عندما فشل الوكيل تدخل الكفيل : روسيا في سوريا مثالاً

عندما نراجع شريط ذكريات الثورة السورية على مدى أكثر من خمس سنوات، تصبح الصورة أكثر وضوحاً. ويصبح المشهد عارياً بلا رتوش. لقد سمعنا كثيراً في الماضي أن الاستعمار خرج من الباب، لكنه عاد من النافذة. ومازلنا نسمع أن الكثير من الأنظمة العربية الحاكمة ليست سوى واجهات إما للمستعمر القديم، أو للقوى الكبرى. وقد كان المفكر التونسي هشام جعيط قد وصف الكثير من الحكومات العربية بأنها ليست حكومات وطنية تمثل شعوبها أو تعمل من أجل بلادها، بل هي مجرد وكلاء لقوى خارجية في بلادها، فكما أن الشركات لها مندوبون ووكلاء عامون في كل بلدان العالم كشركات السيارات والساعات والكحول والألبسة، فإن القوى الكبرى لها وكلاء في بلادنا يسمونهم حكاماً. لقد ظللنا نسمع عن هذه الأمور، وكنا نعتقد أنها مجرد فذلكات مثقفين ويساريين، لكن الثورة السورية أثبتت ذلك بشكل صارخ.

لقد كان النظام السوري تحديداً ينعت كل الدول العربية التي تعارضه بأنها مجرد توابع لأمريكا وأنها لا تمتلك قرارها، بل هي مجرد وكالات غربية. وقد ظننا لكثرة ما سمعنا الإعلام السوري وهو يقوم بتخوين العرب الآخرين واعتبارهم مجرد عملاء للغرب، ظننا أن النظام صاحب قراره، وأن القرار الوطني المستقل الوحيد الموجود في العالم العربي هو في سوريا فقط. لكن كما هو معروف فإن حبل الكذب قصير جداً مهما طال. لقد جاءت الثورة السورية لتكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام السوري مثله مثل بقية الأنظمة مجرد وكيل، وهو لا يختلف أبداً عن الوكلاء التجاريين الذين ذكرهم هشام جعيط.

بدأت تبعية النظام لروسيا تظهر في السنوات الأولى من الثورة عبر الموقف الروسي في مجلس الأمن، فكلما كانت هناك محاولة لإدانة النظام أو اتخاذ إجراءات معينة ضده عقاباً له على ما يفعله بسوريا والسوريين، كانت روسيا ومعها الصين تلجأ فوراً إلى استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار دولي يستهدف النظام. طبعاً كانت روسيا دائماً تبرر استخدامها للفيتو لحماية النظام بأنها ضد التدخل الدولي في شؤون الدول، وأنها بذلك تحمي القانون الدولي بالدرجة الأولى، لكن مع مرور الأيام بدأنا نكتشف أن روسيا تحترم القانون الدولي كما تحترمه أمريكا تماماً، فعندما يكون في مصلحتها ترفع من شأنه، وتعتمده وثيقة قانونية، وعندما يقف عائقاً في طريق تحقيق مشاريعها تدوسه بأرجلها غير مأسوف عليه كما فعلت عندما غزت سوريا عسكرياً. ما الفرق بين الغزو الأمريكي للعراق والغزو الروسي لسوريا؟

لم يكن استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي حماية للقانون الدولي أبداً، بل كان دفاعاً مفضوحاً عن محميتها السورية وعميلها في دمشق. كما تحمي أمريكا توابعها، فإن روسيا تحمي تابعها. لقد كان الفيتو الروسي المرحلة الأولى لحماية النظام، لكن عندما بدأت الأمور تفلت من يديها، وبدأ النظام يفقد قدرته على مواجهة الثوار، لم تعد تكتفي روسيا بالفيتو، بل كان لا بد من التدخل المباشر. وقد بدأت تباشير التدخل المباشر عندما لعبت روسيا دور الوسيط بين النظام وأمريكا لتجريد سوريا من سلاحها الكيماوي الاستراتيجي. لقد كانت روسيا تعلم أنه لو بدأ الناتو بقصف النظام لربما خسرت روسيا مستعمرتها السورية إلى الأبد، فكان إذاً لا بد من التوسط للحيلولة دون انهيار تابعها في دمشق.

وبعد ذلك حاولت روسيا تزويد النظام بكل أنواع السلاح والخبراء، لا بل إنها دعمت كل حلفائه كالإيرانيين وغيرهم عسكرياً وسياسياً لحماية النظام، لكن ذلك لم يحم النظام، وعندما أصبح الثوار على تخوم الساحل السوري معقل النظام، سمعنا فجأة عن زيارة مفاجئة للرئيس السوري إلى موسكو.

وقد بدأت مفاعيل تلك الزيارة تظهر بعد أسابيع عندما بدأت روسيا تغزو سوريا غزواً عسكرياً حقيقياً، من خلال إقامة القواعد العسكرية المفضوحة في حميميم واستباحة كل الأجواء والأراضي السورية من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.

إن ما يحصل في سوريا يذكرنا بفرق المصارعة تماماً، فعندما ينهار مصارع يخرج من الحلبة، ويصعد محله مصارع جديد لمواجهة الخصم. لقد خرج النظام من الحلبة منذ زمن، وتحول جيشه إلى مجرد ميليشيا تقاتل إلى جانب الميليشيات الأجنبية التي استجلبها لحمايته، وعندما انهارت الميليشيات الإيرانية وتوابعها، جاء دور روسيا المدير الحقيقي للعبة السورية لعلها تفوز بالجولة الأخيرة وتحسم الأمر لصالحها، فتدخلت، في الحلبة كما يتدخل المصارع عندما يجد أن شريكه قد انهزم. وقد صدق المعارض السوري المحسوب على النظام لؤي حسين عندما قال لجمهور النظام: إياكم أن تظنوا أنكم انتصرتم، فأنتم مجرد توابع.

وأضاف حسين حرفياً: «من دون أدنى شك لم ينتصر النظام إطلاقا إلا ببقاء قياداته على كراسيهم. وهذا الأمر لا يحتاج لكبير جهد للتأكد منه. فالقوات العسكرية الضاربة في أغلب المناطق هي قوات غير سورية، هي «حلفاء الجيش السوري» كما يسميهم الإعلام الموالي. النظام باع نفسه وقراره وأرضه وسماءه لأي غريب مستعد أن يحفظ لقياداته كراسيهم حتى لو تحولت هذه الكراسي إلى كراس كرتونية لا يحق لها إصدار أي قرار عسكري أو سيادي، ويبقى لها قرارات أسعار البندورة والفجل».

فيصل القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. الحرب السوريه حرب بالوكالة بين المملكة السعوديه وايران على أرض سورية. النظام السوري مدعوم من قبل إيران، روسيا، حزب الله وميليشيات العراقية. داعش مدعومة من تدفق الجهاديين من أنحاء العالم. الثوار مدعومون من قبل المملكة السعوديه ودول الخليج، تركيا، الأردن، والولايات المتحدة. لانزال نتحدث بالإعلام عن الحرب أو الأزمة السورية، وهذا يجعلني أتساءل: ماهو سوري للغاية في الحرب السورية؟ إنها حرب على أرض سوريا، حيث أن أكثر من 50% من الشعب السوري قد تم تهجيره وأكثر من 220 ألف قتل وأكثر بكثير مصاب أو في المعتقلات. تبعا لمنظمة العفو الدولية، أكثر من 12.8 مليون سوري بحاجة إلى “مساعدة إنسانية ملحة”. بالإضافة إلى هذه الكارثة الإنسانية، معظم الأرض والبنى التحتية السورية قد تم تدميرها. وتبقى الحقيقة أنه لايوجد تقريبا مواطن سوري واحد لم يتأثر بالأزمة، حيث تم ترك سوريا في حرب دموية مع عدم وجود احتمالات للحل في الأفق. فما هو السوري حول الحرب السورية؟ ربما ليست سوى الكارثة الإنسانية.

    1. تحليل ساذج للأمور وسطحي . . الكلام المذكور سبقته الأحداث وأصبح جزئا من الماضي . . هذا اضافة الى أن كاتب التعليق سار على منهج جميع السفلة الذين يساوون بين الضحية والجلاد

  2. النظام السوري أتى الى الحكم في سوريا بتوافق أمريكي / روسي / فرنسي / اسرائيلي من أجل 3 أهداف :
    1- حماية حدود اسرائيل من المقاومة الحقيقية و أصحاب العداء العقائدي معها ( أهل السنة و الجماعة )
    2- محاربة الاسلام و المسلمين و منع وصولهم الى حكم سوريا
    3- نهب ثروات سوريا و ارسال خيراتها الى بنوك من أوصلوه الى الحكم
    4- منع أي نهضة حقيقية في سوريا لتظل دولة ضعيفة متخلفة

  3. هاد المقال كله مشان سعر البندورة والفجل ” داريا شو وضعها؟

  4. هيدا الزلمة عميضحك على الناس ، الدول العربية كلها من المحيط الى الخليج بدون استثناء دول متخلف غير قادرة على النهضة وحكم ذاتها بذاتها بدون مساعدة خارجية ، حتى الامارات وهي اكثر دولة عربية متطورة ((اعلامياً)) ، لم ترقى بسواعد ابناءها بل بالخبرات والعقول الغربية ، وهو بنفسه لماذا فركها على بريطانيا وجالس ينظّر علينا الان ووقت الجد ولو انتهى عقده في قطر لن يذهب الى سوريا بل الى بريطانيا ، افضل حل لهذه الشعوب هي استقدام ادمغة غربية ووضعهم في مناصب حساسة وتجنيسهم مثل اوكرانيا تمام حيث اتوا بعقل امريكي وجنسوه ووضعوه وزيرة مالية اوكرانيا ، هل نحن عاجزين ومتخلفين نعم والف نعم وما تكابر شوف ابناء الاغنياء وعلية القوم كل اولادهم يدرسوا ببلاد برا ، مافي شي هون على الارض يا حكم عمتضحك على حالك ، بالنهاية من وضعهم ليس الخارج بل الشعب نفسه وهم استغلوا تخلفه وعدم اداركه بحقوقه فحكموه ، فثورة عبد الناصر وكل هذا الجيل ضد الاستعمار نجحنا في طرد الاستعمار ولكن لم يستطيعوا تطوير الشعب ابداً ليس بسبب التآمر بل بسبب العجز وقلة المعرفة والعلوم