حزب الله : الإنصياع لروسيا أو الهزيمة الكاملة

خلال الأسبوع المنصرم شهدت سورية تطورين عسكريين في ظلّ الهدنة المعلنة، واحد في الغوطة الشرقية بضواحي دمشق من خلال ارتكاب الطائرات الحربية السورية مجزرة أدّت إلى سقوط ثلاثين ضحية معظمهم من الأطفال، وآخر في ريف حلب الجنوبي أعقب المجزرة وأدّى إلى مجزرة عسكرية طالت جنود من الجيش السوري وإيرانيين وعناصر من حزب الله والميليشيات العراقية، أشارت التقديرات إلى أنّ عدد القتلى بينهم بلغ الخمسين.
لم يصدر أيّ بيان دولي ولا روسي أو أميركي يظهر قلقًا من انهيار الهدنة المعلنة. فالحدثان لا يشكلان تهديدًا لمسار التفاهم الأميركي الروسي في سورية. رسالة ريف حلب الجنوبي حملت أكثر من معنى، منها أنّ النظام السوري وإيران عاجزان عن التقدم العسكري أو حتى حماية ما سيطروا عليه ميدانيًا من دون غطاء جوّي روسي. ولأن الصمت الروسي رافق هذه النكسة السورية الإيرانية، يمكن القول أنّ الطرف الروسي غير مستاء ما دامت النتائج تؤول إلى تثبيت مرجعيته، وما دامت هذه النكسة سبيل لإقرار النظام السوري وإيران أنّهما لا يستطيعان الخروج على ما يرسم في أروقة الكرملين والبيت الأبيض لمستقبل سورية.

ولعلّ قيام جبهة النصرة بهذا الهجوم، المترافق مع صمت روسي وأميركي، ولعلّ الصمت عن الاستنكار اللفظي لهذا الهجوم العسكري… يكشف أنّ مزيدًا من استنزاف النظام وايران وميليشياتها لا يشكل انقلابًا على مسار التسوية بمرجعية الدولتين الكبريين، لاسيما بعدما أقرّ الجميع بأنّ فرص انتصار عسكري لأي طرف غير واردة، ولا ممكنة.

وفي المعلومات أنّ روسيا، منذ أن اعلنت وقف عملياتها الجوية في سوريا، رفضت بشكل علني إجراء الإنتخابات النيابية التي يستعد النظام السوري لإجرائها، معتبرة أنّ الانتخابات يجب أن تكون حصيلة التسوية السياسية، وقد نقل مساعد وزير الخارجية الروسي بوغدانوف قبل اسبوعين رسالة في هذا المضمون لإيران، معتبرًا أنّ تعطيل الإنتخابات الرئاسية في لبنان لم يعد مقبولاً والمطلوب إجراؤها في سياق تعزيز مسار التسوية في سوريا. الموقف الإيراني، بحسب مصادر متابعة، يؤكد أنّ بوغدانوف خرج من زيارته الإيرانية منزعجًا، وأبلغ المسؤولين الإيرانيين أنّ روسيا وجهت رسائل إلى كل الدول المعنية بالأزمة السورية أنّها تريد أن تلعب دورًا في التسوية وهي لا تريد المضي في المواجهة العسكرية وأنّها تطلب عون الجميع على هذا الصعيد.

من هنا تعتبر مصادر لبنانية متابعة أنّ لقاء الرئيس سعد الحريري القيادة الروسية، وعلى رأسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام، يشكل بذاته رسالة مستفزة لفصائل الممانعة اللبنانية والسورية. لا سيما أنّ ذلك يترافق مع محاولة روسية للدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان. وينتبه الممانعون جيدًا إلى أنّ هذه الزيارة الحريرية جاءت في وقت كان يروج الممانعون، منذ اسابيع، لزيارة مقررة للعماد ميشال عون إلى روسيا، في سياق الحملة الإنتخابية لوصوله إلى رئاسة الجمهورية. وكان قصارى طموح الممانعين أن يتاح له اللقاء مع وزير الخارجية الروسي. لكن الزيارة لم تتم والأرجح أنّها لن تتم. علمًا أنّ روسيا، الراغبة في أن تكون لها حصة بإعمار سورية مستقبلاً، وجدت في فريق الحريري الاستثماري مجالاً لفتح آفاق التعاون انطلاقًا من لبنان. بحيث أنّ روسيا تريد من خلال العلاقة مع الشركات اللبنانية أن تبنيَ شراكات تجارية وعقارية ومقاولات. لبنان بالضرورة سيكون قاعدة أساسية لها في مرحلة اعمار سورية.

بنظر القريبين من مباحثات الحريري الروسية، أنّ الرئيس بوتين الذي حقق أهداف حماية المصالح الروسية في مستقبل سورية، وحقق بعض أهداف ضرب الإرهاب، وفرض مسارًا دوليًا للتسوية السياسية في سورية.. يدرك أنّ هذا المسار يتعارض مع نظام المصالح الإيرانية التي وضعت أوراقها السورية في جيب الرئيس بشار الاسد. ولأنّ التفاهم الأميركي الروسي ثابت وعميق، فإنّ سياسة تثبيت الموقع الروسي في سورية تتطلب مزيدًا من الوقت ومن المواجهات لكي يسلم كل الأطراف بالدور الروسي ومرجعيته.

يبقى أنّ حزب الله أمام خيار الانصياع الكامل لمترتبات المرجعية الروسية. ذلك أنّ خروجه عليها سيجعله عرضة لمزيد من الإختناق، لا سيما أنّ حجم المصالح الروسية وارتباطها مع اسرائيل، وبالتفاهم الأميركي، وبطموح علاقة روسية – خليجية قوية، كل ذلك يجعل حزب الله في مرحلة حصار غير مسبوقة في تاريخه. خصوصًا أنّ حجم العداء، الذي تعمق بأبعاد مذهبية في سورية والمنطقة، يجعله، كما ايران، امام خيار التسليم بما يقرّه الإتفاق الأميركي الروسي أو الخروج من سورية بالخسائر فقط، ومن دون ايّ مكسب.

علي الأمين – صدى البلد – النشرة اللبنانية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها