ألمانيا : أمل في حياة أفضل للجيل القادم من بين اللاجئين

على الطاولة قطع من الكيك أرسلها صديق من سوريا. وجهاز التلفاز يعرض قناة سورية ، وعلى الأريكة تجلس زكيه بشارة، سيدة في العقد السابع من العمر تركت وطنها خلفها مع زوجها وابنها ولحقت بابنتها في ألمانيا. كان ذلك قبل عامين واليوم فهي تعيش مع أسرتها في مدينة كيل شمال ألمانيا.

الإبنة أروى بشارة البالغة من العمر 35 عاما لم تكن قادرة على البقاء في سوريا طويلا، فقد كان عليها التوجه يوميا من منزلها في دمشق إلى مقر عملها عبر قرية سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”. في أحد الأيام أطلق الإرهابيون النار عليها ، “المرأة لا يمسح لها بقيادة السيارة، ضمن مفهومهم”، كما تقول أروى، التي أدارت وجهة سيارتها وعادت لبيتها ولم تتجه لعملها بعد ذلك. كان الخوف ينتابها دائما من أن يقتحم تنظيم “الدولة الإسلامية” قريتها.

أروى هربت إلى لبنان وبقيت هناك لمدة عام كامل وتقول: “كان لدي عمل جيد هناك، كنت أعمل في شركة تأمين، لكن والدي وشقيقي المعاق لم يكن بإمكانهما العيش في بيروت”. ولهذا قدمت أوراق طلب اللجوء لدى منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، ضمن برنامج حصص اللاجئين. وبعد عام من قرار الحكومة الألمانية باستقبال خمسة آلاف لاجئ سوري من لبنان، حصلت أروى على تذكرة سفر نحو ألمانيا.

كان عليها أن تسكن في كيل، ثم أن تتعلم اللغة من دون مدرس، فقد كان عليها التركيز أولا على جلب أهلها إلى ألمانيا. وهو ما لاحظته غوناي توران مساعدة اللاجئين في “منظمة رعاية العمال”، التي تقول”البال يبقى دائما مع الأسرة”. وتضيف “المفروض أن يرتاح الناس هنا أولا، لكن أغلبهم يتجهون لتعلم اللغة رغم ذلك”.

“لم أنضم لدروس تعلم اللغة الألمانية أبدا، فقد كان علي أن أعمل كثيرا”، تقول أروى بشارة التي تتحدث بألمانية مفهومة. أروى تعلمت اللغة بنفسها، ومن خلال مشاهدة التلفزيون الألماني والحديث مع الألمان، حتى أنها تمكنت من تجاوز اختبار المستوى اللغوي B1. لكن والدتها لم تتعلم سوى بضع كلمات تمكنها من التعامل مع الناس في السوق. رغم هذا تقول السيدة السبعينية “أريد تعلم اللغة من خلال الانضمام إلى دروس اللغة”.

لم يكن الأمر بالنسبة للسيدة سهلا في ألمانيا، فقد فقدت شريك حياتها بعد ستة أشهر من اللجوء إلى ألمانيا، توفي وهو في الطريق من الكنيسة، بعد أن أغمي عليه في محطة الباص. لكن زكية بشارة تلتقي بجارتيها القريبتين، سيدة من العراق وأخرى ألمانية. “حين تأتي الجارة الألمانية، فتجلسان معا، وتتناولان القهوة أوتشاهدان التلفاز”، رغم عدم التواصل اللغوي بينهما، كما تلاحظ الابنة أروى.

مساعدة اللاجئين غوناي توران تذهب للقول بأن جزءا من الجيل الثاني أو الثالث أو حتى الرابع قد يتمكن حقا من تحقيق قفزة حقيقية في سوق العمل. وتضيف” لا يجب أن يفقد المرء الوقت في مثل هذه الحالة”.

أروى تمكنت من شق طريقها في سوق العمل في منتصف الثلاثينات من العمر. وهي أمرأة فخورة بنفسها، تشع عينيها حين تتحدث عن سوريا وعن شركة الاستشارات التي أسستها بعد إنهائها لدراسة القانون. وهي ترغب للعمل في مجالها بشدة، بيد أنها تعلم جيدا أن ذلك أمر صعب. “بشاهدة القانون لا يمكن البدء بالعمل هنا. فقط في مجالات العلوم التقنية يكون الحظ أوفر، مثل الهندسة أو العمل الحرفي”. كما تؤكد المساعدة الاجتماعية غوناي توران إلى وجود معوقات أخرى تظهر أيضا بعد إنهاء دروس اللغة، مثل الاعتراف بالشهادات الجامعية.

أروى بشارة ستدخل قريبا دورة تدريبية ، كي تتمكن من تحسين لغتها الألمانية. وتقدم غوناي توران خدماتها كمترجمة داخل “منظمة رعاية العمال”. إذ تقول إن بعض اللاجئين ممن طلبوا المساعدة منا ، أصبحوا يعلمون لدينا بعد وقت قصير. مثل هذا العمل يفتح لأروى بابا جديدا في حياتها، كما وضعت نصب عينيها فترة عامين لدراسة القانون الدولي في ألمانيا.

تنظر أروى للمستقبل برؤية منفتحة. ورغم الدمار الذي لحق ببلدها، فإنها تلاحظ وهي تنظر إلى صور يعرضها التلفاز حول مدينة حلب وتقول: “كم كانت سوريا جميلة قبل الحرب؟”.

الوالدة وابنتها راضيتان عن أوضاعهما في ألمانيا، غير أن الأم تود العودة بعد نهاية الحرب وابنتها تود البقاء في البلد، وتريد العمل هنا والقيام بأعمال المساعدة، كما ساعدتها ألمانيا. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها