المعارضة السورية ضيعت الأمانة

«أخشى أن ملايين السوريين الذين نجوا من دوامة الموت في الداخل ستنتهي بهم رحلة العمر في دول الشتات من دون أن يغمضوا أعينهم للمرة الأخيرة على مشهد الصباح في سورية». كان هذا منشوراً وضعته على صفحتي العامة على موقع التواصل الاجتماعي، «فايسبوك» الذي اندلعت على صفحاته الالكترونية أولى ثورات الربيع العربي في تونس، لتمتد نيرانها الافتراضية في هشيم الأنظمة المهترئة وتسقط رئيسين متواليين في مصر أحدهما ديكتاتور فاسد وثانيهما منتخَب إسلاموي.

كان «فايسبوك» القاسم المشترك الأعظم لتواصل النشطاء السوريين منذ الـــيوم الأول لبدء التظاهرات الصغيرة والمحدودة في دمشق ودرعا والتــــي تحـــولت خــلال أشهر قليلة إلى حركة عارمة واجــــهها النظـــام السوري بالنار والحديد منذ البدايات، وكنتُ وما زلت أرى في هذا المنبر الوسيلة الأجدى للتواصل بهدف دعم الثورة وثوارها أينـــما وجدوا، حتى تحوّل إلى خبزي الثوري اليومي وأنـــا على مسافة قارتين وبحر ومحيط من الأرض الأم. وللمرة الأولى، إثر آلاف من المنشورات التي وضعتُها عن الثورة السورية وشجونها، يتلقى المنشور الذي افتتحت به هذا المقال ذاك الكم من الاتهام للمعارضة الســورية، بــشقّيها العسكري والسياسي، وتحميلها المــسؤولية الأكبــر عمــا آلــت إلــيه حــال الثورة وثوارها في آن.

فهل المعارضة هي أحد الأطراف المسؤولة عن اضطرام أوار العنف والدمار والموت الذي يرزح السوريون تحت غلوائه منذ نيف وخمس سنوات؟ وهل كانت تلك المعارضة الطارئة عاملاً مؤثراً في أصحاب القـــرار الدولي، أو محاوراً استراتيجياً مقنعاً باسم الثورة، أم أنها مجرد بيادق على رقعة شطرنج المصالح الإقليــمية والدولية يحرّكها الداعم أو الممول أو من يسمي نفــسه «صديقاً» أيّما شاءت مراميه في هذا البلد الجريح؟

للإجابة بموضوعية ونزاهة سياسية عن هذه الأسئلة، لا بد من العودة إلى أول تشكيل معارض التأم في العام الأول من الثورة. ففي خريف العام 2011 بدأت وجوه من المثقفين والمغتربين والمبعدين السوريين المنتشرين في العالم، إلى جانب مجموعة سورية وحيدة منظمة سياسياً هي جماعة «الإخوان المسلمين»، بدأت بجمع عقد «المعارضين» في هيئة ما أطلق عليه المجلس الوطني السوري الذي كنت أحد مؤسسيه بالشراكة مع الشهيد السوري الكردي مشعل التمّو. تأسس المجلس ولكن على أرضية من فراغ، وكان مجرد بالون صوتي كبير لا قواعد مؤسسية له ولا نظم سياسية يستند إليها، بل مفاضلة بين أطرافه على قاعدة من محاصصات مقيتة انبرت لأحزاب شبه وهمية تجمعت في عجالة لتجد لها كرسياً- ولو بثلاث أرجل- في المجلس العتيد.

وغاب تقديم الخبـــرة والأقــدمية السياسية على حــساب تقدّم العلاقات والمصالح البينية. وســــادت مـــنذ البدايات سلبية مَــرَضـــية بين أعـــضائه، وانـــعدمت الثــقة بـــينهم في ظل غياب الشفـــافية المـــالية والإدارية، وحـــظر كامل لأي نوع من المساءلة والمحاسبة واستــــبعاد قـــصدي لكل من طالب بهما بواسطة «الترشيــق»، وهـــي بدعة أتى بها المكتب القانوني لاستبعاد كل من علا صوته بإصلاح النخور في المجلس قبيل تهــاويه وانضوائه على عجل في عـــباءة هيئة جديدة موسعة رأت النور في الدوحة، وحملت اسم الائتلاف الوطني لــقوى الثــورة والمعارضة في نهايات العام 2012، حـامــلاً معــه فيــروساته الـسياسية ناضجة إلى الجسم الجديد.

اتضحت لي سوداوية المشهد السوري المعارض منذ الاجتماع الأول الموسع للمجلس في تونس، وأعلنت استقالتي في اجتماعه الثاني! ومنذ العام 2011، حتى تأسيس أحدث مجموعة للمعارضة تضم للمرة الأولى ممثلين عن الفصائل المقاتلة وهي الهيئة العليا للمفاوضات في نهاية 2015 بالعاصمة الرياض، والأمراض التي اعترت المعارضة على حالها؛ بل تضخّمت وانتفخت بحيث استحال التحايل والتدافع للوصول إلى المناصب والتمتع بنفوذها ومكرّماتها إلى صراع شرس وكيدي في أروقتها السياسية، وإلى مواجهات دموية بين فصائلها المسلحة على الجبهات العسكرية تكاد تودي بِنَا جميعاً إلى حافات الهاوية.

من نافلة القول ما للمال السياسي من دور في إفساد أصحاب النفوس الضعيفة من المستجدّين على المعارضة دون سابق تاريخ سياسي أو سجل نضالي وطني، ولا مؤهل معرفي أو علمي يكافئ موقعاً تشبثوا به أو منبراً اعتلوه في غفلة؛ ضعاف نفوس ظهروا في صفوفها عرضاً، وانتشروا كالفطور السامة بين منظماتها، وتعمّدوا دفع الأصلاء في عملية التغيير السياسي الشامل في سورية إلى الصفوف الخلفية، بل والتعتيم عليهم، ليتصّدروا وحدهم المشهد، ليس بهدف دعم العملية السياسية والتمثيل الديبلوماسي والإعلامي للثورة في العالم، بل بهدف حصاد الامتيازات على امتداد الفصول ومواسم وصنوف الغلال كافّة.

وأمست هيئات المعارضة في عهدهم- على اختلاف مسمّياتها- مغارة لنشل قرار الثورة ومالها، ووسيلة لنسج العلاقات على أرفع المستويات الحكومية الدولية وبين الشخصيات العالمية النــافذة والمؤثرة التي لم يكن لها من خيار إلا لقاء من تقدّمه المعارضة ممثلاً لثورة يتيمة على موائد لئام.

فصل المقال يكمن في حجم البذخ السياسي والديبلوماسي اللذين حظيت بهما المعارضة السورية، وهما فرصتان ذهبيتان لم تحظَ بهما معارضة سياسية سابقاً. ولكن، للأسف الشديد، فشلت في إدارة رأس المال السياسي الذي منحتها إياه 143 دولة صديقة في العالم.

و «إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة»، صدق رسول الله.

مرح البقاعي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫9 تعليقات

  1. “فصل المقال يكمن في حجم البذخ السياسي والديبلوماسي اللذين حظيت بهما المعارضة السورية، وهما فرصتان ذهبيتان لم تحظَ بهما معارضة سياسية سابقاً”

  2. للأسف سيبقى الأسد للأبد بفضل هذه المعارضات … يا ريت عقارب الساعة تعود خمس سنوات للوراء

  3. مقال صريح للسيدة مرح البقاعي ، وهي التي تعرف ببواطن الأمور في كتل المعارضات السورية ، والحق يقال بأن الكثير الكثير من شخصيات وأزلام المعارضة السوريون طبعاً وحتى لو كان للبعض منهم غالب سنين أعمارهم انقضت في المغتربات ، هم قافزون على الثورة وصيادي فرص ، مؤلم أن يقابل من يدفع الدم…. متسلق طالب مال وسلطة ، وهذا ماحصل ويحصل ، منهم خرج من سوريا معارضاً عتيداً اعطته الثورة سلاحاً .. فرصة التعبير والظهور وتبوء المناصب ، فا أغتنم الفرص وقبض الدولار وانتخم فاابتلع لسانه وانزوى ولم يعد يظهر لايعمل ولا يتكلم . لم تعد الثورة يتيمة فقط بل ومغتصبة صارت الثورة يتيمة ومغتصبة ومنتهكة وبأياد من أهلها ومقربيها .
    رحمك الله يا ابا الفرات ويا غياث مطر وطارق الاسود ويا يوسف عظمة الثورة أحمد الخلف الذي قال إن رأيتم دبابات الاسد في الرستن فاأعلموا اني استشهدت ، رحمكم الله جميعاً ياشهداء الثورة الابرار وجعلكم في عليين ، وأذل الله كل متسلق ومحتال وغدار باع شرفه وهدر دماء شعبه .

  4. سموم مستمرة من جريدة الحياة
    وللاسف
    تختم مقالتها باية كريمة من القران لاعطائها مصداقية!
    الثورة السورية تسير نحو النصر
    باذن الله

  5. لا زال هناك فرصة ذهبية للعودة إلى سوريا الماضي ولبناء سوريا المستقبل بأفضل مما كانت. فقط إن فهم المعارضون أن العالم كله يدعم بشار الأسد وحكومته وأنهم لن يفرطوا في مؤسسات الدولة السورية وهم يساندونها وكل افلام اردوغان والجبير أصبحت مكشوفة وسخيفه ولا يوجد لها ما يؤيدها على ارض الواقع. ولسحب البساط من هذا النظام يجب الدخول معه في مفاوضات مباشرة وتقاسم السلطة وأن يكون الحكم في النهاية هو الشعب السوري. وحتى وإن خسرت المعارضه الجولة الأولى من الانتخابات ولكن مجرد وجود معارضه وطنيه في الداخل السوريه كمرحلة أولى سيؤدي فيما بعد إلى كسبها الرهان والوصول للسلطة ولكن على أسس وطنيه وليست على حسب ما يريده الداعمون لها. ولن يكون البقاء في المعارضه إلا للمعارضه الوطنية الصادقة التي لها مصداقية وطنيه ولها دعم شعبي وحضور جماهيري ومن كان من معارضة الفنادق فإنه سيعود إلى فنادقه ولكن هذه المره ستكون رحلة بدون عودة. والمطلوب الأن الدخول في مفاوضات مباشرة والتفاهم على تشارك السلطة ما بين الحكومة والمعارضه ثم الرجوع للشعب حين لكي يقرووا من سيحكم البلد. ولكن بضمانات دولية وحماية دولية لأن النظام لا يؤمن جانبه. ثم بعد ذلك تتوحد المعارضة مع الحكومة ضد الإرهابين الدواعش وغيرهم ممن تسلقوا وسرقوا الثورة السوريه وشردوا أهل سوريا واستوطنوا في الأراضي السورية وبنفس الوقت تخرج كل المليشيات الطائفية الشيعية من سوريا وحماية الأماكن المقدسة للشيعه هي من اختصاص الدولة السورية وليست من اختصاص المليشيات الشيعية. ومن بعد ذلك يتم تتكون حكومة توافق وطني مشكلة من المعارضه والحكومة والتكنوقراط وأن يقود الحكومة هذه شخص من التكنوقراط. وبعدها يتم كتابة الدستور أو تعديل الدستور بما فيه مصلحة الشعب السوري. وبنفس الوقت تتوحد الجهود لطرد جميع الإرهابين من سوريا باختلاف طوائفهم ومذاهبهم ودياناتهم. وفي النهاية يجب أن تبقى سوريا للسورين والغريب يطلع لبرا.

  6. لو كانت المعارضة العسكرية الفاعلة على الأرض موحدة لكانت هي من أنتجت جسمها السياسي الخاص بها الذي يعبر عنها في المحافل الدولية ولكان المجلس الوطني ومن بعده الإئتلاف أصبحوا بمثابة منتديات للمعارضة ليس إلا ولكن هذا التشرذم والضعف السياسي الذي نشهده ماهو إلا مرآة تعكس الصورة الأقبح للتشرذم الحقيقي العسكري على الأرض ومن الإجحاف تحميل سياسيين ليس لديهم سلطة على بندقية كلاشينكوف واحدة وزر هذا التشرذم ولكن من الصحيح أيضاً بأن هؤلاء السياسيين لم يستطيعوا فرض أنفسهم على المعارضة العسكرية بعملهم السياسي الراقي والخلاق لأن جذور الاستبداد والفساد بداخلهم كانت أقوى من الديمقراطية الطارئة التي عاشوا بكنغها في دول الشتات والنتيجة هي أن الثورة السورية ولأول مرة في تاريخ الثورات أصبحت ثورة بألف رأس ورأس وألف فصيل وفصيل وألف قائد وألف سياسي والأنكى والأمر من كل ذلك بأن كل هؤلاء باتوا الآن بحاجة لرضى وموافقة وغطاء ألف شرعي وشرعي من منظري الثورة ممن يفترض بهم قيادة سوريا بعد سقوط النظام رغم أن معظمهم لايملك الكفاءة والخبرة ولذلك لم نعد نسأل عنهم إن أكملوا مرحلة التعليم الإعدادي أو لم يكملوها ولكن المشكلة هي بضحالة معرفتهم بديننا الحنيف الذي يفتون به عن جهالة أو عن سوء نية والأرجح الاثنان معاً وما أحداث الغوطة الأخيرة وما قبلها إلا دليلاً على نوعية ونوايا هؤلاء الشرعيين.

  7. من الاخير: النظام فردة شحاطتي اليمين و المعارضة بشقيها السياسي و العسكري فردة شحاطتي اليسار

  8. الله يخليلنا الفصائل الاسلامية الي كل واحد شغالة حسب الدعم المالي و آخر همهم سورية و فوق هيك كل شي كان يحلم فيه النظام اجاه على البارد المستريح الله يلعنهم و يلعن النظام في آن واحد