هل تدرك أنقرة فداحة الثمن ؟

من المرجح أن حكومة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان تدرك في قرارة نفسها فداحة الثمن السياسي الذي تدفعه جرّاء عدم الجرأة على الإقدام على انزياحات في سياستها الخارجية والداخلية حيال الملف الكردي. وتبدو هذه المسألة من العناصر الأساسية التي باتت تلعب دوراً مؤثراً في إعادة تعريف بعض مكونات العلاقة الأميركية-التركية، والأطلسية-التركية. فالإنجاز العسكري الاستراتيجي الذي تحققه «قوات سورية الديموقراطية» في منبج، وفي قطع خطوط الإمداد على «داعش» بين تركيا والرقة لا يثير في تركيا، حتى اللحظة، حسّ الحنكة والبراغماتية المطلوبة للاستجابة إلى هذا المعطى عبر الإقدام على «تنازلات مؤلمة»، صار لزاماً على أنقرة تمهيد الأجواء لاتخاذها مواقف أخرى بدلاً من المكابرة وتكرار المواقف المُعلّبة ذاتها حيال الأكراد ووضعهم جميعاً في سَلّة المعاداة لتركيا، كما تروّج حكومة أردوغان.

وإذا صحّ الطابع الاستراتيجي في استثمار واشنطن والأطلسي في العلاقة مع الأكراد في سورية، فإن أنقرة ستعاني «فارقاً في التوقيت» لدى الاستجابة للمتغيرات الجارية على الأرض، وربما تكتفي بـ «إبرة التخدير» التي تمثلتْ في تصريحين: الأول صدر عن أردوغان حين قال إنّ من يقود المعركة في منبج قواتٌ عربية وليست كردية، والثاني قول وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن بلاده تلقتْ ضمانات أميركية بعدم بقاء الأكراد غرب الفرات عقب تطهير منبج من «داعش». ولنتذكر أن تركيا كانت تقول إن مناطق غرب الفرات خطّ أحمر على الأكراد، ثم يجري الآن، بعد انتهاك الخطوط الحمر، الحديث عن ضمانات أميركية، وعدم ممانعة تركية عن مهاجمة «قوات سورية الديموقراطية» مدينة منبج شرط مغادرتها لاحقاً. والخشية أن تكون الضمانات مجرد تطمينات ليس إلاّ؛ ذلك أنّ المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية بي جي كراولي أكد في تصريحات تلفزيونية، متزامنة مع تصريحات أوغلو، أنّ الأكراد يسيطرون على الأراضي في المنطقة، وأنه سيكون لهم تأثير قوي في مستقبل سورية.

ومعاناة أنقرة الفارق في توقيت الاستجابة السياسية المطلوبة حيال الملف الكردي تظهر، ليس فقط في المستوى الأميركي، بل أيضاً على المستوى الأطلسي حيث توسعت دائرة الأطراف المتدخلة في الشمال السوري والداعمة للأكراد، تحت مظلة وجود مستشارين عسكريين وقوات خاصة محدودة، لتضم إليها باريس بعد واشنطن ولندن.

وقد لفتت تقارير صحفية النظر بأنّ باريس، التي عانت تفجيرات «داعش» في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إنما تبعث برسالة مُبطّنة لحكومة أردوغان بأن دعم الأكراد يعني أن باريس لن تنتظر من أنقرة حتى تغلق الحدود مع «داعش» على الجانب السوري، بل ستتحرك، عبر دعم الأكراد، لتحقيق هذا الهدف؛ حتى لو قاد ذلك إلى توتير العلاقات مع تركيا. والأغلب أن استجابة باريس ولندن لرغبة واشنطن، التي دعت حلفاءها في الغرب لمساندتها في حصار «داعش»، إنما يعبّر عن توجّه أطلسيّ، ويثير، في الآن ذاته، التساؤل عن مدى الحضور التركي أو غيابه عن هكذا توجّه.

وإذا صحّ ما سبق وصحّتْ الأنباء عن دخول السويد أيضاً على خط الدعم للأكراد، فإن هذا قد يعطي مقاربة «فارق التوقيت» مزيداً من الجدية والمنطق، والتساؤل، تالياً، عن مدى استعداد أنقرة للاستماع إلى دبيب الانزياحات في العلاقات الغربية – الكردية، ومن ثمّ إجراء جراحات مطلوبة في رؤيتها الداخلية والخارجية إزاء الملف الكردي واستشراف تحولات الأدوار والمصالح والنفوذ والقوى في مرحلة ما بعد الإجهاز على «داعش».

محمد برهومة – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. غباء اردوغان وجبنهوا من اكبر اسباب وصول سوريا لما هي عليه الان

  2. اردوغان وقادة حزبه المهلهل هم من اوصلوا تركيا الى ما وصلت اليه, لم يمتلكوا الحزم و لا الجرأة و لا القوة اللازمة لحماية المصالح القومية بقوة السلاح, نعم حققوا قفزة اقتصادية و تنموية لا يمكن تجاهلها ولكن لا بد من الحزم عندما تتعرض المكتسبات و الامن القومي للتهديدات, لم يمتلكوا استراتيجية ناجحة لادارة الازمة فوضعوا كل بيضهم في سلة الناتو و أميركا التي تلعب على المكشوف على بعد كيلومترات فقط من الحدود,التخطيط الناجح هو أن تخرج من اي أزمة بمكاسب مهمة او على الاقل بأقل الخسائر الممكنة.

  3. جميع تصريحات السورين تنم عن جهل سياسي وتغيب العقل والحكم بالعاطفة
    تركيا قوية صحيح لكن لحد ما .. لها مصالح متشابكة ومعقدة مع جميع دول العالم .. تركيا كدولة لها وزنها الجيوسياسي في المنطقة ولاعب لها تأثير كبير في غياب اللعبين الكبار فقط ..
    مشاكل تركيا الداخلية قد تتساوى مع التنمية الفتية ..
    بالنسبة للحل في سوريا انتم تنظرون للحل من وجهة نظركم فقط ..
    الحل في سوريا يكمن بيد الزمرة الحكمة في دمشق ولصوص الثورة فقط … ولا الأول راضي يترك الحكم ولا الثاني يسعى لاسقاط الأول …
    لا تركيا ولا السعودية أو الاردن .. المكويه بالنار السورية راضية تخسر ابناءه من اجل شعب كلو هرب لاروبا وتركيا وترك البلد يتحكم فيها افعان داعش أو مليشيات ايران
    نحن كسورين كشعب لا ناقة لنا ولا جمل في الحرب الدائرة على الارض السورية الآن
    لا نحن نريد حكم العسكر من آل الاسد ولا تحكيم الشريعة الداعشية ولا تمزيق التراب العرب كردستاني
    ولا نريد التكاثر في كمبات السويد أو تعليم الجنس للاطفال بمنهاج الالمان
    كنا نريد انتقال سلمي سياسي للبلد يرقى به في مصاف الدول المتقدمة دون نزع ثقافتنا الاصلية أو خلع جلدنا
    لم نكن نريد حرب تقتل البشر وتدمر الحجر أو تدويل قضيتنا
    علينا ان نعلم ماذا نحن نريد وماذا يريد العالم منا حتى نستطع أن نكون دولة
    لذا لا تتطالب من احد حل مشكلة سوريا ابدا