الانقلاب الفاشل في تركيا يؤثر سلباً في العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا
اتسمت العلاقات السياسية الأوروبية – التركية والألمانية – التركية بالتشنج بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا منتصف تموز (يوليو) الماضي. وانعكس التوتر سلباً على العلاقات الاقتصادية المتطورة بين أنقرة وبروكسيل، وبين أنقرة وبرلين، على رغم التحسن الطفيف الذي طرأ عليها أخيراً.
وفي حين اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوروبا والغرب بالتزام الصمت طويلاً قبل التنديد بالانقلابيين وترددهما في دعم الشرعية، نفت الدول الغربية، وتحديداً ألمانيا، هذا الأمر وانتقدت الاعتقالات والتسريحات من دون محاكمات التي طاولت أكثر من 80 ألف شخص في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والتعليم وقطاع الاقتصاد، بما يتنافى مع دولة القانون قبل فرض حال الطوارئ وبعدها.
وحذر الاتحاد الأوروبي أنقرة من أن تعديل الدستور لإعادة حكم الإعدام سيؤدي إلى وقف المفاوضات معها لدخول الاتحاد الأوروبي، لتردّ الحكومة التركية على ذلك بالتحذير من أن عدم منح بروكسيل المواطنين الأتراك تأشيرة دخول مفتوحة لدخول دول الاتحاد الأوروبي بدءاً من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، فستوقف العمل باتفاق تنظيم هجرة اللاجئين السوريين وغيرهم المتواجدين على أرضها إلى أوروبا.
ومعروف أن بفضل وجود جالية تركية كبيرة في ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضي، يصل عددها اليوم إلى ثلاثة ملايين تركي، وعلى خلفية العلاقات التاريخية بين البلدين وخوضهما الحربين العالميتين الأولى والثانية في تحالف مشترك، ازدهرت العلاقات الاقتصادية بينهما في شكل غير مسبوق في أوروبا. لكن هذه العلاقات تواجه اليوم تحدياً كبيراً مع تخوف المستثمرين الألمان من أن الطريق الذي تختطه أنقرة منذ فترة سيؤدي إلى انتهاء الازدهار الذي شهدته البلاد في السنين الـ 10 الأخيرة، ما سيجعل الاستثمارات الألمانية والسيّاح الألمان يتفادون تركيا.
ويرى خبراء ألمان أن مصالح الشركات الألمانية ستتأثر بدورها، خصوصاً أن تركيا كمستورد للبضائع الألمانية تُعتبر أهم لألمانيا من روسيا أو اليابان. وعلى سبيل المثال، صدّرت ألمانيا إلى تركيا العام الماضي سلعاً بقيمة 22.4 بليون يورو، واستوردت منها ما قيمته 14.5 بليون. وثمّة استثمارات ألمانية مباشرة في تركيا تقدر بـ 9.2 بليون يورو، كما تنشط فيها نحو ستة آلاف شركة ألمانية بدأت تتخوف الآن على أعمالها في ظل أجواء متشنجة لا تترك مجالاً للتفاؤل بعودة الأوضاع سريعاً إلى طبيعتها، ما سيساهم في خنق الاقتصاد التركي.
وتبدو هذه الظاهرة جلية اليوم في القطاع السياحي التركي، إذ طاول الإغلاق مؤسسات سياحية عدة، فمن أصل 5.6 مليون سائح ألماني قضوا عطلهم في تركيا العام الماضي، لم يجرؤ سوى عدد قليل منهم على تمضية عطلته هناك بعد محاولة الانقلاب، كما ساهمت الحرب التي أعلنها أردوغان على «حزب العمال الكردستاني» والتنظيمات الكردية الأخرى والتفجيرات الانتحارية، في إخافة السياح. ويعتقد خبراء ومراقبون أن تركيا، التي حققت العام الماضي معدل نمو بلغ أربعة في المئة وقبل ذلك معدلات وصلت إلى 4.7 في المئة، لن تتمكن هذه السنة وفي السنوات المقبلة على الأرجح من تسجيل معدل مماثل.
وإضافة إلى ذلك، سيواجه البلد مشكلة العجز المقلق بين وارداته وصادراته، ما سبق لصندوق النقد الدولي أن حذر منه في تقـــرير، مشيراً إلى أن قيمة الواردات تتجاوز قيمة الصادرات بما نسبته أربعة في المئة. ولحظ أيضاً أن اقتصاد تركيا «لن يتحمل صـــدمات خارجية، والمحذور الأكبر لتركيا يكمن في تسارع هروب رؤوس الأموال».
ولفت خبراء إلى وجود إشارات سابقة على الانقلاب الفاشل الأخير تفيد بأن الازدهار الاقتصادي في تركيا لن يستمر طـــويلاً، لذا توقعوا أن تضع التداعيات التي نجمت عن التطورات السلبية الأخيرة حداً لهذا الازدهار. ولجأت وكالتي التصنيف الدوليتين «ستاندرد أند بورز» و»فيتش» إلى خفـــض قيمة سندات الدولة التركية إلى درجة الصفر تقريباً، وإلى خفض الفعالية الاقتصادية إلى مستوى «ب ب ب» أيضاً.
واعترف رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم في تصريح أن تركيا لن تنجح في تحقيق هدف النمو المحدد هذه السنة والبالغ 4.5 في المئة، من دون أن يحدد نسبة النمو المتوقعة. وتواجه الليرة التركية منذ فترة ضغوطاً كبيرة خفّضت قيمتها، بينما يشير خبراء إلى أن الوضع العام المضطرب في البلد سيساهم في تراجعها أكثر، خصوصاً مع تنامي ظاهرة هروب الرساميل ومدخّرات المواطنين إلى الخارج، ما سيرفع الأسعار ويزيد غلاء المعيشة.
لكن وزير الاقتصاد التركي محمد شيمشيك توقع «أداءً اقتصادياً قوياً» خلال العام الحالي في ظل البرنامج الاقتصادي المتوسط المدى الذي أعلنه أخيراً ورفع بموجبه توقعات النمو لعام 2015 من 3 إلى 4 في المئة. وأضاف، من دون إظهار بيانات داعمة، أن نسبة النمو المتوقعة لعامي 2016 و2017 ستبلغ نحو 5 في المئة، مكتفياً بالقول إن «الانتعاش الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي معتدل، وهذه أخبار جيدة لتركيا لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لها».
وأضاف أن «التضخم سينخفض وفقاً للبرنامج الاقتصادي عن المعدل السنوي الحالي المقدر بـ 8.81 في المئة»، موضحاً أن هدف التضخم عام 2015 كان 7.5 في المئة، وعام 2017 نحو 6 في المئة، وعام 2018 نحو 5 في المئة على المدى المتوسط. وأشارت مصادر إلى أن هذه الأرقام أقل من التوقعات السابقة. (الحياة)[ads3]