الشرق الأوسط المثير !

لا يزال تفسير كل «ما يحدث» في منطقة الشرق الأوسط مجرد محاولات؛ لأنها تخلط وبقوة ما بين عناصر نظرية المؤامرة وبين أحداث تحصل على أرض الواقع، وطبعا ما بين التمني والتوقعات، ولكنها تبقى في أحسن حالاتها مجرد محاولات وليس أكثر.
أكتب هذه السطور وأنا قد انتهيت للتو من قراءة كتاب عن تاريخ اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت الشرق الأوسط المعاصر بأقطاره وحدوده المعروفة اليوم، ولفت نظري بشكل غريب الحديث الذي دار بين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج والفرنسي كليمنصو في السفارة الفرنسية في العاصمة البريطانية لندن، وذلك قبل سنتين على التمام من الاتفاق الشهير نفسه، فقال كليمنصو لجورج: «قل لي ماذا تريد؟». فأجابه جورج: «أريد الموصل». وأجابه: «ستكون لك، هل من شيء آخر؟». وفي ثوان حسم الأمر وتم الاتفاق، وحول الموضوع للخارجية لرسم الحدود، وحولت الموصل التي كانت جزءا من سوريا والشام إلى العراق. ومن اللافت جدا أنه بعد مائة عام انطلق تنظيم داعش الإرهابي بشكل غريب ومريب من نفس المناطق الحدودية، مناطق التماس المثيرة للجدل الواقعة بين سوريا والعراق، وكان أول شعاراته «تحطيم الحدود التي وضعها الاستعمار الكافر».. تلك الحدود التي أقيمت ذات يوم على أساس هوية وطنية خاصة بكل «دولة» بعد سقوط كيان الخلافة العثمانية الأعم، وبروز هويات تنادي بالهويات الصغرى بشتى أنواعها وأشكالها المختلفة، وهذه الدول التي تكونت بشكل «صناعي» بالتالي أصلها «مؤقت» كما وضحت لنا الأيام، وعليه كان لا بد أن يكون هناك «هوية» أخرى أشد تطرفا تحدد الخرائط الجديدة.
بدأت ملامح هذا التشكل الجديد منذ أكثر من ثلاثة عقود عندما حل رجل الدين الإيراني المثير للجدل والشديد التطرف في طهران قادما من محطته باريس التي قضى فيها فترة طويلة جدا تحت الحماية والرعاية الرسمية للحكومة الفرنسية، جاء إلى طهران بعد أن نجح بخطبه الرنانة عن طريق أشرطة الكاسيت المهربة، في إسقاط حكم الشاه وإقامة نظام أصولي متطرف ومتشدد يحكم بمنظومة غريبة اسمها «ولاية الفقيه» نصب أعينها مشروع مريب هو تصدير الثورة، وذلك عبر التدخل «الصريح» في شؤون المنطقة ودولها تحت ذرائع عاطفية، مثل المقاومة والممانعة، وأيضا مشروعها «الخاص» في تغيير الانتماء الطائفي أينما استطاعت، وهذا التوتر تصاعد وزاد، وخصوصا في المناطق «الهشة» مثل لبنان وسوريا والعراق، وبدأ «شكل» هذا الوجود يزيد، وتم خطف البلدان الثلاثة كل بطريقته، وكان النموذج «الحاد» يؤدي نتائجه في «تفتيت» المنطقة، وهذه المرة ليس بالشكل الوطني القطري الذي كانت عليه سايكس – بيكو الأولى، ولكن هذه المرة بشكل مذهبي وطائفي بالغ التعقيد والحدة، وهو يفسر تصاعد «هذه» المجاميع المتطرفة في الجانب الثاني التي لها هي الأخرى أمير أو مرشد وجماعات مسلحة، وكما نادت الأولى بالفقيه وولايته جاءت الثانية تنادي بالخليفة وخلافته.
هذا التأجيج المحموم بلغت ذروته في المشهد السوري الذي كان دوما يتفاخر ويزيد ويكرر باستمرار أنه هو النظام العلماني «الوحيد»، وهو النظام الحامي للأقليات، ولكنه لجأ إلى دولة طائفية «تمثله» للدفاع عنه، وإلى ميليشيا مكونة من مرتزقة طائفيين من دول مجاورة لحمايته، بل تمادى الأمر به ليشكل في الفرقة الرابعة من الجيش، وهي الفرقة الخاصة والأكثر قوة والأشد تدريبا، والتي يقودها شقيق بشار الأسد، ماهر الأسد، فرقة باسم السيدة زينب، وكتيبة باسم الحسين، وذلك في دلالة طائفية واضحة على شكل الصراع الدائر في سوريا، وأين يقف النظام حقيقة منه بعد أن سقطت كل الأقنعة وأوراق التوت.
طبعا هناك الطرح «الآخر» الذي يقول إن الصراع الكبير في الشرق الأوسط الغاية منه إيجاد مدخل جديد على آسيا الوسطى، كما كان يصرح بذلك القول مستشار الأمن القومي في حقبة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، زيغنيو بريجنسكي، الذي كان يردد دوما أن على أميركا تأمين خطوط الطاقة في آسيا الوسطى وإبقاء هذه الدول في قائمة الحلفاء؛ لأنها ضمانة أمان وحرية الطاقة ووسيلة تحييد القوتين اللتين تهددان أميركا مستقبلا؛ روسيا والصين.
في كل الأحوال، الشرق الأوسط منطقة «مثيرة» إذا كنت من المتابعين للأحداث، ففيها فضح مستمر وكشف متواصل لمن ظهرت أدوارهم وكشف الستر عن غطائهم، إيران أُجهدت حتى سقط مشروعها بعاصفة الحزم وزرعها حقدا وكرها في المنطقة لتأييدها لشخصيات ونظم مجرمة وطائفية وإرهابية، وأصبحت دولة «عدوة» بدلا من أن تكون دولة جوار محترمة.. أما عن أدواتها، مثل بشار الأسد وحسن نصر الله، فمكانهم حيث يستحقون: مزبلة التاريخ.

حسين شبكشي – صحيفة الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. العرب أثبتوا بأنهم متخلفين فكرياً وسياسياً واجتماعياً وعلى كل الأصعدة إذا ما زالوا إلى الآن يجترون اتفاقية سايكس بيكو ويحللون آثارها وحسناتها وسيئاتها وكأنها قدس القداس في الوقت الذي أصبحت فيه أوروبا دولة واحدة تستطيع عبورها من شرقها إلى غربها بدون فيزا وبدون أن يسألك أحد من أنت وإلى أين ذاهب فلم يعد الآن مهماً في أوروبا إلى أية دولة تتبع بل المهم هو حرية التنقل والتجارة ضمن إطار قانوني واحد متفق عليه ولو فعل العرب ذلك فيما بينهم فلن يعد لسايكس بيكو أو أي اتفاقية قديمة بائدة قيمة تذكر في القرن الحادي والعشرين ولكن تقوقع العرب وتخلفهم وفشلهم في إدارة بلدانهم أدى إلى إلقاء اللوم على سايكس وبيكو وما اتفقا عليه قبل 100 عام مثلما تعودوا أيضاً على إلقاء اللوم في كل فشل لهم إلى المؤامرات الضهيونية والأمريكية والإمبريالية وما إلى ذلك من ترهات .