المقاومة ومحاولات ” ستر عورتها ” التي كشفها بوتين

الاستعانة بعلم نفس الجماعات تساعد أكثر على فهم ظاهرة المبالغة في تمجيد عملية تل أبيب والذهاب في إدانة ظهور الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف على شاشة تلفزيون إسرائيلي، إلى حد إباحة الدم. فالمبالغة هنا ليست سياسية، وهي ليست أخلاقية أو قيمية، إنما هي استجابة تعويضية نفسية لحالة هبوط هورموني ناجمة عن تخبط خطاب الممانعة بحقيقة أنه اليوم في سورية عاجز عن تورية موقعه إلى جانب الحليف الروسي الذاهب في علاقته مع تل أبيب إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه من ود.

المبالغة في اعتبار عملية تل أبيب «إنجازاً هائلاً» وفعلة معلوف «خيانة هائلة» ضرورية للتوازن النفسي، والاعتقاد بأن المبالغة جزء من سجال ومن مراوغة لتأكيد «ثوابت»، أمران خاطئان. ذاك أن المشهد جلي ولا يمكن دحضه بتخوين معلوف ومن وقف إلى جانبه. الوثبة الممانعاتية في وجه معلوف هي فعل لا واعٍ وشيزوفريني ساع إلى ترميم صدع نفسي عميق.

فالمشهد هو على النحو التالي: فلاديمير بوتين، الحليف الأكبر في سورية، وصانع إنجازات الممانعة في السنة الأخيرة في سورية، يهدي نتانياهو دبابة كان غنمها جيش النظام السوري من الجيش الإسرائيلي. فعلة مكثفة الدلالات لا يمكن لخرافة الممانعة أن تلتف حولها. وفي ما يتعدى الدلالات الرمزية، يستقبل «الرفيق بوتين» شيطان الكيان الغاصب بنيامين نتانياهو في الكرملين، وعلى مائدة اللقاء، كما قال ناطق رسمي روسي، كانت سورية الوجبة الرئيسة، وتناولت المحادثات «ضمان موسكو المصالح الإسرائيلية فيها»!

لو كنت ممانعاً، مؤمناً أو مراوغاً، لأفقدني المشهد توازني. فنحن نتحدث عن عقود من الخطاب العقيم ولكن المُلبي لخرافة الصراع. ولهذا الوضوح في المواقع والأدوار وقع الانهيار. علينا إذاً أن نهم بالهرب إلى الأمام. وقائع صغيرة وعادية قد تداوي شيئاً من الصدع الكبير. أمين معلوف دجاجة سهلة لا بأس بأبلسته على مذبح خيانتنا، ويمكن أن نصنع من عملية تل أبيب جسراً للانتقام من أنفسنا، نحن المذعنين لبوتين والمقاتلين في ألويته.

نعم، سهام «الممانعة الثقافية» لم تكن موجهة إلى معلوف، ولم تهدف إلى التعمية عن الموقع المبتذل والرث في سورية. السهام كانت أشبه بمخاطبة الممانعة نفسَها، وهي اعتراف أول بأنها خائنة. وهي خائنة ليس لأننا نعتبرها خائنة، بل لأن ستاراً واهياً انكشف وما عاد من الممكن إلا القول «إننا في سورية في الموقع الذي أراده لنا نتانياهو». وإذا كان منفذا عملية تل أبيب قتلا خمسة مدنيين، فها نحن نداوي جروح أهالي الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين قتلوا في الدبابة، وهم مَنْ قال نتانياهو لبوتين إن أهلهم لا يملكون ذكرى منهم، وأن هذه الدبابة ستمثل لهم بعضاً من الذكرى.

لا، ليس ناجعاً التشفّي بتهافت خطاب «المقاومة». يجب إخضاع هذه التراجيديا إلى محاولات تفسير تساعدنا على هضم الانهيار. فما جرى في سورية ليس مجرد انزلاق يمكن العودة عنه. التخلي عن الحليف الروسي يعني هزيمة أكيدة، والبقاء تحت إمرته انكشاف هائل لكذبة عمرها من عمر الصراع. هنا تماماً تقيم الشيزوفرينيا، أي في البقاء تحت إمرة الروس وفي الوقت ذاته تخوين كاتب لظهوره على تلفزيون إسرائيلي. هي شيزوفرينيا وليست مراوغة، على ما يحلو لكثيرين أن يصفوها.

ولهذه الشيزوفرينيا صور صلبة، فصحيفة لبنانية أفردت خبرها الأول لانتصارات جيش النظام السوري في ريف دمشق وأشارت إلى الغطاء الجوي الروسي الذي ما كانت «الانتصارات» ممكنة من دونه، وتحت هذا الخبر تماماً وفي الصفحة ذاتها خبر آخر صيغ بلغة سلبية ومرتابة عن «لقاء المودة بين بوتين ونتانياهو» في الكرملين. وإذا اعتقدنا أن المحرر أراد مراوغة قارئه، فإن الوضوح الذي أظهره تجاور الخبرين يكشف حال فصام مقلقة.

وبالعودة من علم نفس الجماعات لتفسير حال «المقاومة» مع سادتها الجدد، إلى خبراتنا في مجال قابلية المقاومات للاستتباع، كما جرى في كل الحقب الأخيرة، فإن القول الذي تحاول صحافة «المقاومة» الإيحاء به لجهة الابتعاد عن موسكو قول كاذب: أولاً لأن الابتعاد عنها يعني الهزيمة في سورية، ثانياً لأن اقتراباً بين موسكو وطهران يجري على مستويات أخرى، وتقاسم المصالح يتعدى شروط مراعاة خطاب الممانعة الرث.

لكن «المقاومة» في سورية تحتاج إلى تصريف ضائقتها، وإن بدا التصريف ركيكاً وغير مقنعٍ. فلا بأس من تأسيس خطاب سلبي حيال موسكو والقتال تحت أمرة جيشها في سورية. «المقاومة» بهذه الحالة تكون ذهبت إلى مشابهة نفسها. فهي تقاتل من أجل بشار الأسد في سورية ومن أجل «الديموقراطية» فيها أيضاً، ولطالما حمل هذا الخطاب ثنائيات ليس للعقل مكان فيها، لكن أحداً لم يحاسبها.

أما الاعتقاد بأن ابتعاداً بدأ يظهر بين موسكو وطهران في سورية، فهذا رأي لا يملك وقائع صلبة لتأكيده، ولو ثبت ما ذهب إليه بعض الصحف العالمية لجهة احتمال أن يكون الروس هم مَنْ قَتَلَ المسؤول الأمني لـ «حزب الله» مصطفى بدر الدين. فلطالما شهدت الحروب تصفية حسابات بين حلفاء، من دون أن يعني ذلك إنهاءً لعلاقاتهم. المصالح هنا أكبر من قيمة الأشخاص، ورسائل الموت المتبادلة بين الحلفاء تعني ضغينة لكنها لا تفضي إلى انفضاض العلاقات، وأن يقتل الروس قائداً ميدانياً إيرانياً أو لبنانياً، فهذه رسالة في سياق العلاقة وليست خارجها.

يبقى أن الضحية الجلية في العلاقة بين الروس ومحور «المقاومة» في سورية هي الخطاب، والأخير لم يكن يوماً سوى ورقة توت تخفي تحتها قدراً هائلاً من «الخيانات».

ما فعله بوتين هو إسقاط ورقة التوت، وإذا أراد المرء أن يذهب مع الإمام الشافعي عندما قال: «لسانك لا تذكر به عورة امرئ/ فكلك عورات وللناس ألسن»، فإن ما يلوح هو أن الجبهات التي فُتحت في وجه معلوف محاولات لستر العورة الكبرى التي كشفها فلاديمير بوتين.

حازم الامين – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. روسيا و اسرائيل و المجوس الروافض لديهم عدو واحد رئيسي و هم المسلمين ( أهل السنة و الجماعة ) ،من لا يفهم تلك المعادلة حتى الآن مشكوك في قواه العقلية

  2. البيئة الحاضنة لحزب الشيطان في لبنان ما بيفرق معها الكذب على نفسها فهي تكذب و تعرف أنها تكذب : المهم تحقيق مصلحتها في النهاية
    أما الأمور الأخلاقية و المبادئ فلا محل لها من الإعراب عند شبيحة لبنان
    من ادعى احتكار محبة أهل البيت و ادعى كذبا كره الآخرين لهم
    و من ادعى أنه يقاوم اسرائيل بينما في الحقيقة كان آخر من قاوم اسرائيل ( و جنى ثمار ما فعله غيره ) بل كن كثير من ادعياء المقاومة اليوم متعاونين مع الاحتلال الاسرائيلي في لبنان
    فلن يجد صعوبة في اختراع كذبة جديدة لخداع الآخرين بها

  3. من أكبر حسنات ثورة سوريا المباركة أنها فضحت و كشفت الكثير من الأشخاص و الجماعات و الدول ، فخلال عمرها القصير نسبياً مسحت كماً هائلاً من التضليل أو الخداع الذي مورس على الأمة لعشرات السنين أو كما يقول الجيل الشاب (عملت له ديليت أو فورمات). التشخيص الصحيح للأمراض أساسي في معالجتها ، و الحاصل أن بلاد الشام أضاءت للأمة الطريق و بالتالي قررربت موعد النصر بعون الله.

  4. الكاتب ليس لديه ادنى فكرة كيف تسير العلاقات الدولية قديماً وحديثاً ، سوريا منذ السوفييت كانت مركز قوتهم في الشرق الاوسط حتى انهم تخلوا عن التقارب مع الاردن فقط بكلمة حافظ لبريجينيف عشية زيارة الملك حسين ( سوريا والاردن لا يمكن ان يكونا صديقين) ، ولكن تصل لمرحلة ان الدولة العظمى لا يمكن ان تؤثر عليها ولا بأي شكل ممكن ان تطلب مساعدتها ولكن هي من تفرض قواعد اللعبة ، بشار يعرف حدوده جيداً ويراهن على ظهور جيل جديد في مناطق الثوار قرف الحرب او شخص ممسك للوضع لديه القليل من الواقعية للتحاور معه ، والى ان يأتي هذا الشخص وهذه القوى سوف يبقى الوضع على ما هو عليه بالعكس المزيد من البراميل لايصال البيئة الحاضنة للثوار الى القرف واليأس