناك لمدة عام لتمويل رحلة لجوئه إلى أوروبا، إذ سار خلال ثلاثة أشهر عبر تركيا واليونان ومقدونيا وصربيا والمجر والنمسا، قبل الوصول إلى ألمانيا. وما زالت أهوال تلك الرحلة ماثلة في مخيلته، إذ مر بمخاطر جمة أثناء عبور البحر إلى اليونان والسير عبر غابات مقدونيا وصربيا.
عبر ما يسمى بـ”طريق البلقان” أيضاً جاء الشاب السوري محمد، البالغ من العمر 16 عاماً، الى ألمانيا. كان محمد في بلده تلميذاً مجتهداً، وهو موجود في ألمانيا منذ خمسة شهور فقط، إلا أنه تعلم اللغة الألمانية بشكل جيد جداً. وكان محمد قد عاش قبل وصوله إلى ألمانيا حوالي عامين في تركيا كلاجئ.
في هذا الفصل الخاص توجد فتاتان فقط، لأن عدداً قليلاً من الفتيات يسافرن دون مرافقة، بحسب ما توضح المدرسة. إحدى التلميذات هي سارة، التي تبلغ من العمر 15 عاماً، وأتيح لها السفر مع عمها وأخيها بالطائرة من إيران إلى اليونان ثم إلى ألمانيا، بعد أن قضت خمسة أعوام هناك، وما زالت أمها في إيران. وتقول سارة: “أنا حزينة وآمل أن تتمكن أمي في يوم ما من السفر إلى ألمانيا حتى أكون سعيدة حقاً”. مثل تلك التجارب في رحلة اللجوء تركت بصمات جسدية ومعنوية على العديد من هؤلاء اللاجئين، الذين يشتكون أكثر من غيرهم من الصداع واضطرابات في النوم وكوابيس مخيفة أو من آلام جسدية وغير ذلك.
لكن رغم ذلك، يشعر يزدان ومحمد وسارة بالسعادة لوجودهم في هذه المدرسة. كما أنهم لا يتوقفون عن ترديد عبارات الشكر والامتنان للمدرسين والتلاميذ الألمان الذين يشجعونهم و يحترمونهم أو يساعدونهم في الدراسة، بل إنهم يؤكدون شكرهم لكل الناس في ألمانيا الذين يتعاملون معهم بلطف ويقدمون لهم هدايا.
وتلاحظ المدرسة أن هؤلاء التلاميذ من الأكثر متابعة لدروس الفصل، وقد ينهون خلال الصيف المقبل المستوى التحضيري للدخول إلى فصول التدريس النظامي والحصول على شهادة الثانوية. وقد يختلف الأمر بالنسبة لغيرهم من الشباب، إلا أن هناك رغبة من جميع الأطراف بإيصالهم إلى مستوى الصف العاشر الدراسي، وذلك بهدف دمجهم في نظام التأهيل المهني.
وتؤكد معلمة الفصل أن الطلبة اللاجئين يواظبون بانتظام على حضور كل الدروس، بل إنهم يخشون أوقات الفراغ خلال فترات العطلة الدراسية، والتي تكون فيها المدارس مغلقة. فالمدرسة أصبحت تشكل بالنسبة لهم جزءاً كبيراً في حياتهم اليومية. فهي مكان للتعلم والتعارف وبناء الصداقات واللقاءات واللعب والرياضة. وهناك أيضاً يجدون من يساعدهم، إذ يقوم التلاميذ الألمان برعايتهم في المدرسة ويشاركونهم في أنشطة مختلفة خلال نهاية الاسبوع.
ويفتخر مدير المدرسة ميرغارتس بأن مدرسته أول ثانوية خاصة تقوم عن طيب خاطر بمبادرة تشكيل فصل لإعداد التلاميذ اللاجئين للتعليم النظامي. الأجمل في ذلك هو أن كل الأطراف، بما في ذلك الموظفين والمدرسين وآباء التلاميد في المدرسة والمؤسسات التربوية، تعاونت لإنجاح المشروع، أيضاً من خلال الأعمال التطوعية دون مقابل. ويضيف مدير المدرسة أنه تلقى العديد من رسائل الشكر من آباء وأمهات تلاميذ المدرسة وعروض لتقديم العون للمدرسة.
وعبر ميرغارتس عن أمله في أن يحقق التلاميذ المشاركون في هذا المشروع، مثل محمد و يزدان، آمالهم وما ينشدونه في المستقبل. فمحمد يريد أن يصبح طبيب عيون في المستقبل. أما يزدان، فإنه يحلم منذ طفولته بأن يصبح طياراً. لكن إلى حين تحقيق ذلك يجب الحلم، عليه أولاً تعلم اللغة الالمانية بشكل جيد، كما يقول.[ads3]