حلفاء أخطر من أعداء

لم يكن باراك أوباما يبحث عن فرصة للتدخُّل في سورية. ولم يكن يفتش عن عذر لاقتلاع نظام بشار الأسد. لم يعتبر مصير سورية شأناً حيوياً للمصالح الأميركية. منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليه أقل أهمية وبكثير مما كانت لأسلافه. تعامَلَ مع سورية بوصفها مكاناً لا يستحق ان تَهدُر أميركا من أجله دم جنودها أو بلايين الدولارات. المسألة بالنسبة إليه تتخطى الدروس التي استخلصتها واشنطن من تجربة غزو العراق. يعتبر ان المنطقة عالقة في أفخاخ التاريخ، وأن بعض النزاعات التي تُدميها وافدة من الكهوف وتعزز الإقامة فيها.

كان حلم أوباما ان يبتعد عن التورُّط في منطقة ينظر إليها وكأنها حقول من الوحل والدم… من العصبيات والفشل في بناء الدولة الحديثة والتنمية. وإذا استثنينا موضوع الاتفاق النووي مع إيران، فإن سياسة أوباما اتَّسمت دائماً بالتردُّد لتبرير غسل الأيدي والابتعاد. لهذا لم يَعتَبِر تدخُّل فلاديمير بوتين العسكري في سورية انتصاراً لروسيا. اعتبره انزلاقاً نحو مستنقع لا يمكن الانتصار فيه. اعتبره فخاً سيظهر في النهاية حدود القوة الروسية وافتقارها الى القدرة على صناعة الحل، وسيستنزف اقتصاد روسيا المريض أصلاً.

لم تُغيِّر مشاهد المأساة السورية قناعات سيد البيت الأبيض. اكتفى من مسؤولية القوة العظمى الوحيدة ببعض بيانات الأسف. لهذا حرص في حديثه في «ذي اتلانتيك» على التبرُّم بحلفاء بلاده، وتوزيع الانتقادات عليهم، خصوصاً في ما يتعلق بالتطرُّف والتشدُّد. يساعد الحديث ليس فقط في فهم السلوك الأميركي في السنوات الأخيرة بل أيضاً بعض الخطوات التي اتّخذها حلفاء تقليديون لأميركا بعدما اكتشفوا خطورة النوم على وسادتها.

كان حلم أوباما الابتعاد عن الحريق السوري. كانت حسابات بوتين مختلفة. ترك الحريق يستفحل الى الدرجة التي تُرغم النظام على الاستجارة بالجيش الروسي. وبعد ظهور محدودية دور إيران وأذرعها، جاء بوتين في مهمة مدروسة ومحدّدة. مهمة جويّة تمنع سقوط النظام وتحصِّنه ضد هجمات المعارضة. لكنها ليست مهمّة مفتوحة يمكن ان توقظ لدى الروس أشباح أفغانستان جديدة. مهمّة تنقل الحديث من أوكرانيا والقرم إلى سورية، وتكرِّس روسيا شريكاً لا بد منه في رسم ملامح مستقبل سورية والمنطقة. مهمّة تحاول الإفادة الى أقصى الحدود من «عقيدة أوباما» وميوله الانسحابية.

أنقذ التدخُّل الروسي النظام السوري من خطر السقوط تحت ضربات المعارضة. أرجأ عملياً البحث في مصير الرئيس. عزّز موقع النظام التفاوضي ولكن ليس إلى الدرجة التي تجعله لا يحفل بمصير المفاوضات ويحتفل بكسر إرادة القوى الإقليمية المعارضة لبقائه. لم يمكّنه من استكمال تطويق حلب، ولم يستكمل إغلاق الحدود السورية – التركية. كانت الهدايا مبرمجة ومدروسة. أنقَذَ النظام ثم أعلَنَ انسحابه الجزئي ليطالبه بترسيخ الهدنة ودفع ثمن الهدايا على طاولات جنيف.
تصرَّف اوباما كمن لا يملك حلاً يستطيع فرضه من جانب واحد. وها هو بوتين يعترف عملياً بشيء من هذا النوع. كان عليه ان يأخذ في الاعتبار مشاعر العالم السنّي، وحسابات الأطلسي. وأسعار النفط وأوجاع الروبل. لهذا تنتظر موسكو جون كيري لاستكمال نسج مظلّة دولية فوق مفاوضات جنيف، تذكّر فريقَي المفاوضات بصعوبة الحصول على ما تعذّر الحصول عليه في أرض المعركة.

من حديث أوباما الى قرار بوتين الانسحاب، يتذكّر أهل الشرق الأوسط ثمن الرقص مع الأقوياء. القويّ يطمئنك أحياناً، ويحدُث ان يُنقِذك، لكنك لا تستطيع ان تضبط خطواته في الرقص على حساباتك ومخاوفك وأحلامك. حين تنام على وسادة حليفك القويّ عليك احترام شروطه وبنود أجندته والانصياع إلى مشيئته. حليفك القوي ليس جمعية خيرية. وأحياناً تكون مطالبه أقسى من مطالب خصومك. يستطيع وليد المعلم تجاهُل مطالب كيري لكن تجاهُل مطالب لافروف يهدِّد بإثارة غضب القيصر. يعرف المعلم ان رقص الضعفاء مع الأقوياء يرتِّب أثماناً باهظة، وأن أيام الانهيارات تؤكد ان بعض الحلفاء أخطر من الأعداء.

غسان شربل – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها