” الدولة العميقة ” في تركيا .. علاقات سرية مع نظام الأسد

عملت تركيا خلال الشهر الماضي على تحويل منافسين قديمين إلى صديقين جديدين. ففي 27 يونيو/حزيران، أعلن مسؤولون أتراك عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد صدع دام 6 سنوات في أعقاب حادث مافي مرمرة المميت. وفي ذلك اليوم، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً عن أسفه بشأن سقوط الطائرة الحربية الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ما مهّد الطريق أمام البلدين لرأب الصدع واستعادة العلاقات.

ويتوقف مصير سوريا إلى حد كبير على إعادة ترتيب تركيا لسياستها الخارجية. فهل تستطيع أنقرة أيضاً أن تمد غصن الزيتون إلى عدوها اللدود المتمثل في نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟ تساؤل طرحته مجلة فورين بوليسي الأميركية في تقرير نشرته الثلاثاء 12 يوليو/تموز 2016.

قطعت تركيا كافة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في سبتمبر/أيلول 2011 بعدما رفض الأسد إدخال إصلاحات لنزع فتيل الاحتجاجات المتنامية ضد نظام حكمه. ومنذ ذلك الحين تقوم تركيا بدعم المعارضة السورية التي تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد وتستضيف أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.

لكن أحد الأحزاب السياسية القومية اليسارية الصغيرة حالياً يزعم – بحسب فورين بوليسي – أن أزمة اللاجئين المتصاعدة والحملة العسكرية الروسية في سوريا وسيطرة الميليشيات الكردية على الجزء الشمالي من البلاد، لا تترك لتركيا خياراً سوى التعامل مع نظام الأسد. ويزعم قادة ذلك الحزب أنهم يمررون رسائل بين مسؤولي الحكومتين التركية والسورية.

الحزب هو حزب الوطن (Vatan Partist)، وهو حركة قومية ذات نزعة مناهضة للغرب وأميركا، يترأسه دوغو بيرينجيك، السياسي الاشتراكي المعروف في تركيا، بينما يتولى الفريق إسماعيل حقي بيكين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية بالقوات المسلحة التركية، منصب نائب رئيس الحزب. ففي حديث لهما مع مجلة فورين بوليسي قال بيرينجيك وبيكين إنهما قد اجتمعا بأعضاء من حكومات روسيا والصين وإيران وسوريا خلال العام الماضي ونقلا الرسائل التي تلقياها خلال هذه الزيارات إلى كبار مسؤولي القوات المسلحة ووزارة الخارجية التركية.

وقد يبدو بيرينجيك وبيكين – وهما زعيم اشتركي وجنرال عسكري على التوالي – رجلين جمعهما رابط غريب بعض الشيء. فقد بدأ تعاونهما السياسي في السجن، حيث تم اعتقالهما عام 2011 على خلفية قضية إرجنيكون التي ادعت وجود شبكة تابعة لـ”الدولة العميقة” تخطط لانقلاب عسكري ضد الحكومة المنتخبة. ويشترك كلا الرجلين في ولائهما الشديد لمؤسس الجمهورية كمال أتاتورك ورؤيته السياسية القائمة على الالتزام الشديد بالعلمانية والقومية التركية، بالإضافة إلى رؤية مناهضة للإمبريالية تجعلهما يتوجسان من التأثير الأميركي الغربي على السياسة التركية.

ثم في عام 2016 أسقطت محكمة الاستئناف العليا التهم في محاكمات قضية إرجنيكون، وأصدرت حكمها بأن “منظمة إرجنيكون الإرهابية” لم يكن لها وجود على الإطلاق وأن الأدلة قد تم جمعها بصورة غير قانونية.

التقى بيرينجيك وبيكين بالأسد للمرة الأولى في دمشق في فبراير/شباط 2015، وخلال اللقاء أجمع الطرفان على “حاجة تركيا وسوريا إلى تضافر جهودهما معاً لقتال الجماعات الانفصالية والإرهابية المتعصبة”.

على إثر تلك الزيارة قام بيكين وغيره من كبار الضباط الأتراك المتقاعدين من أعضاء حزب الوطن Vatan Partisi – وهما الأميرال سونير بولات واللواء بيازيت كاراطاش – بزيارة دمشق 3 مرات. وذكر بيكين أنه خلال تلك الزيارات – التي تمت في يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان ومايو/أيار – التقى الوفد مع العديد من كبار القادة الأمنيين والدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين في الحكومة السورية، منهم رئيس جهاز الأمن العام السوري محمد ديب زيتون، ورئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك، ووزير الخارجية وليد المعلم، ونائب وزير الخارجية فيصل مقداد، ومساعد الأمين العام لحزب البعث السوري عبدالله الأحمر.

وكان الموضوع الرئيسي لهذه الاجتماعات، بحسب بيكين، هو “كيفية تمهيد الأرض لاستئناف تركيا وسوريا علاقاتهما الدبلوماسية وتعاونهما السياسي”.

ووفقاً لما رواه الجنرال العسكري التركي المتقاعد، فإن اجتماعه مع مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي، وصلت أبعاده بصورة مباشرة إلى أعلى مستوى بالدولة، حيث قال بيكين: “كثيراً ما كان مملوك يستئذن للذهاب إلى الغرفة المجاورة للتحدث مع الأسد مباشرة على الهاتف”.

وذكر بيكين أنه كان يوافي كبار مسؤولي وزارة الخارجية والقوات المسلحة بملخصٍ عقب كل زيارة، وأنه قد شعر بتغير تدريجي يطرأ على وجهات نظر المسؤولين الأتراك على مدار الـ18 شهراً الماضية. يقول: “ففي يناير/كانون الثاني، لم تكن تركيا مستعدة لتغيير سياستها، لكني لاحظت خلال زيارتي الأخيرة أن مسؤولي وزارة الخارجية كانوا أكثر انفتاحا ومرونة تجاه تلك القضية”.

وأكد أحد كبار مسؤولي الخارجية التركية أنه التقى ببيكين، لكنه أنكر بشدة أن تكون تركيا تتفاوض مع نظام الأسد.

وذكر المسؤول: “نعم استمعنا إلى بيكين. ونحن نستمع لملايين الأشخاص بل وحتى لسائقي الشاحنات الذين يقولون إن لديهم معلومات حساسة حول مناطق النزاع. ولكن ليست هناك أي مفاوضات خلال هذه الاجتماعات على الإطلاق”.

مع ذلك يعتقد بيكين وبيرينجيك أن القوة المتنامية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري PYD، الذي اقتتطع لنفسه منطقة كبيرة شمالي سوريا على الحدود مع تركيا فرض فيها حكمه الذاتي، قد تقنع المسؤولين الأتراك بتبني فكرتهما وموقفهما، فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري PYD تربطه علاقات قوية بحزب العمال الكردستاني التركي PKK، الذي لطالما شن حربا ضد الدولة التركية على مدار عقود وتعتبره الولايات المتحدة وأنقرة منظمة إرهابية.

ويرى قائدا حزب الوطن Vatan Partisi أن تركيا ونظام الأسد يجمعهما العدو المشترك نفسه. فقد ذكر بيرنجيك: “أخبرنا بشار الأسد أن حزب PYD منظمة خائنة وانفصالية وأنه لن يسمح بوجود مثل تلك الجماعة الانفصالية في سوريا وأن لا شك عنده في أن كلاً من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري PYD وحزب العمال الكردستاني التركي PKK هما عميلان للولايات المتحدة. سمعته يقول ذلك بأذني”.

كذلك قال بكين وبيرينجيك إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري PYD يتلقى دعماً هاماً من الولايات المتحدة وزعما أن الوسيلة الوحيدة لمواجهة ذلك هي في بناء العلاقات مع دول الجوار، بمن فيها نظام الأسد. فيقول: “تركيا تناضل ضد حزب العمال الكردستاني PKK داخلها، ولكن ذلك لا يكفي. فعلى تركيا قطع الدعم والإمدادات لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري PYD، وأن تحاربه كي تنتصر على حزب العمال الكردستاني PKK. ولقطع ذلك الدعم الأجنبي لحزب العمال الكردستاني، يتعين على تركيا التعاون مع سوريا والعراق وإيران وروسيا”.

وعلى أقل تقدير فقد تجد هذه الفكرة آذاناً صاغية عند بعض مسؤولي الحكومة التركية .

ففي حديث إلى رويترز بتاريخ 17 يونيو/حزيران قال مسؤول رفيع في حزب العدالة والتنمية الحاكم AKP، فضل عدم ذكر اسمه: “إن الأسد أولاً وأخيراً قاتلٌ يعذب شعبه، لكنه ليس مع الحكم الكردي الذاتي. قد لا يروق كلٌ منا للآخر، لكن سياستنا متشابهة في ذاك الصدد”.

غير أن عدة مسؤولين رفيعين أتراك رفضوا المزاعم القائلة إن تركيا تتجه لتغيير موقفها من نظام الأسد، فقد قال مسؤول في حديث لفورين بوليسي إن فكرة تعاون تركيا مع نظام الأسد ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD فكرة “سخيفة مثيرة للضحك”، وتساءل مستنكراً: “إن كان الأسد غير قادر على حماية الحي الذي يقطنه أساساً، فأنى له أن يساعدنا في مقاتلة PYD الذي عمل هو بنفسه على تمكينه وتقويته ضد تركيا والمعارضة السورية؟”.

لكن القضية السورية لم تكن أول مرة يضطلع فيها بيرينجيك وبيكين بدور دبلوماسي، إذ يقولان أنهما اضطلعا كذلك بدور خلال التقارب التركي الروسي.

يقول بيكين الذي زار روسيا في ديسمبر/كانون الأول بعيد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية مباشرة: “لقد التمست منا مجموعة رجال أعمال مقربين من أردوغان أن نحسّن العلاقات مع روسيا”. من بعدها عمل حزب بيكين على تقديم مجموعة رجال الأعمال إلى ألكسندر دوجين الفيلسوف الروسي شديد الوطنية المقرب من الكرملين والذي شرح أن عشم الروس كان في رؤية بضعة مبادرات وخطوات ترقى لتساوي اعتذاراً.

بعدها زعم بيرينجيك أن الاجتماع تلاه فوراً اعتقال المواطن التركي ألب أرسلان تشيليك الذي قالت روسيا إنه قتل قائد طائرتها، وقال: “أسهمنا إسهاماً كبيراً في عملية المصالحة تلك، وكلا الطرفين (أي تركيا وروسيا) أرادنا أن نكون جزءاً من تلك العملية”.

بيد أن المصادر الرئاسية قالت إنه لا معلومات لديها عن اجتماع كهذا.

طرحت “فورين بوليسي” على بيرينجيك سؤالاً حول ما إذا كان حزب الوطن Vatan Partisi يقوم بدور همزة الوصل بين تركيا وسوريا فأجاب: “لا نتلقى تعليمات وتوجيهات من أحد”. وامتنع بيكين وبيرينجيك عن استعمال لفظة “وسيط” لتعريف عملهما، بل استعاض بيكين عنه بقوله: “لقد مهدنا الطريق”.

ويرى بيرينجيك أن “هناك العديدين ضمن حزب العدالة والتنمية AKP خاصة ممن حول رجب طيب أردوغان يرون أن العداوة مع سوريا وروسيا أمرٌ غير مستدام. والواقع أن هذا هو السبب في تأليف حكومة جديدة”.

بالفعل توافقت تغيرات السياسة الخارجية التركية نحو روسيا وإسرائيل مع تغير سياسي في أنقرة، فبعد خلافات طويلة مع أردوغان استقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من منصبه في 4 مايو/أيار فخلفه بن علي يلدرم الذي أشار إلى أنه لن ينتهج سياسات سابقه.

فقد قال يلدرم أمام الأكاديمية السياسية لحزب العدالة والتنمية في الـ11 من يوليو/تموز: “لا سبب يدعونا لمقاتلة العراق أو سوريا أو مصر، بل علينا تعزيز تعاوننا مع هذه الدول أكثر”.

كذلك تغير ميزان القوة بين اللاعبين على الساحة الأمنية في تركيا. فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أن الجيش التركي بات يبسط يده على ساحة السياسة فيما تواصل القضية الكردية والتهديدات الأمنية الإقليمية تصاعدهما. فلعقود خلت تمتعت القوات التركية المسلحة بالسيطرة المباشرة على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً ونظمت 4 انقلابات عسكرية كي تصون امتيازها السياسي، ثم إن الجيش خسر نفوذه مع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، إلا أن الانفصال المرير بين حزب العدالة والتنمية وحركة فتح الله غولن المعارضة أواخر عام 2013 منح مؤسسة العسكر العتيدة شيئاً من قوتها وسطوتها القديمة.

وفي حين أن أتباع فتح الله غولن كان لهم باعٌ ونفوذ مكين في مؤسسات الدولة إلا أنه (أي يلدرم) قال: “يتم استبدال هؤلاء بأشخاص ولاؤهم للجمهورية والأمة وضد الجماعات الدينية”.

مسؤول رفيع في حزب العدالة والتنمية قال إنه “كانت هناك حوادث مؤسفة في سالف الماضي” بين الحكومة والجيش، بيد أن العلاقة بينهما الآن جيدة وطيبة، واستطرد المسؤول بالقول: “لقد تكاثف وازداد التنسيق بين الجيش والحكومة خلال الأعوام الماضية”.

من المعروف أن الجيش التركي يحذر من سياسة البلاد تجاه سوريا، فلقد قال مسؤول حكومي كبير كان من ضمن صناع السياسة التركية تجاه سوريا إن حكومة بلاده ترغب في إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا، غير أن الجيش التركي عارض هذا القرار منذ عام 2011.

وعن هذا يقول بيرينجيك: “لقد كان الجيش التركي منذ البداية يقف مع الإبقاء على الصداقات والعلاقات الطيبة والتعاون بين الدولة وبين كل من سوريا والعراق وإيران وروسيا”.

على كل حال تنفي المصادر الرئاسية ووزارة الخارجية التركية بشدة أي شائعات عن عزم تركيا تغيير سياستها حيال سوريا، قائلة إن الإطاحة بنظام الأسد يظل مطلباً وأولوية لدى تركيا. لكن مراقبين آخرين لاحظوا تغييراً في التأكيد ضمن موقف أنقرة الذي تتخذه من سوريا، فعبدالقادر سلوي الصحفي المخضرم في صحيفة (حرييت) التركية اليومية يرى أن تركيا تنتقل الآن من “عصر المثاليات” المتمثل في ولاية داود أوغلو، إلى عصر يطلق عليه مؤيدو الحكومة اسم “عصر الواقعية”. وفي هذا العصر الواقعي يرى سلوي أن الحكومة التركية ستستمر في انتقاد النظام السوري لكن مع تقليل جهودها المبذولة للإطاحة به، كما ستتعاون مع اللاعبين الراغبين بالحؤول دون إنشاء ممر كردي شمال سوريا.

والختام هو بقول سلوي: “إن وحدة أراضي سوريا هي الآن أهم عند الدولة التركية من مصير نظام الأسد”.

فورين بوليسي – هافينغتون بوست عربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. أردوغان و بشار كلاهما بيادق في يد أمريكا تحركهما كيف تشاء بدون حاجة لدولة عميقة و لا مو عميقة

  2. ١٠٠ عام العرب و الاتراك و الايرانيون يتآمرون على الاكراد و على اساس( اخوه بالدين) ولكن ان الله يمهل و لا يهمل وان شاء الله بدء ساعة الحساب وللاسف الاخوة لم يفهموا بعد لم يأخذو العبرة من العراق و سوريا، نعم سيتآمرون مرة اخرى ولكن لن يفيد الله فوق الجميع.

    1. اعنقد ان اصطلاح السلطة الموازيه اسلم من مصطلح الدوله العميقه.

  3. تقرير كاذب بامتياز معروف لدى هذه الوساءط كره الشيوعيين وحزب الشعب لجماعة العدالةفكيف التعامل معهم محاولات اجتزاء من جمل ومن خطابات وبغض النظر عن كل شيء الدولة التركية حرة بسياستها وعلينا نحن اهل الشأن تخليص بلادنا من شرذمة الاسد واتباعه واقول للاكراد كفاكم حقدا لا تقدروا على العيش بمحيط تكرهونه وبكرهكم عشيوا بكرامة ولاتبيعوا انفسكم ان كنتم اخوتنا فنحن لها وانتم منا وان كان لا فتحملوا الايام