مخاطر منطقة اليورو تهدد اقتصاد ألمانيا
تواجه منطقة اليورو مخاطر اقتصادية كبرى تهدد استقرارها المالي، رغم أن إجمالي اقتصاد أعضائها يضعها «نظريا» في المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.
وتسعى منطقة اليورو، المؤلفة من 19 دولة، لإنعاش اقتصادها عقب موجة عالمية مستمرة من الركود منذ أكثر من عامين. لكن المؤشرات المتذبذبة، وآراء كثير من خبراء الاقتصاد الدوليين تشير إلى أن الأمر قد يكون أصعب من المتوقع.
وتشير بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن اقتصادات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تقع ضمن أكبر 10 اقتصادات على مستوى العالم وفقا لإجمالي الناتج المحلي، بمتوسط أرقام 3.82 و2.9 و2.13 تريليون دولار على التوالي، فيما تظهر كل من إسبانيا وهولندا في مراكز لاحقة بقائمة العشرين، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 1.4 تريليون دولار، و880 مليار دولار على التوالي.
ومجموع هذه الدول الخمس وحدها يضع منطقة اليورو في المرتبة الثانية عالميا، متخطية الصين صاحبة إجمالي الناتج المحلي البالغ 10.34 تريليون دولار.
لكن قدرة دول منطقة اليورو الاقتصادية لم تنجح في تخطي رياح حركة الركود العالمي بسهولة، خصوصا في ظل أوضاع عالمية متفاقمة على غرار انخفاض أسعار النفط، وأوضاع داخلية تخص أعضاء المنطقة، بما فيها تدهور اقتصاد اليونان، وتلويح بريطانيا باحتمالية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تفاقم مشكلة اللاجئين إلى أوروبا والخلافات الناشبة حولها، وكذلك المخاطر الأمنية المتزايدة عقب تفجيرات إرهابية طالت فرنسا وجارتها بروكسل.
ورغم المحاولات التي يبذلها البنك المركزي الأوروبي لتعديل الأوضاع، عبر سياسات التحفيز الكمي، إلا أن جان مايكل سيكس، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في وكالة ستاندرد آند بورز، يرى أن اقتصاد منطقة اليورو يشبه «طائرة تحلق بمحرك واحد»، بينما تحاول أن ترتفع في السماء.
وخفضت الوكالة في تقرير لها نهاية الأسبوع الماضي من توقعات النمو الخاصة بمنطقة اليورو، ويشير سيكس في حديثه مع شبكة «سي إن بي سي» الأميركية إلى أن «الشاغل الأكبر لمنطقة اليورو إبان قوة عملتها في السنوات السابقة كان ينحصر في الطلب الخارجي على سلعها»، لكنه يؤكد أن الركود العالمي اليوم يؤثر بشكل كبير على كل الاقتصادات، خاصة في ظل الاعتماد «الأحادي» من جانب دول اليورو على «الانتعاش الاستهلاكي»، وهو معامل غير مستقر أو مأمون بحسب رأيه، مستشهدا في ذلك بدورات سابقة للهبوط الاستهلاكي الحاد في عام 2010- 2011.
وتشير أحدث البيانات الصادرة أمس عن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي «يوروستات» إلى تراجع أسعار المنتجين في منطقة اليورو أكثر من المتوقع في فبراير (شباط) الماضي، وتسارع وتيرة انخفاضها الشهري مع استبعاد أسعار الطاقة المتقلبة.
وقال يوروستات إن أسعار «تسليم باب المصنع» في الدول التسع عشرة الأعضاء بمنطقة اليورو هبطت بنسبة 0.7 في المائة على أساس شهري، ليبلغ التراجع السنوي 4.2 في المائة. في وقت يتوقع فيه المحللون انخفاضا بنسبة 0.5 في المائة، في المتوسط، على أساس شهري.
وبالتزامن أيضا، أظهر مؤشر مجموعة أبحاث «سنتكس» ومقرها فرنكفورت، والذي يرصد معنويات المستثمرين والمحللين في منطقة اليورو، ارتفاعا للمرة الأولى هذا العام إلى 5.7 نقطة في شهر أبريل (نيسان) الحالي، مقابل 5.5 نقطة في مارس (آذار) الماضي.. لكن ذلك الارتفاع يبقى دون الطموحات أو التوقعات، والتي كانت تصب في حدود 6.4 نقطة.
وتشير تلك المؤشرات إلى أن اقتصادات منطقة اليورو ربما لم تستفد بشكل كبير من حزمة التحفيز الأوروبية، والتي شهدت خفض المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة في مارس، وتوسيع برنامج شراء الأصول.
ونبّه ماريو دراغي، رئيس المركزي الأوروبي، القادة الأوروبيين الشهر الماضي إلى أن السياسة النقدية «لن تكفي وحدها» لتحفيز الاقتصاد، وأنه يتعين على الحكومات أن تقوم بعملها وتطبق إصلاحات هيكلية.
ويعلق الخبير الاقتصادي جان مايكل سيكس على إجراءات المركزي الأوروبي، بقوله إنه لا يمكن الحكم بسرعة على نجاحها من عدمه، وإنه يجب التروي حتى رؤية النتائج على الأرض خلال الشهور المقبلة.
وعلى صعيد متصل، يرى المحلل الاقتصادي الكندي جوزيف شوباك، في تحليل له بدورية «فيوتشر إيكونوميكس» المالية المتخصصة، أن نمو منطقة اليورو، وانضمام عدد متزايد من الدول الأقل قدرة اقتصادية منذ عام 2007، رغم أنه كان إيجابيا في توفير بدائل جيدة لدول القلب القوية، المتمثلة في ألمانيا وفرنسا، فإن الأمر ذاته أضاف أعباء اقتصادية صار من شأنها أن تهدد اقتصادات هذه الدول الكبرى ذاتها.
وأوضح شوباك في تحليله أنه من بين دول منطقة اليورو التي انضمت قبل عام 2007، فإن ألمانيا والنمسا وحدهما حققتا نموا بمعدلات دخول الأفراد خلال الأعوام بين 2008 إلى 2013، رغم الأزمة المالية العالمية بسبب الرهن العقاري.. مشيرا إلى أن ألمانيا وحدها، التي تشكل نحو 29 في المائة من إجمالي الدخل المحلي لمنطقة اليورو، نجحت في أن تحتفظ بمعدلات بطالة منخفضة طوال أعوام الأزمات.
كما يشير شوباك إلى أن ألمانيا بقوة اقتصادها، نجحت إلى حد كبير في موازنة اقتصادات شركائها بمنطقة اليورو خلال تلك الفترة. لكن مع انضمام عدد آخر من الدول، الأضعف اقتصادا، إلى جانب الأزمة التي تواجهها اليونان، والتلويح البريطاني، ومشكلات اللاجئين، يتشكك شوباك وغيره من المحللين في قدرة ألمانيا على الصمود، خصوصا أن المشكلات والتبعات الاقتصادية باتت تحاصرها شخصيا على نحو غير مسبوق، وربما كان آخرها مشكلة عملاق السيارات فولكسفاغن.
كما يلمح كثير من المحللين الغربيين إلى أن تشدد برلين في التعامل مع قضية ديون اليونان، يعني بشكل ما أن ألمانيا ليست مستعدة لمزيد من تحمل أعباء شركائها في منطقة اليورو، وهو ما يشي – ربما – بأن الوقت القادم سيشهد
تحركات أوروبية «أحادية» لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية، بأكثر من أي تحركات «جماعية» تهدف إلى الحفاظ على منطقة اليورو، أو حتى الاتحاد الأوروبي ذاته. وتشير أحدث مؤشرات «يوروستات» إلى أن معدل البطالة في ألمانيا هو الأدنى على مستوى منطقة اليورو بنسبة عامة بلغت 4.3 في المائة، فيما تبلغ بين الشباب 6.9 في المائة. بينما تبلغ مداها الأقصى في اليونان التي سجلت أعلى نسبة بطالة بلغت 24 في المائة، في حين بلغ معدل البطالة بين الشباب 48.9 في المائة.
وتظهر بيانات نشرت أمس أن متوسط معدل البطالة في منطقة اليورو انخفض إلى 10.3 في المائة في فبراير، انخفاضا من 10.4 في المائة بعد التعديل بالرفع في يناير (كانون الثاني). ورغم هذا التحسن الذي فاق توقعات المحللين، الذين توقعوا بقاء معدلات البطالة عند مستواها السابق، فإن تلك المعدلات تبقى أقل من الطموحات، وتظل هاجسا خطرا على مستقبل اقتصاد منطقة اليورو. (الشرق الأوسط)[ads3]