هل يرتدّ اتفاق تركيا – أوروبا على لبنان ؟
نجحت تركيا التي استقبلت أكثر من مليوني لاجىء سوري في خطف اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يوقف رحلات الموت من شواطئها إلى أوروبا مقابل حصولها على مبالغ مالية (3 مليارات أورو) ومكاسب سياسية لأنقرة ومواطنيها، فيما لا يزال لبنان الصغير والضعيف الذي يحتضن نحو مليون ونصف مليون لاجىء سوري يستعطف المجتمع الدولي لتحصيل المساعدات الموعود بها.
منذ هجمات باريس تحوّل اللاجىء السوري بالنسبة إلى البعض في اوروبا مشروعا ارهابيا، وبات عبئاً اقتصاديا واجتماعياً على تلك الدول، خصوصاً مع تنامي حركة اليمين المتطرف فيها. تنفيذ الاتفاق بالنسبة إلى خبراء لا يزال صعباً، خصوصاً في ما يتعلق باعادة عدد من المهاجرين الى تركيا، على قاعدة توطين لاجىء سوري في اوروبا مقابل كل لاجىء يعاد إلى تركيا، ولا تزال اليونان متخوفة من استمرار حركة الهجرة عبر المراكب رغم دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وسط توقعات بعودة تضخم حجم الظاهرة مع استقرار أحوال الطقس في فصل الربيع وهدوء البحار.
ومع زيارة الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني إلى لبنان عاد الحديث عن أزمة اللاجئين السوريين في لبنان وإمكانية تحصيل المساعدات، فلبنان استفاد خلال 4 سنوات من 3.2 مليارات دولار فيما بلغت كلفة اللجوء والأزمة السورية منذ العام 2011 نحو 20 مليار دولار، وبالتالي بعد الاتفاق التركي – الأوروبي واغلاق المنافذ غير الشرعية، هل يشهد لبنان موجات نزوح جديدة، وما ارتداد الاتفاق عليه، وهل يستطيع عقد اتفاق مشابه، خصوصا أن الاخيرة نبهت بطريقة غير مباشرة إلى عدم تصدير اللاجئين كما أكدت انه سيتمّ الوفاء بتقديم المساعدات الموعودة ، لكنها لم تحدد الموعد ولا النسبة؟
“موجات لجوء جديدة إلى لبنان أمر غير وارد بتاتاً” بالنسبة إلى وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي أكد لـ”النهار” أن “لا ارتدادات للاتفاق بين تركيا والاتحاد الاوروبي على لبنان”، ويتحدث عن توجهه نهاية الشهر الحالي إلى جنيف للمشاركة في مؤتمر يرتبط بـ”اعادة توطين اللاجئين في البلدان الثالثة، وليس بلدان اللجوء أو الثانية كلبنان”، ويقول درباس: “سنتحدث بموضوع دعم لبنان بالمساعدات، كما لدينا اجتماع اليوم مع رئيس الحكومة بشأن مؤتمر لندن وبعدها مع الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون”، مضيفاً: “ليس وارداً عقد أي اتفاق مشابه بين لبنان وأوروبا فهمنا الاساسي هو عودة اللاجئين إلى بلدانهم”.
تأثيرات
كما يؤكد الخبير الاقتصادي غازي وزني ان “تأثيرات الاتفاق التركي – الاوروبي على لبنان محدودة جداً لأن تركيا في هذا الاتفاق تحاول أن تقوم بما يشبه المساومة بينها وبين الاتحاد الاوروبي، على صعيد الأموال التي ستدفع لها (3 مليار أورو) أو تاشيرات الدخول الرعايا الاتراك أو انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هي تستغل وضع اللاجئين السوريين من اجل الاستفادة اقتصاديا ومالياً وسياسياً”.
ويذكّر بأن “عدد اللاجئين السوريين خارج سوريا يبلغ نحو 4 ملايين ونصف مليون لاجىء سوري، مليونان منهم في تركيا، فيما يبلغ عدد المسجلين في لبنان مليونًاو180 ألفًا في لبنان (مليون ونصف مع غير المسجلين) و800 ألف في الاردن، ولبنان اتخذ قراره بألاّ يسهل دخول اللاجئين السوريين إلى اراضيه ووضع حدٍّ لعدد اللاجئين، وهذا الاجراء منذ سنة إلى الآن أظهر ايجابيته، والارقام لدى المفوضية أظهرت عدم زيادة في العديد الذي بقي مستقرًّا، وبالتالي وصل النزوج السوري إلى حده الأقصى”.
هل سيلجأ اللاجئون السوريون إلى استخدام لبنان كمحطة انطلاق بدلاً من تركيا بعد الاتفاق؟ يجيب وزني: “لا يمكنهم ذلك، خصوصاً أن لبنان اتخذ اجراءات ضبط الحدود الخاصة به، وبات دخول السوري إليه وفق شروط”، مشيراً إلى أن “لبنان بين العام 2011 والعام 2015 اعتمد سياسة الحدود المفتوحة، ما أدى الى الزيادات الكبيرة وغير المنظمة في عدد اللاجئين لكن منذ وضع حدٍّ لدخولهم لم تعد إمكانية زيادة العدد متوافرة”.
أما في شأن عقد اتفاق مشابه بين لبنان وأوروبا، يقول وزني: “الاتحاد الأوروبي كان يستقبل في البداية اللاجئين السوريين، ولكن عندما بلغ العدد مئات الآلاف أظهرت الدول عدم قدرتها على استيعاب العدد، فضلا عن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية الباهظة لهذا الفعل،فقرّروا وقف عملية الاستقبال وبات الحل بالنسبة إليهم إبقاء النازحين في اماكنهم. كما أن تركيا توصلت إلى الاتفاق لأنها بوابة العبور إلى اوروبا، أما لبنان فهو ليس بوابة عبور ومن يريد التوجه منه إلى أوروبا يتوجب عليه الوصول اولا الى قبرص أو اليونان، وبالتالي قوة تركيا تكمن بالحدود الواسعة بينها وبين اليونان وهي تعتبر بوابة العبور إلى الاتحاد الاوروبي، فيما لبنان شهد هجرة غير شرعية لكنها محدودة”.
وعلى الرغم من ذلك، يعتبر وزني أن “على الحكومة اللبنانية استغلال موضوع الهجرة غير الشرعية على غرار ما قامت به تركيا حتى لو كان تحصيلها أقل، يجب ان تستغل الأمر من اجل زيادة الدعم المالي للبنان”، موضحاً أن “الدعم الذي استفاد منه لبنان محدود جداً، وما بين 2011 و2015 استفاد من 3.2 مليارات دولار، اما في العام 2016 فطالبت الحكومة بمليارين و400 مليون دولار وبالتاكيد ستحصل على أقل من مليار دولار، وهذا غير كافٍ لأن الكلفة السنوية للنزوح السوري على لبنان مباشرة وغير مباشرة 4.5 مليارات دولار، كما بلغت كلفة النزوح والازمة السورية منذ العام 2011 نحو 20 مليار دولار، ما يعني ان لا قدرة للبنان على تحمل الازمة لا ماليا ولا اجتماعياً”.
محمد نمر – النهار[ads3]