هيومن رايتس ووتش : على الاتحاد الأوروبي عدم إرجاع السوريين إلى تركيا

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن تأخير التسجيل والتنفيذ المحدود لسياسات الحماية المؤقتة في تركيا يحرمان كثيرا من السوريين من الحماية والوظائف والخدمات التي هم في أشد الحاجة إليها. مادامت تركيا تتحمل عبء أعداد كبيرة من اللاجئين، ولا تستطيع توفير الأمن والحماية اللازمتين لهم جميعا، على الاتحاد الأوروبي ألا يرجع اللاجئين إليها.

قالت ستيفاني دجي، الباحثة الزملية في قسم حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: “بما أن تركيا تأوي أكثر من مليوني لاجئ سوري، ليس مفاجئا أن الكثير منهم لا يحصلون على الدعم الذي يحتاجون إليه بشدة. الاتحاد الأوروبي مُلزم أخلاقيا وقانونيا بتحمل جزء من عبء اللاجئين، فعليه ألاّ يُرجعهم إلى تركيا دون النظر في طلبات لجوئهم”.

في مارس/آذار 2016 دخل اتفاق أوروبي – تركي حيز النفاذ. ينص الاتفاق على إمكانية ارجاع كثير من طالبي اللجوء السوريين من اليونان إلى تركيا دون أن يُقيّم الاتحاد الأوروبي طلباتهم في الحصول على حماية – بسبب تدهور الأوضاع في بلادهم – لأن تركيا تُعتبر “بلدا ثالثا آمنا” أو “بلد لجوء أول”. معنى “آمن” المستخدم في هذا التحليل يتجاوز الأمن من الحروب والاضطهاد ليشمل احترام حقوق اللاجئين بما يتماشى مع “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين”، ومنها الحق في العمل والرعاية الصحية والتعليم.

القوانين والسياسات التي تحكم حياة طالبي اللجوء السوريين في تركيا لا تمنحهم حقوق لجوء كاملة، والحماية التي توفرها هذه القوانين والسياسات لم تتحقق بعد بشكل كامل. ونتيجة لذلك، مازال كثير من السوريين في تركيا محرومين من التعليم والرعاية الصحية والعمل بشكل قانوني. إضافة إلى ذلك، تأخير التسجيل للحصول على حماية مؤقتة – والتي قد تصل 6 أشهر – تعني أن الكثير من اللاجئين لا يحصلون على خدمات أساسية، ويخشون أن يُجبروا على العيش في مخيم أو الترحيل.

وثقت هيومن رايتس ووتش سابقا عمليات إرجاع لسوريين على الحدود التركية ترقى إلى الإعادة القسرية – أي الإعادة إلى بلد تكون فيه حياتهم وحريتهم في خطر – ودعت الاتحاد الأوروبي مرارا إلى الإقرار بأن السياسات المعتمدة والأوضاع الفعلية في تركيا لا تسمح باعتباره بلدا “آمنا” لإرجاع الناس إليه بشكل قانوني. تبرز التحاليل والبحوث القانونية الجديدة بشكل مفصل أن نوعية الحماية التي يحصل عليها السوريون في تركيا لا ترقى إلى مستوى “بلد ثالث آمن” أو “بلد لجوء أول” يُمكن إعادة اللاجئين إليه.

في مارس/آذار وأبريل/نيسان، قابلت هيومن رايتس ووتش 67 لاجئا سوريا – بالغين وأطفال – يعيشون في تركيا. كشفت هذه المقابلات، وكذلك معلومات من منظمات غير حكومية أو من تقارير عامة، أن الكثير من اللاجئين يواجهون تأخيرا لشهور في التسجيل في نظام الحماية المؤقتة، ما يمنعهم من تسجيل أبنائهم في المدارس أو الحصول على رعاية صحية.

قال رجل سوري (21 سنة) إنه ذهب لمركزين للشرطة في 5 مناسبات حتى يتمكن من الحصول على موعد – لمقابلة ستتم بعد 3 أشهر – ليقدم فيها طلب التسجيل. كما قال آخرون إن المسؤولين يفرضون شروطا غير محددة بالقانون، مثل عقد إيجار للسكن.

قال محمود (اسم مستعار – 29 سنة)، صحفي سابق من حماه، لم يحصل على عمل في تركيا باستثناء بعض الأعمال والوظائف المؤقتة: “في الحقيقة، نحن لسنا في أمان هنا. هربنا من الموت، فجئنا إلى مكان لم نجد فيه حياة”. قال إنه يشعر أنه محظوظ لأن تركيا سمحت له بالبقاء، ولكنه لا يشعر أن وضع اللجوء المؤقت الذي حصل عليه ساعده على تحقيق استقرار حقيقي. أضاف: “أرغب أن أكون في مكان تُحترم فيه حقوقي، أطالب فيه بحقوقي وأطمئن بأني سأحصل عليها، ليس أكثر. نحن نبحث عن الحياة، وعن قوانين تحمينا”.

تقول الحكومة التركية إنها أنفقت 10 مليارات دولار على استقبال السوريين منذ 2011، وهي الآن تصرف حوالي 500 مليون دولار شهريا. كما أصدرت تركيا في السنتين الماضيتين قوانين تسمح للاجئين السوريين بالبقاء في البلاد بشكل قانوني، والحصول على تعليم ورعاية صحية، وتقديم طلبات للحصول على تصاريح عمل. وفقا للاتفاق الأوروبي التركي، وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات إلى تركيا لا تقل عن 3 مليار يورو لمساعدتها على استقبال اللاجئين، صرف منها إلى حد الآن 180 مليون يورو. ولكن هذه الإجراءات لم يكن لها تأثير كبير على اللاجئين السوريين حتى الآن.

سجلت تركيا أكثر من 2.7 مليون لاجئ سوري منذ 2011، ولكن الكثير منهم ربما غادروا البلاد. بحسب مسؤولين أتراك، يعيش حوالي 300 ألف من هؤلاء في 26 مخيما حكوميا قرب الحدود، بينما يعيش الـ 90 بالمئة الآخرون في البلدات والمدن.

رغم أن تركيا صدقت على “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين” لعام 1951 والبروتوكول التابع لها لعام 1967، إلا أنها طبقتها فقط مع اللاجئين الأوروبيين، واستثنت جميع الأشخاص الآخرين من الحماية. أنشأ قانون اعتمد في 2013 نظام “حماية دولية” خاص بطالبي اللجوء غير الأوروبيين، فصار قانون اللجوء التركي أكثر التزاما بمواد الاتفاقية. كما نص القانون على إحداث نظام حماية مؤقتة تم تبنيه في أكتوبر/تشرين الأول 2014. يُحدد هذا النظام الحقوق والمزايا التي يتمتع بها أغلب اللاجئين السوريين في تركيا، ولكن مجلس الوزراء يستطيع إلغاءه متى شاء. إن حصل ذلك، سيفقد المستفيدون منه حق البقاء في تركيا بشكل قانوني.

في يناير/كانون الثاني 2016، أصدرت تركيا قانونا جديدا يسمح للمستفيدين من نظام الحماية المؤقتة بتقديم طلبات للحصول على تصاريح عمل، ولكن ذلك مشروط بمعايير تتعلق بالإقامة، وبإيجاد صاحب عمل يوافق على كفالتهم. ونتيجة لهذه القيود، لم يكن اللاجئون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش مؤهلين لتقديم طلبات، أو لم تكن لديهم معلومات حول هذه السياسة، أو لم يجدوا صاحب عمل يكفلهم. من بين اللاجئين السوريين الذين تمت مقابلتهم، كان يوجد 24 بالغا مؤهلين للحصول على تصاريح عمل، و24 آخرين غير مؤهلين، ولكن لا أحد منهم قدم طلبا أو حتى سمع بهذه السياسة.

وثّقت هيومن رايتس ووتش كيف أن هذه الأنواع من الصعوبات تُعرّض عائلات اللاجئين السوريين في تركيا إلى خطر الفقر وعمل الأطفال، وتُعرّض العمال إلى خطر الاستغلال. قالت امرأة إنها كانت تحصل على نصف الأجر الذي تحصل عليه زميلاتها التركيات، وكان أصحاب العمل أحيانا لا يدفعون لها إلا نصف ذلك المبلغ الزهيد. كما تحدثت عن أمثلة من الانتهاكات الجسدية التي يرتكبها المديرون في حق العمال السوريين.

في أبريل/نيسان، خلُص تقييم لـ “برنامج الأغذية العالمي” لـ 1562 أسرة سورية جنوب شرق تركيا إلى أن 93 بالمئة من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات يعيشون تحت خط الفقر. كما خلص التقرير إلى أن انعدام الأمن الغذائي مرتبط بشكل كبير بعدم الحصول على عمل دائم.

أغلب الأطفال السوريين في تركيا لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا يوثق الأسباب التي تحرم اللاجئين السوريين من الحصول على تعليم في تركيا. اتخذت الحكومة خطوات جيّدة لمعالجة هذه المشاكل، وتعهدت بتسجيل 450 ألف طفل سوري بنهاية العام الحالي. ولكن وزارة التعليم أقرت مؤخرا أن “325 ألف سوري فقط يذهبون إلى مدارس من أصل 756 ألف لاجئ في سن المدرسة في تركيا”. ربما يكون عدد الأطفال الذين هم في سن المدرسة أعلى من ذلك، لأنه يوجد حوالي 940 ألف طفل سوري تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة مسجلين في تركيا، رغم أن البعض منهم غادروا.

على المانحين الدوليين دعم جهود الحكومة التركية لتحسين احترام الحقوق الأساسية للاجئين السوريين الذين فروا إلى تركيا. في ذات الوقت، على “المكتب الأوروبي للمساعدة في شؤون اللجوء” واليونان النظر في جميع طلبات لجوء السوريين القادمين من تركيا بحسب ما يستحقون، وعدم رفضها على اعتبار أن تركيا “بلد ثالث آمن” أو “بلد لجوء أول” لجميع السوريين.

قالت دجي: “تستضيف تركيا أكثر من مليوني لاجئ، الكثير منهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، ولا ينالون حقوقهم كلاجئين. بدل التملص من المسؤولية وانتهاك المعايير الخاصة بها، على حكومات الاتحاد الأوروبي تحمل نصيبها من المسؤولية الدولية، والسماح لطالبي اللجوء السوريين بالتماس اللجوء لديها”.

الإطار القانوني

صدّقت تركيا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الخاص بها لعام 1967، ولكنها البلد الوحيد في العالم الذي فرض على الاتفاقية قيدا جغرافيا يتمثل في استثناء غير الأوروبيين من الحماية التي توفرها. في 2013، تبنت تركيا قانونا خاصا بـ “الأجانب والحماية والدولية”، فصار تعاملها مع طالبي اللجوء غير الأوروبيين أكثر اتساقا مع مواد الاتفاقية. كما نص القانون على إنشاء آلية حماية مؤقتة في حالات “التدفق الجماعي”، ثم شهدت تطورا وصارت تشمل اللاجئين السوريين في نظام أكتوبر/تشرين الأول 2014.

ينقسم اللاجئون السوريون في تركيا بشكل عام إلى 3 فئات: بعضهم يحملون تصاريح إقامة قابلة للتجديد، يُشترط للحصول عليها ختم دخول ساري المفعول ورسوم تفوق ألف ليرة تركية [344 دولار أمريكي] للعام الأول، تتبعها رسوم أخرى فيما بعد؛ وبعضهم مستفيدون من الحماية المؤقتة، ولم يدفعوا أي رسوم بموجب نظام الحماية المؤقتة الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2014؛ والبقية غير مسجلين وليس لهم أي وضع قانوني واضح. أغلبهم ينتمون للفئة الثانية، والحديث عن 2.7 مليون لاجئ مسجل في تركيا يعني الأشخاص الذين لهم وضع حماية مؤقت. ينص قانون 2013 على أن السوريين ممنوعون من التماس أشكال الحماية الدولية الأخرى ما داموا مشمولين بنظام الحماية المؤقتة.

عملا بالاتفاق التركي-الأوروبي، هناك مبدآن قانونيان يُمكن لليونان استخدامهما لإرجاع طالبي اللجوء إلى تركيا دون دراسة طلباتهم ومدى تأهلهم لنيل اللجوء. الأول هو مبدأ “بلد اللجوء الأول” الذي يسمح بإرجاعهم إلى بلد ما إذا كانت تتوفر فيه حماية كافية، كما تنص على ذلك المادة 35 من “توجيهات الاتحاد الأوروبي حول إجراءات اللجوء”. أما المبدأ الثاني فهو “البلد الثالث الآمن”، كما تعرفه المادة 38، والذي يعني أنه يُمكن إرجاعهم إلى بلد عبروه، إن كان بوسعه توفير حماية فعالة لهم، ولكنهم مازالوا لم يلتمسوا ذلك أو لم يحصلوا على موافقة بعد.

على “البلد الثالث الآمن” منح طالب اللجوء فرصة لالتماس اللجوء والحصول على وضع لاجئ كما تنص على ذلك أحكام اتفاقية اللاجئين. رغم أن القانون التركي لسنة 2013 أنشأ نظاما للحماية الدولية يسمح لطالبي اللجوء كأفراد بالحصول على “وضع لجوء مشروط” وحماية تتماشى مع الاتفاقية، إلا أنه تم استثناء السوريين من ذلك لأن نظام الحماية المؤقتة الذي ينظم وضعهم لا يدخل في هذا الإطار. ولذلك، فإن تركيا – من الناحية القانونية – ليست “بلدا ثالثا آمنا” للاجئين السوريين.

تحديد ما إذا كانت تركيا “بلد لجوء أول” مناسب للسوريين يعتمد على معايير مختلفة قليلا، حيث يجب الاعتراف بالشخص على أنه لاجئ في ذلك البلد أو هو يتمتع “بحماية كافية” فيه، بما يشمل الحماية من الإعادة القسرية: أي الإعادة إلى بلد تكون فيه حياته وحريته مهددتين. ولأن السوريين غير معترف بهم كلاجئين في تركيا، يجب توفير “حماية كافية” لهم على أرض الواقع حتى يصير هذا المفهوم يشملهم.

ذكرت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (المفوضية) أن التمتع “بحماية كافية” يعني منح الشخص “الحق في البقاء بشكل قانوني ومعاملته في إطار معايير [اتفاقية اللاجئين] والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”، بما يشمل “العيش وحقوق العمل والرعاية الصحية والتعليم”. كما نصت المفوضية على أن “الانضمام والامتثال لاتفاقية 1951 و/أو بروتوكول 1967 ضروريان”… و”يجب أخذ قدرة الدول على توفير حماية فعلية بعين الاعتبار، خاصة إن كانت تأوي أعدادا كبيرة من اللاجئين”.

يُبرز هذا التحليل للإطار القانوني والسياسي الذي تعتمده تركيا، كما تصوره روايات اللاجئين السوريين، أن تركيا فشلت في تحقيق هذه المعايير.

إضافة إلى ذلك، وثقت هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار أعمال عنف وطرد على الحدود التركية السورية، حيث قتل حراس الحدود 5 طالبي لجوء سوريين على الأقل بينما كانوا يحاولون الوصول إلى الأمان، وأصابوا 14 آخرين على الأقل بجروح خطيرة. هذه الأعمال ترقى إلى الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي.

يتم تقييم طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي في مرحلتين. أولا، تقرر السلطات ما إذا كان طلب الشخص “مقبولا”، أي إن كانت ملزمة قانونا بدراسته. في هذه المرحلة يتم أيضا تقييم مبدأي البلد الثالث الآمن وبلد اللجوء الأول. وثانيا، إن تم قبول الطلب، تنظر السلطات فيما إذا كان “مستحِقا”، أي ما إذا كان الالتماس في حد ذاته مشروعا بالاستناد إلى الأوضاع التي يعيشها البلد الأصلي للشخص.

كان قانون اللجوء اليوناني ينص في السابق على النظر في معيار “البلد الثالث الآمن” عند دراسة إمكانية ارجاع شخص ما إلى ‘بلد اللجوء الأول”، إلا أن اليونان سارع إلى تعديل إجراءات اللجوء في 1 أبريل/نيسان، عبر تبني القانون رقم 4375/2016 الذي أسقط ذلك الشرط. يُمكن إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا إذا تم التأكد من وجود “حماية كافية” هناك، رغم أن هذا المصطلح غير معرّف في القانون. مازالت اليونان تدرس طلبات بعض المجموعات المعرضة للخطر بحسب درجة أحقيتها، مثل الأطفال غير المصحوبين بأولياء، والنساء الحوامل. أما الأشخاص الذين لم تقبل طلباتهم، يحق لهم استئناف القرارات لدى هيئة استئناف يونانية.

في 7 أبريل/نيسان، عد~لت تركيا نظام الحماية المؤقتة الذي صار ينص على أنه “يُمكن” إعادة منح السوريين العائدين من اليونان وضعهم الأصلي إن طلبوا ذلك. ولكن هذا الإجراء غير كاف لضمان حصول جميع السوريين العائدين على “حماية كافية” في تركيا. أيّ بحث لهذه المسألة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن انضمام تركيا لاتفاقية اللاجئين لا يمنح السوريين أي حماية؛ وأن نظام الحماية المؤقتة يبقى خارج نظام الحماية الدولية الذي ينص عليه قانون الهجرة التركي؛ وأن قدرة تركيا على حماية حقوق اللاجئين السوريين على أرض الواقع محدودة جدا. في انتظار تعديل الإطار القانوني واللوائح التنظيمية لمواجهة الفجوات التي تحول دون الحصول على خدمات أساسية وحماية، وإلى أن يحدث تغيير على أرض الواقع، على حكومات الاتحاد الأوروبي عدم اعتبار تركيا “بلد لجوء أول” عند النظر في قرارات القبول داخل الاتحاد الأوروبي.

تأخير كبير في التسجيل

خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن اللاجئين السوريين في إسطنبول وإزمير انتظروا أشهر للتسجيل في نظام الحماية المؤقتة والحصول على بطاقات هوية رسمية، تُسمى “كيمليك” (“الهوية” بالتركية). هذه البطاقة ضرورية لتسجيل الأطفال في المدارس الحكومية، وللحصول على رعاية صحية أساسية وتصاريح عمل.

قالت منظمات غير حكومية تعمل مع اللاجئين السوريين إن هذه التأخيرات تعود في جزء منها إلى مرحلة “ما قبل التسجيل والتدقيق” الجديدة التي أضافتها “المديرية العامة لإدارة الهجرة” (مديرية الهجرة) لنظام الحماية المؤقتة في مارس/آذار. كما توجد قيود تفرضها طاقة الاستيعاب وقد تتسبب في تأخيرات. قال عامل في منظمة إغاثة دولية في الجنوب الشرقي لـ هيومن رايتس ووتش إن نظام التسجيل لم يعمل بشكل منتظم. في غازي عنتاب، تعطلت عملية التسجيل حتى وقت قريب، ما تسبب في تأخير المواعيد لمدة شهرين على الأقل في الوقت الحالي. في إسطنبول، قال ممثل عن منظمة أخرى إن المواعيد تأجلت لفترات تتراوح بين 3 و6 أشهر في المناطق التي يسكنها سوريون كثيرون.

قالت مديرية الهجرة إن السوريين يستطيعون الحصول على “استمارة سابقة للتسجيل” صلاحياتها 30 يوما، تسمح لهم بالبقاء بشكل قانوني في البلاد في انتظار البت في طلباتهم. ولكن ممثلا عن منظمة غير حكومية تعمل في كافة أنحاء تركيا قال إنه لا يُمكن استخدام هذه الاستمارة للحصول على خدمات، ولذلك فإن كل من يحمل “استمارة سابقة للتسجيل” يعتمد على المساعدات المحدودة من المنظمات الخيرية ومنظمات الإغاثة.

في إزمير، شهدت هيومن رايتس ووتش محاولة تسجيل في نظام الحماية المؤقت في مركز للشرطة قامت بها عائلة سورية قدِمت حديثا. طلب منهم العون الرجوع بعد أسبوعين لأخذ موعد، الذي سيكون بعد عدة أشهر أخرى.

قال عامل إغاثة، يعمل مع مجموعة مزارعين سوريين في بلدة توربالي القريبة من إزمير، إن أغلب اللاجئين في البلدة لا يحملون بطاقات هوية بسبب تعطل عملية التسجيل. كما قال إن عمال الإغاثة يستطيعون توفير بعض الحاجات الأساسية، ولكن الأمراض جلدية وسوء التغذية منتشرة، ولا توجد خدمات تعليمية أو مواصلات لأقرب المدارس الحكومية.

قال علي (21 سنة) إن التسجيل في نظام الحماية المؤقتة في إسطنبول تسبب له في محنة دامت شهورا:

ذهبت إلى مركز الشرطة في الفاتح [حي في إسطنبول] في أكتوبر/تشرين الأول الماضي للحصول على كيمليك. كان مكتظا، فطلبوا مني العودة في اليوم التالي. فعلت ذلك، وانتظرت لساعات، ولكني لم أحصل على موعد. سمعت من آخرين أن مركز الشرطة في تقسيم [حي آخر] يمنح أيضا التسجيل، فذهبت إلى هناك. طلبوا مني العودة بعد أسبوع، ففعلت. ثم طلبوا مني العودة بعد يومين، ففعلت. طلبوا مني العودة بعد أسبوع، فتخليت عن الأمر. حاولت مجددا في فبراير/شباط، فحصلت على موعد [في منتصف مايو/أيار].

قال علي إنه اضطر لجلب صاحب المنزل الذي يعيش فيه للحصول على موعد. قال: “شرط حضور صاحب المنزل شرط جديد. بدأ العمل به في وقت سابق هذا العام”. قال تامر (28 سنة)، وهو أيضا سوري يعيش في إسطنبول: “لم أقدم طلبا للحصول على كيمليك بعد لأنني أسكن مع صديق، وليس لي عقد الإيجار الذي صار شرطا. وإن ذهبت إليهم دون عقد إيجار، عليّ دفع المال لوسيط”. لا ينص نظام الحماية المؤقتة على شرط حضور صاحب المنزل أو إظهار عقد إيجار.

قال 4 لاجئين سوريين إنهم تجاوزوا التأخيرات بدفع مبالغ تتراوح بين 125 و150 ليرة [42-50 دولار تقريبا] لوسطاء مستقلين ليناقشوا إمكانية تسجيلهم في موعد مبكّر. قال محمد (26 سنة): “للحصول على كيمليك، اضطررت للاتصال بوسيط ودفعت له 150 ليرة. كنت في عجلة من أمري فلم أشأ الذهاب دون وسيط، الجميع قالوا لي إن ذلك سيستغرق شهورا”.

قال جمعة (23 سنة) عن عائلته المتكونة من 4 أفراد: “لما ذهبنا للتسجيل أول مرة، قالوا لنا إن علينا الانتظار شهرين أو 3. دفعنا 125 ليرة، فحصلنا جميعا على كيمليك. قالت راما (19 سنة) إنها دفعت مالا لوسيط ليُسهل عملية التسجيل لأنها كانت حامل، وإلا قد تدفع مبالغ أكبر على مصاريف الولادة والرعاية أثناء الحمل وبعد الولادة.

هذه التأخيرات في التسجيل لها تأثير مباشر على استقرار اللاجئين السوريين وأمنهم. قال كثير من اللاجئين إنهم كانوا يعتقدون أنهم قد يُجبرون على الذهاب إلى مخيم للاجئين أو على الترحيل لأنهم لا يحملون تسجيلا. في أبريل/نيسان، ذكرت “منظمة العفو الدولية” عمليات ترحيل واسعة لسوريين في منطقة هاتاي، حيث كان المُرحّلون في أغلبهم غير مُسجلين أو اعتُقلوا وهم لا يحملون بطاقات هوية.

تتسبب التأخيرات في منع اللاجئين السوريين من الحصول على تعليم أو رعاية صحية، ما يزيد من ثغرات الخدمات والحماية، حتى تلك المتوفرة لأشخاص يحملون تسجيلا ساري المفعول.

تعقيدات تقنية تؤثر على التسجيل

المتمتعون بحماية مؤقتة، مثل كل الأجانب المقيمين بشكل قانوني في تركيا، يحصلون على “أرقام هوية أجنبية” تُسهل لهم الحصول على خدمات حكومية. جميع أرقام الهوية الأجنبية تبدأ بالرقم 99، ولكن الوكالات الحكومية التي عملت خصيصا على تسجيل السوريين، قبل دخول نظام الحماية المؤقتة حيز التنفيذ، أصدرت لهم أرقاما تبدأ بـ 98.

بسبب المتطلبات التقنية لنظام التسجيل التركي، لا يُمكن إدراج الأرقام التي تبدأ بـ 98 في البنية التحتية للخدمات الحكومية الحالية، ما يؤثر على التسجيل في المدارس والرعاية في المستشفيات. توجد آلية لتحويل الأرقام التي تبدأ بـ 98 إلى أرقام تبدأ بـ 99 على الانترنت، ولكن الكثير من اللاجئين قالوا إن أعطالا تقنية منعتهم من تحويل أرقام بعض أو كل أفراد عائلاتهم. رغم أنه يُفترض حصول جميع اللاجئين المسجلين بعد تبني نظام الحماية الموقتة في أكتوبر/تشرين الأول 2014 على أرقام تبدأ بـ 99، إلا أن 7 لاجئين ممن سجلوا بعد هذا التاريخ – منهم من سجل في مارس/آذار – أطلعوا هيومن رايتس ووتش على أرقام هوية تبدأ بـ 98.

تصاريح العمل

في يناير/كانون الثاني، أصدرت تركيا قانونا جديدا صار يسمح للسوريين المستفيدين من نظام الحماية المؤقتة بالتماس الحصول على تصاريح عمل. لقي هذا الإعلان في البداية ترحيبا من المراقبين الدوليين، ولكن الحكومة التركية كشفت أواخر مارس/آذار أن عدد المطالب التي قُدمت لم تتجاوز 2000 مطلب، أي 0.47 بالمئة من أصل 2.7 مليون سوري مسجّل، ولم تحدد الأشخاص الذين مُنحوا هذه التصاريح.

خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن قانون تصاريح العمل الجديد لم يُحدث بعد أي تأثير على حماية اللاجئين السوريين وحقوقهم في العمل. مازال الكثير من اللاجئين يواجهون خطر الاستغلال، ويعيشون في ظروف مزرية.

وفقا للقانون الجديد، يستطيع السوريون الحاصلون على وضع الحماية المؤقتة التقدم لوظيفة ما إذا كانوا مسجلين في المنطقة التي يتوفر فيها العمل، ومضى على وجودهم هناك 6 أشهر على الأقل، على أن يمنحهم صاحب العمل عقد عمل، ويتبنى طلبهم، وألا يتجاوز السوريون نسبة 10 بالمائة من مجموع العاملين لديه. قالت منظمة دولية في غازي عنتاب إن تغيير التسجيل من الأرقام التي تبدأ بـ 98 إلى الأرقام التي تبدأ بـ 99 تنجر عنه فترة 6 أشهر جديدة. هذه “المشاكل التقنية”، فضلا عن المعلومات الخاطئة المنتشرة بين أصحاب الأعمال والعمال، لم تشجع السوريين على التقدم لوظائف.

من بين عائلات اللاجئين السوريين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار وأبريل/نيسان، كان يوجد 24 شخصا مؤهلين للحصول على تصاريح عمل بموجب القانون الجديد، ولكن لم يُقدم أيّا منهم طلبا لأنهم لا يعرفون الشروط، ويظنون أن أصحاب العمل لن يقبلوا بذلك، أو يعتقدون أنهم لن يجدوا صاحب عمل يكفلهم. كما كان يوجد 24 آخرين غير مؤهلين لأنهم لم يكونوا مسجلين، أو هو لم يُسجَلوا لمدة طويلة في المكان المناسب. لم يسمع أي من الأشخاص الـ 48 بحقه في الحصول على تصريح عمل – أو تقديم طلب بشأنه – بموجب القانون الجديد.

قالت “نور” (21 سنة)، من القامشلي، وكانت تعمل في مصنع للملابس في إسطنبول منذ 10 أشهر: “لم نسمع أي شيء عن تصاريح عمل السوريين. وأصحاب العمل لا يشترطونها، ولكننا لا نعرف شيئا عن حقوقنا. أمي في المنزل، ونحن في العمل كامل اليوم، ولا أحد يقول لنا شيئا”. كما قالت إنها تعرضت وسوريين آخرين للانتهاك والاستغلال. يُقدّر الحد الأدنى للأجر الشهري في تركيا بـ 1647 ليرة (560 دولار تقريبا)، إلا أن نور وُعدت بأجر شهري قدره 900 ليرة [305 دولار]، وأحيانا لا تحصل عليه.

إن ارتحت ساعة، لا أتقاضى أجرها. أحيانا يدفعون لي نصف الأجر الشهري بعد أن أعمل شهرا كاملا، ويعدونني بدفع باقي المبلغ لي لاحقا، ولا يفعلون… زميلاتي التركيات اللاتي يعملن على نفس الآلات يحصلون على ضعف ما أتقاضاه. أحيانا يسألونني كيف: تقبلين بهذا الأجر الزهيد؟

المشرفون على العمل يصرخون فينا، ويطلقون علينا عبارات سيئة، ويعاملوننا كالحيوانات. انقطعت الكهرباء عن المصنع، فبدؤوا يصرخون في وجوهنا لأننا لم نعمل في تلك الفترة. ذات مرة، ألقى علي المشرف عن العمل مقصا، ورأيت المديرين يضربون رجالا سوريين على وجوههم أثناء العمل، ولكني لم أراهم أبدا يفعلون ذلك مع العمال الأتراك.

قالت منظمة غير حكومية في إسطنبول إنه يُمكن توجيه طلب تصريح العمل عبر الانترنت إلى وزارة العمل والضمان الاجتماعي، ولكن صاحب العمل هو الذي يستطيع القيام بذلك. هذا الشرط دفع ببعض المراقبين إلى التعبير عن تخوفهم من عدم امتثال أصحاب العمل للقانون، أو مطالبة العمال بدفع رسوم للحصول على الكفالة، فالقانون يفرض عليهم دفع أجور أعلى، وتوفير حماية أكبر للعمال. يوجد في القانون استثناء صغير خاص بالعمل للحساب الخاص، ولكن شروطه غير مُعرّفة بشكل واضح.

قال علي (27 سنة)، من تدمر، وكان يعمل وسيطا عقاريا غير رسمي، ويتقاضى عمولات على الأشخاص الذين يستأجرون منازل، إنه يعتقد أن أصحاب العمل لا يرغبون في كفالة تصاريح العمل بموجب القانون الجديد: “لا أريد العمل لصاحب عمل تركي لأنهم يستغلوننا. عملت 4 أشهر دون أجر قبل أن أبدأ عملا لحسابي الخاص. لم أسمع أبدا بسوريين يحصلون على تصاريح عمل. لا أحد عنده هذه التصاريح… أصحاب العمل لا يرغبون في منحها لنا”.

قال سوريان، كانا مؤهلين من الناحية التقنية لالتماس تصاريح عمل، إنهما يعتقدان أن الحصول على هذه التصاريح يحتاج كثيرا من المال، رغم أن القانون لا ينص على أي رسوم. قال أحمد (40 سنة) إنه يعمل وأبناءه المراهقين في ورديات تدوم 12 ساعة، وهو يعرف أنهم يتعرضون للاستغلال: “يوجد رجل تركي يعمل معي في المخبز، يقوم بنفس العمل، لكنه يجني [ضعف ما أجنيه تقريبا]”. أحمد لا يعتقد أنه بإمكانه الحصول على تصريح عمل: “لقد سمعت بتصاريح العمل، ولكني سمعت أيضا أنها تحتاج إلى الكثير من المال”. بعض السوريين الذين تمكنوا من التماس تصاريح عمل دفعوا المال لشخص ما ليساعدهم على إعداد الوثائق. قد يكون الاعتقاد بأن تصاريح العمل باهظة الثمن من العوامل التي تمنع تقديم الطلبات أيضا.

أخيرا، لا تشمل تصاريح العمل الجديدة عمال الزراعة الموسِميين، مثل اللاجئين في توربالي. هؤلاء ليسوا مطالبين بالحصول على تصاريح عمل، وهو ما يعني أيضا أنهم غير مشمولين بالحماية التي يوفرها القانون.

الحصول على تعليم

في نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا يوثق الحواجز التي تمنع أغلب الأطفال السوريين الذين يعيشون خارج مخيمات اللاجئين من الالتحاق بالمدارس، رغم التغييرات التنظيمية التي صارت تسمح لهم بذلك. شملت الحواجز الصعوبات الاقتصادية وعمل الأطفال والمضايقات وحاجز اللغة والعقبات البيروقراطية وعدم الالتزام بالقوانين في المدارس وعلى مستوى المحافظات.

في السنة الدراسية 2014-2015، تسجل حوالي 212 ألف طفل سوري في مدارس في تركيا، بمن فيهم أطفال المخيمات. الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة التربية الوطنية وحلفاؤها ساعدت على رفع العدد إلى 325 ألفا في أبريل/نيسان 2016. لكن مازالت توجد فجوة ضخمة. وفقا لأرقام الحكومة، فإن عدد الأطفال السوريين المسجلين، ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة، يبلغ 940 ألفا (رغم أن بعضهم غادروا البلاد).

في مارس/آذار وأبريل/نيسان، قابلت هيومن رايتس ووتش 16 عائلة سورية لها أطفال منقطعون عن المدرسة. تحدثت العائلات عن نفس المشاكل الموثقة في تقرير نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مع إضافة مشكل التأخير في تسجيل بعض العائلات.

بتول (42 سنة) لها 3 أطفال في سن المدرسة: ابنتها روان (15 سنة)، وابناها التوأم محمود وجود (12 سنة). قالت إن زوجها كان يعمل في مجال البناء في سوريا، ولم يتمكن من إيجاد عمل دائم في تركيا. روان ومحمد كانا آنذاك يعملان في مصنع للملابس لمساعدة العائلة. ولكن التأخير في التسجيل في نظام الحماية المؤقتة والعقبات البيروقراطية ساهمت في منعهم من الذهاب للمدرسة. قالت بتول:

قدّمنا طلبا للحصول على كيمليك منذ مجيئنا [في أغسطس/آب 2015]، ولم نُجر المقابلة إلا مؤخرا [أواخر مارس/آذار]. منحونا وثائق تسجيل مؤقتة وليس بطاقات فعلية، ولكنها تحمل أرقام تسجيل. التمسنا من منظمة غير حكومية مساعدتنا على تسجيل الأطفال للدراسة، لكن أوراقنا لم تُقبل لسبب ما.

قالت بتول إن ابنتها روان تعي تماما ما معنى ألا تذهب للمدرسة، وكانت تبكي يوميا لما قدموا إلى تركيا لأنها كانت ترغب في العودة للمدرسة. قالت روان: “أصدقائي يحملون الكيمليك القديم، وسُمح لهم بدخول المدرسة… إنه حظي السيئ. حياتي مليئة بالحظ السيئ. كنت في المدرسة إلى أن غادرت سوريا، كنت قد شرعت للتو في الصف العاشر. كنت أحب كل شيء في المدرسة، وخاصة فصول الرياضيات والإنغليزية… كان الأمر كمن يضع أحلامه في بالونات ويتركها تطير بعيدا. لا نستطيع التصرف فيها أو تحقيقها”.

“رنا” (15 سنة) انقطعت عن المدرسة منذ قدومها من سوريا في 2013 لأنها تعمل لمساعدة عائلتها:

هذا ثاني مصنع أعمل فيه منذ بدأت العمل قبل 3 سنوات. جئت إلى تركيا يوم سبت، وبحلول الإثنين كنت أعمل في مصنع. أصبتُ بالتواء في قدمي بينما كنت أعبر الحدود، ثم اضطررت للعمل [واقفة] منذ مجيئي. كل يوم كنت أبكي في العمل. كنت أعمل من 8:30 صباحا إلى 9 مساء. كنت أشعر بالتعب، ولكنهم كانوا يوبخونني… من المفترض أن أكون في الفصل التاسع الآن. إني أفتقد المدرسة كثيرا.

كبقية الأطفال السوريين العاملين، واجهت رنا استغلالا في الأجر: “في البداية، كنت أحصل فقط على 300 ليرة [103 دولار] في الشهر، أما الآن فأجني 1000 ليرة [340 ليرة تقريبا]”، وهو أجر يقلّ كثيرا عن الدخل الشهري الأدنى المقدّر بـ 1647 ليرة [560 دولار تقريبا].

عاش “أحمد” في تركيا مع عائلته لثلاث سنوات ونصف، منذ فراره من مدينة الحسكة، مسقط رأسه. قال: “تسجلنا وحصلنا على كيمليك منذ البداية”. يعمل أحمد ليلا في مخبز، ويحصل على 1000 ليرة [344 دولار] شهريا، وهو مبلغ غير كاف ليُعيل عائلة من 5 أفراد في إسطنبول. قال: “بطبيعة الحال، يحتاج أطفالي للمدرسة، ولكننا نحتاج أيضا للعيش، ولذلك صار يتعين عليهم العمل بدل الدراسة. لي ابنان (15 و14 سنة) يعملان في مصانع للملابس. يحصلان على أجر، ولكن ليس الأجر الذي وُعدا به. كانا في المدرسة في سوريا إلى أن غادرنا”.

سميرة، سوريّة من دمشق، لها 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و17 سنة. ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات هي الوحيدة المُسجلة بالمدرسة. قالت إن ابنيها (17 و14 سنة) يعملان ليساعدا العائلة، ولكنهما تعرضا للاستغلال والانتهاك:

انقطع ولداي عن العمل في المصنع منذ يومين. عمل الأكبر شهرا ونصف ولم يحصل على أجر. ليست هذه المرة الأولى التي لا يحصل فيها على أجر. ذات مرة عمل 9 أشهر دون أجر، ولما ذهب مع عمال سوريين آخرين لمواجهة الإدارة، أرسل صاحب العمل بعض الرجال ليضربوه. أصيب بالصدمة منذ ذلك الوقت. هو شاب ناضج، ولكنه ليس قويا جدا، ولذلك شعر بالخوف كثيرا.

قالت سميرة إن تسجيل ابنتها في مدرسة حكومية كان عملية بيروقراطية معقدة، شملت مقابلات واختبارات متعددة لتحديد المستوى الذي ستدرس به ابنتها الكبرى: “شعرت باليأس أثناء هذه العملية، وفكرت في الانسحاب. ولكنهم في الأخير قالوا إنها ستُسجل في الصف الحادي عشر. لما ذهبت إلى المدرسة في اليوم الأول، طُلب منها الالتحاق بالصف التاسع. شعرت بالاستياء الشديد ودرست يوما واحدا ثم انقطعت”.

ابنة سميرة الأخرى [13 سنة] حضرت دروس الصف السابع إلى أن صفعها موظف بالمدرسة على وجهها “لأنها كانت في الساحة بينما كان عليها التواجد في الفصل”. قالت والدتها: “لم تعُد للمدرسة منذ ذلك اليوم. حاولت منظمة غير حكومية التوسط، ونسقت مقابلة مع المدير، ولكن ابنتي كانت مصدومة وغير مرتاحة وخائفة، فرفضت الذهاب”.

عمال الزراعة الموسِميّون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في توربالي قالوا إن جميع الأطفال السوريين الموجودين في المنطقة – من بين 1500 سوري في المجموع – لا يذهبون للمدرسة. قال عزيز (42 سنة)، من رأس العين، وهو أب لثمانية: “ذهب الأطفال للمدرسة لمدة شهر، لأنه كانت توجد حافلة تنقلهم إلى هناك. ولكن الحافلة توقفت عن المجيء، فتوقف الأطفال عن الدراسة. يجلسون كامل اليوم في المنزل، وان توفر أي عمل في المزارع، يقومون به”. قال عامل إغاثة في توربالي إن السلطات المحلية وفرت الحافلة “لتتباهى” بأنها تقدم خدمات تعليمية لهؤلاء الأطفال، وأكد أن هذه الخدمة توقفت بعد فترة قصيرة.

قالت ميساء (13 سنة) إنها جاءت إلى توربالي من دير الزور في مايو/أيار 2015، ولم تتمكن من الذهاب للمدرسة منذ ذلك الوقت. قالت: “أنا لا أعمل، أبقى في الخيمة لمساعدة أمي. كم أرغب في العودة للمدرسة، فالحياة هنا سيئة… ليس لي أصدقاء، وكل شيء صعب”. قال والدها عبد الكريم: “لما غادرت سوريا أول مرة، تركناها هناك لأنها كانت تدرس. ولكن في فبراير/شباط 2015 [فرّت إلى تركيا لأن] مدرستها أغلقت بسبب معارك قريبة منها، ومنذ ذلك الوقت وهي خارج المدرسة”.

الحصول على رعاية صحية

نظام الحماية المؤقتة يسمح للاجئين السورين المسجلين أيضا بالحصول على رعاية صحية أساسية في المستشفيات والمراكز الحكومية. ولكن القانون ينص على أن غير المسجلين لا يستطيعون الحصول على رعاية كافية تتجاوز مستوى الطوارئ إلا إذا كانوا يستطيعون توفير مصاريف العلاج الخاص.

في إزمير، شهدت هيومن رايتس ووتش محاولة إحدى العائلات التي وصلت حديثا الحصول على مساعدة طبية لابنها شادي (6 سنوات). قالت العائلة إن شادي أصيب بكسر في ذراعه أثناء محاولة عبور نحو تركيا، فأخذوه إلى مستشفى في القامشلي في سوريا لجبر الكسر. مازال يعاني من آلام بعد أن نجح في عبور الحدود، فأخذته عائلته إلى قسم الطوارئ في مستشفى حكومي في إزمير. أظهرت صورة الأشعة إن العظم لم يُجبر جيدا، ما يتطلب تدخلا جراحيا عاجلا لتفادي ضرر طويل المدى. ولكن موظفي المستشفى قالوا لعائلة شادي إن هذه العملية لا تعتبر خدمة طارئة، وهو يحتاج إلى بطاقة هوية مؤقتة للحصول على علاج. قال لهم مركز الشرطة المحلي إن شادي لن يستطيع الحصول على بطاقة هوية قبل عدة أشهر.

قال “حسن” (28 سنة) إن الصعوبات في حصول زوجته على رعاية صحية بسبب التأخير التسجيل دفع عائلته إلى اتخاذ قرار خوض رحلة عبر بحر إيجه في مطلع أبريل/نيسان، ولكن حرس الحدود التركي أوقف المركب. قال: “زوجتي أنجبت هنا في تركيا، ولكن المستشفى رفض قبولها ما لم أدفع المال لأننا لا نحمل كيمليك. حاولنا الحصول على كيمليك، لكن كان علينا الانتظار 10 ساعات في الخارج لمجرد الحصول على موعد. ماذا عساني أفعل هنا؟ أنا لست في بلدي”.

قالت 4 عائلات لاجئة إنها حصلت على خدمات طبية غير عاجلة مجانا، بما في ذلك في مستشفيات وصيدليات، لأنها كانت تحمل بطاقات حماية مؤقتة. ولكن حتى العائلات التي قابلتها هيومن رايتس ووتش – وكانت تحمل تسجيلا – تعاني من ثغرات في نظام الرعاية الصحية.

في توربالي، قالت امرأتان تحملان الكيمليك إنهما واجهتا مشاكل في الحصول على رعاية صحية نسائية. قالتا إنهما لم تحصلا على مستلزمات الحيض، ولم تتمكنا من شرائها. قالت وضحى (20 سنة): “أشعر بآلام حيض كبيرة، حتى أنني أعجز عن الوقوف. لا يوجد ما يكفي من المناديل الصحية، وليس بوسعنا شراء مناديل جديدة. أشعر بألم شديد إلى درجة أنني لا أستطيع العمل في فترة الحيض. ذهبت إلى المستشفى ذات مرة لأن الألم كان شديدا. أجروا بعض الفحوص، ولكن لم يعطوني شيئا، ولا حتى مسكنات عادية”.

يازي (25 سنة) أنجبت قبل المقابلة بستة أشهر، وقالت إن تجربتها القاسية في المستشفى أثناء الولادة جعلتها مترددة في الحصول على مساعدة أخرى إن واجهت مشاكل مماثلة:

أشعر بآلام مستمرة في ظهري وبطني منذ الولادة، خاصة أثناء فترة الحيض. لم أذهب إلى الطبيب لأنني لا أشعر بالارتياح… لما ذهبت إلى المستشفى للولادة، أخذت مترجمة معي ولكنهم أخرجوها من الغرفة… كنت أشعر بألم شديد ولم أستطع التحدث مع أي أحد. بعد ذلك لا أحد تفقد حالتي، ولما ناديتهم، طلبوا مني السكوت. كنت خائفة، ناديتهم ولكن لا مجيب.

قالت مديرية الهجرة لـ هيومن رايتس ووتش إنه يُفترض وجود خدمات ترجمة مجانية للسوريين أثناء الرعاية الصحية، ولكنها أقرت بوجود ثغرات في خدمات الترجمة.

قيود على حرية التنقل

يواجه اللاجئون السوريون، بمن فيهم المسجلون في نظام الحماية المؤقتة، قيودا أثناء تنقلهم في تركيا. يسمح هذا النظام للسلطات بأن تفرض على المستفيدين منه العيش في “محافظة أو مركز إيواء مؤقت أو أي مكان” محدد (المادة 33)، ولكن في المراحل الأولى لتنفيذ القانون، لم يواجه السوريون أي قيود عند تنقلهم من محافظة إلى أخرى. في أغسطس/آب 2015، أصدرت الحكومة توجيهات مكتوبة لسلطات المحافظات تأمرهم فيها بتقليص ومراقبة تنقل السوريين في البلاد. كان التنفيذ في البداية محدودا، لكنه صار بعد ذلك منتشرا على نطاق واسع. الحاصلون على حماية مؤقتة يحتاجون الآن إلى تصريح من سلطات الهجرة المحلية ليتمكنوا من مغادرة المحافظة التي يعيشون فيها.

في غياب هذا التصريح قد يُمنع اللاجئون من صعود الطائرات أو شراء تذاكر الحافلات للسفر إلى محافظات أخرى. قال مراقبون إن هذه الإجراءات الجديدة ربما تكون محاولة للسيطرة على السكان للحد من عدد مغادري البلاد، بما يتماشى مع توقعات الاتحاد الأوروبي من الاتفاق الذي أبرمه مع تركيا.

تحدث 3 لاجئين سوريين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن قلقهم من هذه القيود. قال علي (27): “تركيا فعلت الكثير للسوريين، ولكن اغلاق الحدود وفرض قيود على حرية التنقل أصبحا مشكلا حقيقيا”. قال إنه لا يعرف شروط الحصول على تصريح سفر، وإنه يعتقد أن ذلك كان يتم بطريقة اعتباطية. أضاف: “أرغب فقط في التنقل قليلا داخل البلاد”.

محمد (29 سنة) قال أيضا إن هذه القيود الجديدة أثرت على إحساسه بالأمان في ظل نظام الحماية المؤقتة:

لا أشعر أبدا بالأمن والاستقرار هنا، فنحن لا نعلم ما سيحل بنا مستقبلا. كل يوم نسمع عن مشاكل يواجهها السوريون بسبب وضعهم هنا… توجد قيود على التنقل في كل مكان. صار الأمر لا يطاق… ربما أستطيع الخروج من إسطنبول، ولكن ذلك لا يعني أنه يُمكنني العودة إليها. كل شيء يعتمد على تصريح السفر. ان حصلت على تصريح خروج، فذلك لا يعني أنه سيضمن لك الدخول… أريد الذهاب إلى مكان فيه سيادة القانون والحقوق، وذلك ليس متوفرا هنا.

قالت مديرية الهجرة لـ هيومن رايتس ووتش إن السبب الأول لاشتراط تصريح السفر هو “تنفيذ الحقوق والخدمات بشكل فعال”. ولكن التوجيهات التي تنظم هذه السياسة تشير أيضا إلى ضرورة الحد من محاولات الهجرة غير الشرعية التي يقوم بها السوريون نحو بلدان أخرى.

رغم أنه يحق لتركيا بموجب القانون الدولي فرض قيود على تنقل السكان بشكل قانوني في بعض الظروف، إلا أن حرية التنقل من الحقوق الهامة في اتفاقية اللاجئين، وعلى تركيا ضمان أن تكون هذه القيود مبررة ومشروعة لأنها تؤثر على استقرار اللاجئين، وقد تعرقل فرصهم في الحصول على عمل أو تعليم.

منهجية البحث

في مارس/آذار وأبريل/نيسان، قابل باحث هيومن رايتس ووتش 67 سوريا – بالغين وأطفال – يعيشون في إسطنبول وإزمير وتوربالي. تم تحديد العائلات التي أجريت معها المقابلات عن طريق منظمات غير حكومية وأشخاص آخرين من داخل مجموعات اللاجئين السوريين في هذه المدن. أجرت هيومن رايتس ووتش جميع المقابلات في أماكن آمنة وخاصة، باللغة العربية، وبمساعدة مترجِمة. تم شرح طبيعة البحث والهدف من المعلومات التي ستُجمع لكل من أجريت معهم مقابلات. حجبت هيومن رايتس ووتش هويات الأشخاص والوكالات التي التمست عدم الكشف عنها. كما استعانت هيومن رايتس ووتش بمنظمات غير حكومية محلية ودولية، وبتقارير عامة وبيانات لمسؤولين. أطلعت هيومن رايتس ووتش سلطات الهجرة التركية على ملخصا لنتائجها، وحصلت على رد كتابي في 10 يونيو/حزيران 2016، تمت الإشارة إليه في المواضع المناسبة. (hrw.org)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. الخلاف بين تركيا و الاتحاد الاوربي حالياً كبير لأن دول الاتحاد تريد غربلة اللاجين و اعاده الأميين و العمال البسطاء لتركيا و الاحتفاظ بالمتعلمين, بذات الوقت تريد تركيا ذات الأمر اي ان تحتفظ بالمتعلمين و ترسل الغير متعلمين لأوربه,و بنص الاتفاق لا يوجد شيئ صريح بالموضوع لأن هذا قد يخدش صورة أوربه أمام العالم.