رياض الأطفال .. هدية من ألمانيا إلى أمهات العالم !
نظرت المشرفة في إحدى رياض الأطفال النموذجية إلى ابني الصغير الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات متفحصةً عمره البيولوجي، وناولته قطعة سكّر ، ثمّ قالت لي: “حرام ..لا تسجليه الآن في الروضة، لأنّه يبدو صغيراً وما زال بحاجة للبيئة المنزلية!”
تفاجأت من رأيها الذي يتناقض مع قيمة وفكرة إنشاء رياض الأطفال، وأوضحتُ لها أنّ لا علاقة بين نموه الجسدي وقدرته على التفكير. قلتُ بانفعال- مؤكدّة على أهمية عدم التقليل من شأن الطفل وقدراته وطاقاته- إنّ ” طفلي يتميز بذكاء اجتماعي، ولغوي، وبصري، وحركي، وعاطفي،” وأضفتُ مشدّدة على رغبتي في التحاقه بالروضة: “طفلي اتقن فن سرد قصة متكاملة العناصر من وحي خياله قبل أن يتم سن الثالثة..أنا أريده أن يلعب فقط!”
عندما يتذكّر أحدنا اليوم الأول في الروضة، فإنّ أول شيء يخطر على باله فوراً، اللحظة التي أمسك فيها بطرف ثوب أمّه، يبكي، ويصرخ، ويريد العودة إلى المنزل، فيما يشعر البعض الآخر بالدهشة للانتقال إلى عالم جديد.
من المعروف، أنّ أصل فكرة “الكيندر غارتن” أي ما معناه حرفياً “حدائق الأطفال” انبثقتْ من ألمانيا للمؤسس فردريك فروبل في العام 1838، وكان فروبل يرى أنّ الطفل كالنبات يحتاج إلى بستاني جيد أي المربي الجيد حتى ينمو بشكل صحيح، وعليه لم يكن اختيار فروبل لاسم مدرسته الأولى “كيندر غارتن” عبثاً، بل جاء يؤكد انّ الطفل مكانه الحديقة وليس مبنى المدرسة.
وبحسب رأيه، فإنّ فكرة رياض الأطفال تقوم على تحفيز الطفل للتعبير عن نفسه بهدف تطوير مراحل النمو لديه، ومن أجل تحقيق ذلك يجب الاهتمام بميوله الذاتية الطبيعية وتطويرها، وكل ذلك يتم عن طريق اللعب، والحركة، والغناء، والاستماع إلى القصص.
انتشرت مبادئ فروبل في أنحاء مختلفة من العالم، حتى لا تكاد ترى شارعاً يخلو من رياض الأطفال، وذلك لأهميتها في التنشئة الاجتماعية للطفل. وتؤكد أسس التربية الحديثة للأطفال، على أنّ سنوات الطفولة المبكرة بين 3 و6 سنوات يجب أن تقتصر على اللعب، والأنشطة الحركية، والبصرية التفاعلية بين الأطفال. ورغم من تلك المبادئ، إلّا أنّ الكثير من رياض الأطفال حالياً تخالف قوانين وزارات التربية وتفرض مناهج تعليمية وكتب مدرسية، وقد تتمثل إحدى تلك الأسباب بالضغط الذي يمارسه الأهل على إدارة رياض الأطفال، لاعتقادهم الخاطئ بأنّ تدريس الطفل بشكل مكثف في هذه السن المبكرة سينمي قدراته المعرفية، ويزيد من مخزونه اللغوي والمنطقي، سواء الكتابة أو القراءة او تطوير مهاراته في حل المشكلات الحسابية.
فروبل أراد أن يحثّ الأمهات والآباء على أن يمنحوا أطفالهم الفرصة للاستمتاع بأجمل مراحل طفولتهم، من خلال تجاربهم الذاتية التي تتمثل باللعب، والحركة، والغناء، والتعبير عن الذات، والتفاعل بين أقرانهم، والتي هي أفضل الوسائل التعليمية والتربوية في هذه السن. وأكدّ على ضرورة تنمية مواهبهم باتباع وسائل تعلمية ذاتية تفاعلية أساسها اللعب.
مع مرور الوقت، أصبحت أكثر اقتناعاً من خلال تجربتي بتربية أطفالي أن مبادئ فروبل أكثر منطقية وفعالية مقارنة بمبادئ خبراء التربية الذين جاءوا فيما بعد يدعون إلى تطبيق المبادئ التعليمية على الأطفال الذين يبلغون من العمر ثلاث سنوات. وتسبب هذا التحول في أصل الفكرة إلى زيادة العبء على كل من البستاني والنبتة، حيث انخفضت نسبة اهتمام معلمي رياض الأطفال بالتنشئة والتنمية الاجتماعية للطفل والتواصل مع الأهالي كما كان الأمر في السابق.
والجدير ذكره، بأنّ ما يتعلّمه الطفل في فترة رياض الأطفال سيعاد تكراره في الصف الأول الابتدائي، لذلك فإن هذه الفترة تعتبر بمثابة مرحلة انتقالية سلسة من بيئة المنزل إلى بيئة المدرسة، خصوصاً أنّ الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لا يحتاج إلى مبادئ علمية معقدة، بل إلى الارتواء والشعور بالشبع في مرحلة في حياته كإنسان، وخصوصاً أن هذه المرحلة لن تعود يوماً وستبقى في الذاكرة.
ليلى سلامة – CNN[ads3]