اليمن : أدهى من سوريا ثانية ؟

لا يعدم المرء مراقباً للشأن اليمني، مولعاً بالمقارنات التنميطية، يحذّر من انقلاب اليمن إلى «سوريا ثانية»؛ وكأنّ البلد الأوّل لم يقترب من فجائع البلد الثاني، فعلياً؛ أو كأنه لم يتفوّق عليه لتوّه، في مقدار الكوارث وأنواعها. وذاك مراقب يتناسى، جاهلاً أو متجاهلاً، أنّ اليمن على غرار سوريا: ملعب صراعات إقليمية، وساحة صدام أجندات ستراتيجية، وأتون تغلي فيه انقسامات مذهبية وطائفية ليست محلية الطابع، بل تذهب أبعد حتى من حواضنها التاريخية.

وهكذا، بعد سنة أعقبت انطلاق «عاصفة الحزم»، وأشهر أخرى سابقة لها منذ بدء الصراع بين التحالف الحوثي مع المخلوع علي عبد الله صالح، من جهة؛ وما تُسمّى «الشرعية»، المطعون في كثير من عناصر شرعيتها الشعبية والدستورية، من جهة ثانية؛ ما تزال مكونات الصراع اليمني على حالها من حيث الجوهر. الفارق، مع ذلك، يشير إلى أنّ عواقبها المختلفة، الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، تعاظمت أكثر، وتفاقمت آثارها ذات المدى البعيد: أي الأخطر، على البنيان الوطني اليمني.

هي، في جانب أوّل، صراع أهلي أشعلته شقاقات مذهبية، بدت كامنة وكامدة وتحظى بدرجة ما، غير قليلة، من التوافق الداخلي؛ إلى أن جرى تسويقها في أقنية مختلفة، تتجاوز المطالب المشروعة لأبناء المذهب الزيدي، في طبعته الحوثية المسيّسة والمتشددة. وذات يوم، أواسط 2004، كان «تمرّد الحوثيين»، كما سارت تسميته حينذاك، قد بدأ في صيغة تحركات شعبية محلية بسيطة، لم تكن موجهة ضدّ السلطة أساساً، قادتها أنفار محدودة من أعضاء «منتدى الشباب المؤمن». وهذه منظمة كانت قد تأسس سنة 1990، لتدريس العقيدة الشيعية الزيدية في منطقة صعدة، ليس أكثر. غير أنّ المنتدى ذاك صار جيشاً ضارباً اسمه «أنصار الله»، فتحالف مع القوات النظامية الموالية للمخلوع صالح، ونفّذ الاعتصام الشهير، ودخل العاصمة صنعاء، وأطاح بالرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، وعطّل حكومة خالد بحاح، وحلّ البرلمان، وصاغ ما سُمّي بـ»الإعلان الدستوري»؛ قبل أن يواصل الزحف في أرجاء اليمن قاطبة، ويستدعي «عاصفة الحزم» في نهاية المطاف.

ومن جانب ثانٍ، لا يتوجب إغفال حقيقتين فاصلتين: 1) حين اقتحم الحوثي مقرّ الفرقة الأولى المدرعة، لم يصدر قائد الفرقة علي محسن الأحمر (هو اليوم: الفريق الركن، نائب القائد العام للقوات المسلحة، «الشرعية»!) أي أوامر بالتصدي للميلشيات، بل تُرك هؤلاء طلقاء يقتحمون المقارّ والمنشآت، العسكرية منها والمدنية، دون مقاومة، بل دون عوائق أيضاً؛ و2) بدا واضحاً، استطراداً، أنّ الضباط الموالين للمخلوع صالح كانوا شركاء صامتين في هذه السيرورة، أسوة بطاقم هادي، الذي أقام حساباته على إمكانية أن ينوب عنه الحوثي في مقارعة الخصوم؛ وكذلك قيادات حزب «المؤتمر الشعبي العام»، التي رأت في الميليشيات هراوة مسلحة لتحييد المنافسين.

وقد لا يكون دقيقاً تماماً، من جانب ثالث، ذلك الرأي الذي يقول بأنّ «عاصفة الحزم» هي الوليد الشرعي لسياسات الملك سلمان بن عبد العزيز، وأنّ سلفه الملك عبد الله ما كان سيقدم على مغامرة كهذه. الأرجح أنّ الأخير كان سيفعل، من حيث اعتماد عمليات القصف الجوي على الأقلّ، لأنّ ساحة صراعات النفوذ السعودية ـ الإيرانية لم تكن قد بدأت في اليمن وحدها، بل كانت محتدمة للتوّ في لبنان وسوريا والعراق والبحرين، قبل الكويت والداخل السعودي ذاته. إلى هذا كله، ليس في وسع الأمير الشاب محمد بن سلمان، الصاعد سلالم القوّة باضطراد عارم، أن يعيد إنتاج الحصيلة البائسة التي خرج بها ابن عمه خالد بن سلطان في بطاح صعدة، سنة 2009؛ حتى إذا كان الثمن تفكيك المزيد من بنية اليمن الوطنية، وتدمير المزيد من عمران البلد، وتشريد الملايين، وقتل عشرات الآلاف.
.. أو تحويل اليمن إلى ما هو أدهى من سوريا ثانية!

صبحي حديدي – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. يقول العميد ليث محمود علي من اللاذقية اعلن انشقاقي عن قوات الاسد لقتلها الشعب السوري:

    لم يتصوّر حافظ الأسد ووريثه بشار أن يأتي يوما يسلّمان السلطة للشعب السوري ، بل لم يتخيلا قط مع مرتزقتها ومنتفعيهم أن في سوريا شعبا سييثور عليهم ويحطّم قوتهم ويكسر أسوار الطغيان ويزيل أصنامهم بل ويحرّر 80 % من أراضي سوريا التي جعلوها مزرعة لهم وعائلتهم ويعطون فتات فضلاتهم إلى مرتزقتهم .

  2. يقول العميد ليث محمود علي من اللاذقية اعلن انشقاقي عن قوات الاسد لقتلها الشعب السوري:

    كان دافع آل الأسد لليقين بتلك الحقائق أدائهم لأدوار الخيانة الوطنية والعمالة لكل القوى الخارجية ( أمريكا ، روسيا ، اسرائيل ، ايران ، …) بل ولكل من يشتري سوريا وجغرافيتها وتاريخها وحضارتها بل وشعبها الذي اعتبروه كعبيد طيلة 45 عاما .

  3. يقول العميد ليث محمود علي من اللاذقية اعلن انشقاقي عن قوات الاسد لقتلها الشعب السوري:

    كان حافظ وبشار الأسد يفرضان تعليماتهما بإصدار دساتير وقوانين ومراسيم وقرارات وإحداث وإلغاء وزارات ومؤسسات وإدارات شكلية ويبرمان اتفاقيات ومعاهدات دولية لتدمير سوريا من قصرهما ، ويتولى بصمجية السلطة مما يسمى (مجلس الشعب والوزراء وقيادة حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية ) التوقيع دون قراءة أو فهم شيء ، لأن أدوار العبيد تنحصر بالتنفيذ من مواقع أسفل الهرم ، والامتناع عن الكلام والنقاش والحوار وإبداء الرأي مقابل الحصول على الطعام وبعض مستلزمات الحياة الأخرى وأحيانا ثروات منهوبة من أموال الشعب المفقر .

  4. يقول العميد ليث محمود علي من اللاذقية اعلن انشقاقي عن قوات الاسد لقتلها الشعب السوري:

    منذ 5 سنوات تم قلب الهرم ، وداس ثوار سوريا بأقدامهم سلطة آل الأسد وانتزعوا منها هيبة الإرهاب الأمني والجيش الطائفيين عبر مظاهراتهم أولا ، ثم بالعمل المسلح ثانيا ، وتحقّق اسقاط التسلط والطغيان بفعل بنادقهم ، ولم تستطع سلطة آل الأسد بدعم كافة قوى العالم أن تنهي شعلة ثورة شعب سوريا خلال السنوات الخمس الماضية ، مع أنها استحضرت جيوش روسيا وايران فارس وشيعتها من العالم ومرتزقة قومجية لبنان وفلسطين وغيرهم ، وتغطية بالخفاء سياسية ولوجستية من أمريكا واسرائيل وقوى أخرى لإبقاء هرم السلطة كما اعتادت عليه منذ 5 عقود .

  5. يقول العميد ليث محمود علي من اللاذقية اعلن انشقاقي عن قوات الاسد لقتلها الشعب السوري:

    لقد انتهت مهمتكم يا آل الأسد مع مرتزقتكم في سوريا ، وبدأت مفاوضات تسليم السلطة ، عبر آليات حكم الهرم المقلوب الذي يفرض حكم الشعب بقمة الهرم مع مؤسساته المنتخبة والتمثيلية ومكوناته الوطنية الصادقة والمنتمية لبلدها وحضارتها وجغرافيتها وتاريخها .