رغبة روسية بتقسيم سورية على غرار جورجيا و أوكرانيا
يستدل المسؤولون الاميركيون على نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية باستعادتهم تصرفاته في كل من جورجيا واوكرانيا، ويقولون ان العبرة من هاتين الدولتين هي ان بوتين غالبا ما يسعى الى تعزيز انتصاراته بفرض التقسيم كأمر واقع، وفي الحالة السورية، يرجح الاميركيون ان يسعى بوتين لان يكرس سيطرة حلفائه، مع او من دون الرئيس بشار الأسد، على المنطقة الممتدة من دمشق الى الشمال الغربي، مرورا بأجزاء من محافظات حمص وحلب وادلب.
ويعتقد هؤلاء المسؤولون ان كلا من الأسد ومعارضيه يسارعون الى الاستيلاء على اوسع مساحات من الاراضي لتثبيت خطوط الجبهة، قبل ان يتوقف القتال كليا.
ويتابع المسؤولون الاميركيون ان بوتين سمع من وزير الخارجية الاميركي جون كيري، اثناء زيارة الاخير الى موسكو في 24 من الشهر الماضي، ان «الولايات المتحدة لن تسمح بانهيار معارضي الأسد ولن تسمح لأي من الطرفين باكتساح الآخر»، وان الاكتساح الوحيد المسموح هو قيام اي من الطرفين باكتساح الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).
ويلفت المسؤولون الى ان موسكو عادت في التاريخ الى ما قبل 30 سبتمبر الماضي، تاريخ شنها حملتها العسكرية في سورية، وان روسيا عادت الى الديبلوماسية سبيلا لتحقيق انتصار على المعارضين السوريين.
وعن المشاركة الروسية الى جانب قوات الأسد في الحملة ضد «داعش» وبعض المواجهات ضد المعارضين، بما في ذلك الهجوم الذي يقوم به الأسد وحلفاؤه جنوب حلب، يقول المسؤولون الاميركيون ان «بوتين انتقل من حملة عسكرية مباشرة الى دعم المجهود العسكري لحلفائه. صحيح ان بعض المرتزقة الروس يقاتلون في صفوف الأسد، الا ان مقدرة هؤلاء على قلب الامور، كما فعلت المقاتلات السورية، متعذرة».
على ان الخبراء الاميركيين يشككون في اعتقاد الحكومة الاميركية بان بوتين اكتشف حدود القوة العسكرية وقرر العودة الى الديبلوماسية. ويقول الخبراء انه بالاستدلال بجورجيا، وخصوصا اوكرانيا، تلى انسحاب القوات الروسية حرب بوتيرة ابطأ، وحافظت القوات الروسية على تفوق ضمني، من قبيل ابقاء موسكو انظمة الدفاع الجوية «اس 400» في سورية.
ويعتقد الخبراء ان هدف ابقاء انظمة الدفاع الجوية هو توجيه رسالة الى واشنطن وحلفائها بان اي تدخل غربي ضد الأسد سيفرض اولا مواجهة عسكرية بين الغرب وروسيا.
على ان المسؤولين في الحكومة الاميركية، كما الخبراء والعاملين في الكونغرس من المعارضين لهم، يعتقدون ان «التدخل الروسي في سورية قوض بالكامل استقلالية الأسد الى غير رجعة»، وانه بعد التكاليف التي تكبدتها موسكو، اصبحت خيارات الأسد اما ان يلعب دور التابع الذي يأخذ اوامره بالكامل من موسكو، او ان يخرج من المشهد السوري.
في هذه الاثناء، يرى المسؤولون الاميركيون ان موسكو مازالت متمسكة بأسلوبها الديبلوماسي نفسه، والقاضي بمحاولة فرض حلفائها من «المعارضين» على المعارضين السوريين الباقين. ويصف المسؤولون الاميركيون الديبلوماسية الروسية بـ «السوريالية»، ويتساءلون: «كيف يمكن لروسيا ان ترعى بقاء الأسد في الحكم عسكريا، وفي نفس الوقت ترعى بعض معارضيه سياسيا؟»
لكن على الرغم من تراجع الزخم الديبلوماسي الذي رافق «وقف الاعمال القتالية» في سورية، الا انه يبدو ان المعارضة السورية مازالت في موقف افضل بكثير من الأسد، فالمعارضة، حسب المسؤولين الاميركيين، تبدي مرونة تخنق الأسد وتجبره على ابداء مرونة مماثلة لناحية التوصل الى حلول وانهاء الصراع، من قبيل تشكيل هيئة انتقالية تشرف على الكتابة على دستور جديد مع حلول اغسطس المقبل، وعلى انتخابات برلمانية ورئاسية منتصف العام المقبل.
ولأن الوضع ديبلوماسيا ليس في مصلحة الأسد، فهو عمد الى المماطلة وعدم المشاركة بحجة اقامته انتخابات برلمانية. لكن المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا ينوي زيارة موسكو ودمشق لابلاغ العاصمتين ان الأمم المتحدة ماضية في تقديم تصور لعملية الانتقال السياسية، وأن على الأسد اما تقديم رأيه والاجابة عن تساؤلات المنظمة الدولية، أو ان يقبل بما ستصدره المنظمة من دونه.
حسين عبد الحسين – الراي[ads3]
“هل تعلم ما هو الجيد بشأن الحقيقة؟ أنّ الجميع يعلم ما هي، مهما طال الزمن الذي استطاعوا فيه العيش من دونها. لا أحد ينسى الحقيقة، فرانك، لكنّهم يصبحون أكثر براعة في الكذب فقط”. ما قالته آن ويلر لزوجها في رواية “الشارع الثوري”، للأميركي ريتشارد يايتس، يصح كذلك لوصف ما يحصل في سورية. فثمة شيء نتن يحدث أمامنا بعد خمس سنوات من ثورةٍ حصيلتها مقتل نحو نصف مليون وتهجير عشرة ملايين. هي ثورة تآمرت عليها كلّ دول العالم تقريبا. هذا نعرفه. لكن، ما لم يعلن أخيراً أن التآمر على الثورة تكلّل بمشاركة المعارضين أنفسهم فيه، بعجرهم وبجرهم، فقد نجح الأميركيون والإيرانيون، وبمساعدة الطيران الروسي السفّاح، بفرض “هدنةٍ” قبلتها المعارضة السياسية ضدّ كل منطق ثوري عقلاني، كان يجزم أن الأمر سيكون كارثياً. وبالفعل، أدّى ذلك في المحصّلة النهائية لاستحداث – النسخة المحدثة والناجحة من الضوابط التي حوّلت المعارضة إلى قوات “صحوات” سوريّة. أتى ذلك بعد محاولات عديدة فاشلة للأميركيين في تشكيل نواة لمليشياتٍ أو جيوشٍ تقاتل “داعش” فقط من دون نظام الأسد من مرتزقة عرب سنة. لكن، هذه المرة، اشتملت “الصحوات السورية”، في نسختها الأرقى، على جيوشٍ من المعارضين السياسيين والناشطين الإعلاميين السوريين والعرب، علمانيين وإسلاميين (“سنُّة” على فكرة)، بالإضافة إلى مقاتلين (سنّة أيضاً) من فصائل الجيش الحرّ وفصائل إسلاميّة صنّفت “معتدلة”، بعد تأديبها وتأدّبها، وجدوا أنفسهم في الخندق نفسه مع قاتلهم (ما زال يقتل) وحلفائه المجرمين. وباتوا يشاركونه، مسرورين الآن، بقتال كل من يخالف تحالف أميركا وإيران وروسيا وحزب الله، تحت راية “قتال داعش”.
ففي سورية، المستعمرة الإيرانية اليوم، هناك فرق سياسي شاسع بين “داعش”، التنظيم المعروف الذي يعمل بلا خجل أو وجل لتأسيس “خلافةٍ سنيّة”، و”داعش” كما يعنيه واقعيّاً تحالف نظام الأسد وأميركا وإيران. إّن تسمية “داعش” عندما يستعملها هؤلاء تعني كلّ من يقف ضدّهم، وتشمل عمليّاً كل العرب السنة الذين يواجهونهم، مهما كانت هويّتهم الأيديولوجية. لكن هذا الفرق السياسي الحادّ والمفهومي يبدو أمراً غير ذي صلة بالنسبة للخطاب السائد للمعارضة السورية التي تلهث للدخول إلى “سورية الجديدة” التي يريدها باراك أوباما وعلي خامنئي بأيّ ثمن.
لا يمكن أن يعني هذا كله إلا أمراً واحداً: أن “التطمينات” التي أتت لنظام الأسد وحلفائه لم تكن فقط “غير مباشرة”، بل كانت، على الأرجح الأعمّ، مباشرة، أي تمّ نقاشها بالتفصيل بين الأطراف المقاتلة وداعميها بينهم وحلفاء الأسد. وليس أبدًا مصادفة أن يأتي ذلك بموازاة وفد “معارض” يدّعي “تمثيل الثورة”، قَبِل من “عندياته” نقاطاً قدّمها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي مستورا، سمسار الاستعمار الأميركي-الإيراني في سورية وموفد المنبر المسمى “الأمم المتحِدة” (علينا نحن العرب)، والذي قال، في وثيقته، ببقاء نظام الأسد وإلى ما شاء الله. ومن يعلم، قد نرى على الأرجح حافظاً الصغير حاكماً للبلاد بعد عقدين أو ثلاثة، ذلك أنّ عباقرة السياسة في المعارضة السورية أثبتوا أنهم يحترمون “المجتمع الدولي” فوق ما يتوقعه هو نفسه منهم. فهم، عكس نظام الأسد، لا يخونون العهود.
ما “الصحوات السورية” فهي ليست سوى نسخة معدّلة سورياً لتجربة الصحوات العراقية التي
قام بها الأميركيون بعد عام 2006، حيث تمّ تأليف جيش من العشائر العرب السنة لقتال تنظيم القاعدة حينها (موقع الجزيرة، 2 فبراير/ شباط 2016). لكن، ما لبثت الصحوات أن تحوّلت إلى جيش من مرتزقة عشائريين، يقاتلون لحساب أميركا، ويحققون، في نهاية المطاف، مصلحة إيران. وفي النهاية، نكث الأميركيون بالوعود التي أعطوها لهم، بضمّهم للجيش العراقي. فإيران لم تقبل الأمر، وتحوّل سكان المناطق في المحافظات الشرقية والشمالية إلى العداء الصريح لإجرام الإيرانيين ونظامهم في العراق، مفضلين على ذلك التعايش مع وجود تنظيم داعش في مناطقهم، بدل أن يقاتلوه مجدداً لحساب الاستعمار الأميركي-الإيراني. ومن غير المستبعد أن تلاقي الصحوات السورية مصيراً مشابهاً لمصير الصحوات العراقية مع إيران.
الطامة الكبرى، في ذلك كله، درجة التهافت السياسي الذي وصل إليه منظرون في المعارضة السورية في تشديدهم على أولوية الحرب ضد تنظيم “داعش” على الحرب ضد النظام وايران، فبما أنّ داعش “معادِلة” للنظام بحسبهم، فلا مشكلة أن نتخلّص من الأول حتى لو كنا في ذلك حلفاء موضوعيين أو ذاتيين ربما للنظام. لكن، نعود دائماً إلى حقيقة آن ويلر وزوجها فرانك. إنّ تنظيم داعش المجنون والإرهابي الذي لا يمكن أن يقبل بوجوده أكثرية السوريين، بعدما أرادوا سقوط نظام الأسد، لم يقتل سوى 1% مما قتله منهم نظام الأسد والإيرانيون والروس. إذ ذاك، تصبح الوظيفة السياسيّة للمظاهرات اليومية التي تصرخ، هذه الأيام، شعارات ضد الأسد، والتي تنظمها التنسيقيات المحليّة السورية في المناطق الموجودة تحت سيطرة المعارضة (وليس تحت سيطرة داعش)، توفر غطاءً يومياً فلكلورياً لتمرير الاتفاق القائم مع الأسد، وهو اتفاق مضاد للثورة بأهازيج الثورة نفسها. فنحن لم نعد هنا في نطاق الثورة، بل في مملكة شبح الثورة المتلاشية. جثّة الثورة التي تتحلّل وتتفسخ بسرعة، وأوّل ضحاياها كانت مدينة تدمر التي دُمِّرت عن بكرة أبيها، وسط صمت المعارضة المدويّ، وذلك في “تحريرٍ” قالت عنه قناة “سي إن إن” الأميركية أنه “يوم مجيد للإنسانية”.
الطامة الكبرى، في ذلك كله، درجة التهافت السياسي الذي وصل إليه منظرون في المعارضة السورية في تشديدهم على أولوية الحرب ضد تنظيم “داعش” على الحرب ضد النظام وايران، فبما أنّ داعش “معادِلة” للنظام بحسبهم، فلا مشكلة أن نتخلّص من الأول حتى لو كنا في ذلك حلفاء موضوعيين أو ذاتيين ربما للنظام. لكن، نعود دائماً إلى حقيقة آن ويلر وزوجها فرانك. إنّ تنظيم داعش المجنون والإرهابي الذي لا يمكن أن يقبل بوجوده أكثرية السوريين، بعدما أرادوا سقوط نظام الأسد، لم يقتل سوى 1% مما قتله منهم نظام الأسد والإيرانيون والروس. إذ ذاك، تصبح الوظيفة السياسيّة للمظاهرات اليومية التي تصرخ، هذه الأيام، شعارات ضد الأسد، والتي تنظمها التنسيقيات المحليّة السورية في المناطق الموجودة تحت سيطرة المعارضة (وليس تحت سيطرة داعش)، توفر غطاءً يومياً فلكلورياً لتمرير الاتفاق القائم مع الأسد، وهو اتفاق مضاد للثورة بأهازيج الثورة نفسها. فنحن لم نعد هنا في نطاق الثورة، بل في مملكة شبح الثورة المتلاشية. جثّة الثورة التي تتحلّل وتتفسخ بسرعة، وأوّل ضحاياها كانت مدينة تدمر التي دُمِّرت عن بكرة أبيها، وسط صمت المعارضة المدويّ، وذلك في “تحريرٍ” قالت عنه قناة “سي إن إن” الأميركية أنه “يوم مجيد للإنسانية”. .
فضح ذلك كله بيان تنسيقية تدمر المحلية الذي تمّ محوه بعد ساعاتٍ من على صفحة التنسيقية، وقال “استغل الأسد الهدنة بشكل ناجح جدًا، وسحب جلّ مقاتليه من جبهاته مع قوات المعارضة السورية وجبهة النصرة التي التزمت بالهدنة، وزجّ بها بزخم في معارك تدمر ضد تنظيم الدولة، وهو مطمئنّ الجانب من التزام قوات المعارضة بالهدنة. يأتي ذلك في الوقت الذي أججت فيه قوات المعارضة والمناهضة الخلاف بينهما، فشنوا الهجمات على مدن بعض، وأردوا القتلى فيما بينهم… خسرنا في فترة الهدنة السابقة، وربح الأسد.. ليست المسألة بأحجار تدمر، بل المسألة بمئات الأرواح التي أزهقت في تدمر تحت القصف، وعلى طرقات النزوح، في خفاء إعلامي يسجّل كوصمة عار لهذه الثورة اليتيمة”.
ولنذكر بالمناسبة، هنا، أنّ بعض شيوخ طرق الثورة السورية ومريديهم، وفي حمأة ترويجهم الذي لا ينتهي المقولة الخرافية المناقضة لكل واقع ومنطق سياسي، وتقول إن “الأسد وداعش متفقان أو متحالفان”، وهي مقولةٌ ساهمت بإنتاج القبول الواسع للركيزة الأيديولوجية “للصحوات السورية”، بل قل غسل الدماغ لجزء كبير من الجماهير السورية المعارضة للأسد. هؤلاء الشيوخ وتلاميذهم بكوا ولطموا كثيراً، حين سيطر تنظيم داعش على مدينة تدمر، لانّ الأخير بعدها قام بتفجير السجن المرعب الذي كان كثيرون منهم نزلاءه. ذلك أنّهم فقدوا “ذكرياتهم” فيه إلى غير رجعة. فبحسب بعض الكتّاب المفرطي الحساسيّة، كانت جريمة داعش التي لا تغتفر حينها أنّها منعت “تحويله إلى متحف”. حقا. يا للشاعريّة. لكن، لا بأس، ما عليهم الآن إلا أن يتأملوا خيرًا، فالنظام في المستعمرة الإيرانية المفدرلة الآتية التي ستسمى أيضاً سورية، والذين يساهمون في الإتيان به هذه الأيام، إذا ما بقي قائما مدة كافية سيبني سجن تدمر من جديد. وهو لن يكون متحفًا. حتماً.