لقد فشلنا

هل نحن مجرد جزء من هذا العالم أم نحن عبوة ناسفة مزروعة في أحشائه؟ هل نحن حي طبيعي من «القرية الكونية» أم أننا حي الانتحاريين فيها؟ وهل الغرض من هذه المذابح الجوالة إلحاق الجاليات العربية والإسلامية في الغرب بقاموس النحر والانتحار؟ هل نحن جزء من حاضر العالم ومستقبله أم أننا عاصفة ظلام تحاول إعادته إلى الكهوف التي غادرها حين اختار طريق التقدم وكرامة الإنسان؟

هل نريد الدفاع عن لوننا وهويتنا أم نريد فرض هذا اللون على الآخرين؟ وهل الخيار الذي نعرضه على الآخر هو أن يشبهنا أو ننفجر به لتختلط أشلاؤه بأشلائنا؟ وهل صحيح أننا لا نشعر بالطمأنينة إلا إذا رأينا شوارع العالم الآخر متعثرة بالجثث والزجاج المطحون؟ ومن الذي أجاز لمتعصبين قتل تركي في شوارع إسطنبول وفرنسي في شوارع باريس وسائح في شوارع بروكسيل؟

هل يحق لمن وفد إلى دولة واستقبلته وعثر فيها على سقف وعنوان ومساعدة اجتماعية ورعاية طبية، أن ينفجر في شوارعها لأنها لم تعتنق لونه وقراءته وأسلوب تفكيره ومعيشته؟ وهل يخفف من الإثم الحديث عن البطالة وتعثر الاندماج؟ وهل يحق لمَوْتور قتل الآخر لأنه لا يشرب معه من النبع نفسه؟

وهل يحق لنا أن نواصل الحفر في مناجم التاريخ لنتكئ على ظلم لحق بنا في حقبة سابقة فنبرر به مجزرة بحق أبرياء في دولة فررنا إليها هربا من مستبد أو حرب أهلية؟ ومن أعطانا الحق في أن نملي على آخرين شكل أنظمتهم وقيمهم وأسلوب حياتهم؟

لقد فشلنا.

هذه هي الحقيقة التي لم يعد ممكناً إخفاؤها أو التستر عليها. فشلنا في بناء دولة طبيعية. دولة تعيش ضمن حدودها. دولة مؤسسات تنهمك بتحقيق التقدم والتنمية وتوفير فرص العمل وفرص المشاركة لأبنائها. دولة تتعاون مع جيرانها ومع العالم من دون أن يكتسحها الرعب أو يأسرها الحقد. وفشلنا أيضا في بناء مواطن طبيعي ينتمي إلى اللحظة الحاضرة من عمر العالم وتطوره المتسارع الوتائر.

لقد فشلنا.

أخذتنا الغفلة لعقود وقرون. خفنا وانغلقنا. عاقبنا المعترض، وشطبنا المشكك، واعتبرنا حامل السؤال خائناً. اعتقلنا الحناجر والأصابع والأحلام. وهكذا تعفنت مؤسساتنا، هذا إذا وجدت. تعفنت مدارسنا وجامعاتنا ومناهجنا. تخرج الأطفال من مدارسنا بمخيلات مريضة ومشاعر مسنونة. عمقت جامعاتنا الكئيبة إقامتنا في قبور أجدادنا. تحول الطالب رقماً وتحول صدى وتحول لغماً. وقفنا على رصيف العالم وكان يتقدم. ازداد تقدماً فازددنا حسرة وغضباً. ولازمنا شعور بأن العالم يُصنع من دوننا وفي غيابنا. ويصنع ضدنا. وهكذا أعددنا أجسادنا والعبوات وانفجرنا.

لقد فشلنا.

استولى علي هذا الشعور حين استمعت إلى سوريين في برلين يروون كيف تزاحموا على قوارب الموت طمعاً بإلقاء أنفسهم وأولادهم في حضن دولة أوروبية. وحين استمعت إلى عراقيين تنكروا في جوازات سوريين. وحين قرأت الفجيعة في عيون إيزيديين هاربين من جحيم دولة البغدادي. هذا مخيف. كم قرأنا عن أوطاننا وجذورها الضاربة في أعماق التاريخ. لا نحلم الآن بغير الفرار منها وتركها تتلوى على الأناشيد المذهبية وفتوحات الميليشيات. وكم توهمنا أننا شعب واحد. ثم ذبحنا على يد أبناء شعبنا الواحد. ولم يبق لنا إلا قوارب الموت لنبتعد من بلادنا الغارقة في أعراس الخرائط الصغيرة.

لقد فشلنا.

ها هو العالم يبحث عن أفضل السبل للتهرب من أنهار اللاجئين التي نطلقها، وأمواج الانتحاريين الوافدين من أرضنا أو ثقافتنا. يعاملنا العالم اليوم بوصفنا منابع الخطر على أمنه، وتقدمه، وديموقراطيته، واستقراره. لا حل أمامنا غير الاعتراف بهذا الفشل الشامل والمدوي. بهذا الانهيار المريع. علينا أن نبدأ من الصفر كمدينة هدمها زلزال ماحق. استمرار التلطي خلف الأكاذيب والأوهام يجعل إقامتنا في الكهوف مديدة. لا نستطيع السفر إلى المستقبل بأفكارنا القديمة وثيابنا البالية. لا نستطيع الصعود إلى القطار من دون أن ندفع ثمن البطاقة من جمودنا وأوهامنا وتكلس أفكارنا.

غسان شربل – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫8 تعليقات

  1. كلام انشائي يصلح ان يكون قصة قصيرة لكنها لاتعكس واقع الامور السياسية وتريد تحميلنا كل اهوال ومصائب الدنيا بينما تظهر شياطين الجن والانس بمظهر الملاك البريء

  2. أحياناً يتحول النقد الذاتي من الإيجابية إلى السلبية و يصبح نوعاً من جلد الذات بقسوة من دون مبرر معقول. نحن لسنا كما ذكر الأستاذ غسان حيث منا من ساهم في بناء العلوم و المصانع و الجامعات في أوروبا و أمريكا و منا من كانت تتمنى تلك الدول أن يحصل على جنسيتها و جواز سفرها .
    الموجود في العالم الآن ، إرهاب دولي خططته عقول شريرة و صممته بطريقة تشوه سمعتنا كأمة من أجل محاربة طموحنا ، و تستغل جهلتنا أبشع استغلال في سبيل إدامة سيطرتها على العالم . الجهلة فينا مجرد أدوات تنفيذية مخدوعة . أهم سؤال في هذا الواقع هو : بعد حدوث أعمال إرهابية ، من هو يا ترى المستفيد الحقيقي الأكبر منها ؟ من هو الذي يريد من أوروبا أن تخاف و تنشغل بنفسها بالهاجس الأمني بدلاً من أن تزاحم غيرها و تصبح دولة موحدة تتبوأ عرش العالم ؟

  3. تسأل “من أعطانا الحق في أن نملي على آخرين شكل أنظمتهم وقيمهم وأسلوب حياتهم”؟ الله الواحد الأحد هو الذي أعطانا هذا الحق، وأكده رسوله المرسل بالسيف رحمة للعالمين هو الذي أعطانا هذا الحق.

    1. “بالسيف” … قسما بالله شعب مستحيل يتعلم
      شرف سيد ابو العبد الأخ عينة من الأدوات التفيذية اللي خدعها الغرب .. مو هيك

    2. وما ذنب الغرب في أفكار من هذا النوع؟ هؤلاء المتخلفون هم نتاج قيمنا وتاريخنا ومراجعهم الثقافية هي الغزو والسبي والاستعباد والفتح وأخذ الغنائم والقمع والتسلط على العباد وقطع لسان ورأس كل من يرفض الرضوخ لهم، وهذه قيم لم يستوردوها من الغرب بل هي قيم موجودة لدينا منذ الأزل، منذ حروب الردة وجميع حملات التأديب التي أرسلها الخلفاء جميعاً ضد من خرجوا عليهم (ثورة الزبير، تدمير الكعبة بأمر من يزيد، المذابح التي ارتكبها الحجاج، وغيرها) وأمثلة أخرى كثيرة لا يتعلمون منها سوى شيء واحد هو أن من حقك أن تقتل من يخالفك الرأي.

    3. الله اعطاك هذا الحق!!! وبعث بالسيف!!! سيف يقص رقبتك عم تتقول على الله ورسوله؟ الله ياخدك ونخلص منك ومن امثالك. عزيري ما عاجبتك انظمتهم وقيمهم واسلوب حياتهم ليش عايش بينهم وعم تاكل من خيرهم روح عيش بأحضان الانظمة والقيم واسلوب الحياة يلي بتعجبك بلكي إذا فكرت بس تفكير تحكي نفس الحكي ليخفوك ورا الشمس ويقصو رقبتك مو بالسيف بالمنشار وما تفكر انه منشار كهرباء منشار يدوي يا حمار

  4. ليش ايمتا كنا ناجيحن لحتى نفشل ههههههههههههههههه

    هلا بطلعلي واحد بسمعيني درس التاريخ يلي حفظانو