لاجئون سوريون يؤسسون مدينة في صحراء ” مخيم الأزرق “
يبدو متجر معدات الكومبيوتر الخاص بأسامة في مخيم الأزرق للاجئين، مكتظا عن آخره بأدوات الصباغة وعلب الطلاء وفرش الرسم. تحت ضوء خافت يجلس العاملون، يشربون الشاي ويدردشون حول العمل والسياسة داخل المخيم. “العمل يسير على ما يرام” يقولها أسامة وهو يشير بيده إلى متجره “إنها فرصة جيدة في هذا المكان”. أسامة، وهو أردني ينحدر من مدينة قريبة يحمل المخيم اسمها، نجح في تأسيس 100 مشروع تجاري جديد في مخيم الأزرق.
وفي اثنين من أحياء المخيم توجد هناك أسواق متراصة من أكواخ زرقاء وبيضاء اللون فتحت لمجموعة منتقاة بعناية من رجال أعمال سوريين وأردنيين وهؤلاء افتتحوا فيها محلات لبيع الفلافل، ومحلات للحلاقة، وأخرى للبقالة.
معظم اللاجئين يعقدون آمالا كبيرة على هذه الأسواق. فحتى وقت قريب كان المكان الوحيد للتسوق عبارة عن متجر غائر يبعد بأزيد من كيلومترين عن العديد من الخيام. كما أن أسعار المواد الغذائية فيه احتكارية. ورغم طوابع برنامج الغذاء العالمي إلا أن انعدام الأمن الغذائي في أوساط لاجئي المخيم مرتفع. ويأمل سكان المخيم في أن ترفع أسواق جديدة من المنافسة في العرض والأسعار، وخلق فرص جديدة داخل المخيم. لكن من جهة أخرى تواجه هذا النوع من المشاريع مشكلة رئيسية.
“لا أحد يملك المال”، يقول باسل وهو لاجئ يعمل في متجر:”الناس لا قدرة لهم على شراء أي شيء”. وهو ما يتفق معه أسامة: “ليصرف الناس يجب أن يكون لديهم دخل وعمل، ولكن هذا غير موجود بما يكفي في المخيم”.
غياب أي ضمان فيما يتعلق بمشروع أسامة هو نموذج للتحديات الموجودة في المخيم. فالأخير أُنشأ منذ سنتين ومع ذلك ليس مزودا بعد بالكهرباء. حركة الأشخاص والمواد داخل وخارج المخيم مقيدة بشكل كبير. وجزء كبير من الاقتصاد هنا مبني على فرص العمل المحدودة التي توفرها المنظمات غير الحكومية.
وأدى تكدس اللاجئين على الحدود الأردنية إلى توافد عشرات الآلاف من اللاجئين الهاربين من الحرب السورية إلى مخيم الأزرق. بحيث تجاوز عددهم ضعف سكان المخيم. واليوم يجب تطوير المكان ليس فقط ليستوعب 50 ألف شخص بل ليصبح مأوى لهم.
التطور البطيء الذي يشهده مخيم الأزرق يعود الفضل فيه جزئيا إلى رؤية إنسانية مخطط لها بعناية ووضعت على النقيض من سابقتها في مخيم الزعتري. ففي هذا الأخير أدى توافد آلاف اللاجئين إليه في بداية الأزمة السورية إلى فوضى عارمة. إذ تكلف سكان المخيم أنفسهم، بدلا من السلطات، بتأسيس الحياة الإجتماعية والتبادلات التجارية داخل المخيم بجهودهم الخاصة. وبالفعل ازدهر مستوى الحياة والاقتصاد لكن انتشرت أيضا الجريمة والفوضى. أصبحت أعمال الشغب منتشرة و منظمة الأمم المتحدة بنفسها نقلت في تقرير لها أن الجرائم وتكوين العصابات وتهريب البشر أصبح متفشيا في المخيم.
في مخيم الأزرق ومع وجود متسع من الوقت للتخطيط، اتخذت السلطات سياسة مختلفة. “فالقرى” الصغيرة ذات الخيام الثابتة أنشات حول بنايات أساسية كالعيادات الطبية والمراكز الاجتماعية، وهو النظام الذي خلق نوعا من الشعور بالملكية وسهولة الوصول إلى الخدمات الأساسية. وإلى حد ما ساهم هذا في إنجاح نموذج مخيم الأزرق، كما تقول أولغا سارادو مور وهي المكلفة بالإعلام في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين “لم يعرف المخيم أعمال شغب، ولا توجد حتى الآن شكاوى خطيرة حول أشخاص لا يستطيعون مثلا الخروج إلى الخارج بسبب الخوف”. وتضيف:” في كل مرة تسأل فيها الناس هنا عن المخيم يقولون إنهم يشعرون بالأمان. وبالنظر إلى الأوضاع التي هرب منها هؤلاء اللاجئون تبقى هذه النقطة مهمة للغاية”.
بحسب كارلو غيراردي، مدير العمليات في المجلس النرويجي للاجئين، فإن مهندسي مخيم الأزرق كانوا يأملوان بأن الخدمات والتسهيلات مثل العيادات الطبية والفضاءات الخاصة بالأطفال ومكاتب التشغيل سوف تمكن السكان من المساهمة في نمو مجتمعهم، لكن العوامل الخارجية بما فيها منطقة المخيم النائية ووصول 60 إلى 70 لاجئ جديد يوميا، كل هذه العوامل تصعب من تحقيق تطور حقيقي.”لم يسبق أن عرفنا وضعا حرجا لهذه الدرجة”.
مقدرة الناس على التعبيرعن أنفسهم من خلال التجارة، وكسر الإحتكار وإنشاء الأسواق، ضعيفة مقارنة مع مخيم الزعتري، حيث الشوارع المليئة بالحركة توفر معظم احتياجات المقيمين بالمخيم.”لم يعد هناك منافسة”، يتابع غيراردي ويضيف: “يجب فتح الأسواق – عليك السماح للناس بمزاولة التجارة”.
المقيمون في المخيم الأزرق غاضبون بسبب قلة العرض وارتفاع الأسعار في المحلات التجارية الكبرى (سوبر ماركت)، و شح الموارد وبذلك يشعرون بتحمس أكبر للمبادرة بخلق فرصهم بأنفسهم. الأرقام توضح مستوى الحاجة في المخيم: حتى بعد التدفق الأخير: تقدم سبعة آلاف شخص لأربعمائة و خمسين وظيفة -وفقاً لمنظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة- و تم اعتماد 500 منهم لمائة محل تجاري.
يقول اللاجئون أمثال باسل إن حياتهم تغيرت بشكل كبير بعد أن بدأوا بتولي الأعمال في المخيم. في مكان ليس ببعيد عن السوق يتطوع أحمد الذي يسكن بالمخيم منذ عامين، بالعمل في مركز الحي. يقول أحمد إن العمل أعطاه أملاً بعد أن كان يشعر بالضياع و الاكتئاب. أحمد منبهر بمقدرة السوريين على العمل مع بعضهم البعض وعلى مقدرتهم على خلق شيء من لا شيء في هذه الصحراء الجرداء “علينا النجاح، وهذا ما نفعله”، يضيف أحمد.
ومع كل هذا، فإن فرص العمل لا تخفف من شعور اللاجئين بالعزلة. بالرغم من الإشارات الإيجابية ينظر أحمد نظرة متشائمة إلى مخيم الأزرق ويشعر بالقلق حيال آلاف الشباب العالقين هنا دون أن يكون لديهم شيء لعمله. لا يملكون أي شيء تجاه مستقبلهم ويعتمدون على الفرص المحدودة التي قد تتأتى لهم في المخيم.
“عندما أعود إلى وطني أعلم أني مسؤول عن حياتي. ولكن هنا، توجد سلطة مسؤولة وتتخذ القرارات بشأننا”. يقول، ويضيف” لم نعد نستطيع التحكم بحياتنا كما في السابق”. (دويتشه فيله)[ads3]
مخيم الزعتري عار على جبين الانسانية …
ويتشارك هذا العار الضيف (الذي يستسهل اللجوء) والمضيف لضعف موارده