عن مراسل ” بي بي سي ” في دمشق

هل يؤثر على مصداقية قناة مثل «بي بي سي» العربية أن يظهر مراسلها في سوريا، في صورة تذكارية ضاحكًا متخففًا من ثقل موقعه المهني، وإلى جانبه ضباط في الجيش السوري، وذلك مباشرة بعد انتهاء معركة الحصار على أحياء حلب الشرقية، مع كل ما يعنيه ذلك من مسؤولية مباشرة للنظام السوري عن حصار وتجويع وقتل آلاف من السوريين، في حين أجبر من بقي حيًا منهم على مغادرة بيته ومدينته؟!

الجواب بديهي ولا يحتمل تأويلات مهنية. في محطات عالمية جرى إنهاء تعاقد مع صحافيين ومقدمين كبار ومعروفين، لمجرد أنهم أبدوا موقفًا حيال طرف ما في تعليقات عابرة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فكيف يكون الحال مع ممثل مؤسسة كبرى يتبادل الصور التذكارية مع ضباط جهة ارتكبت ولا تزال فظاعات.

طبعًا يحق للصحافي ولأي مؤسسة أن تسعى لتغطية حدث وملاحقة طرف، مهما كانت حقيقته وممارسته عنيفة وسلبية، لكن السؤال دائمًا هو كيف تتم هذه المقاربة المهنية؟!

وهنا يجوز السؤال، خصوصًا أن حادثة الصورة لم تأتِ من فراغ، بل هي تتوج أداءً ملتبسًا إلى حد الانحياز المباشر للنظام في أحيان كثيرة، لتغطية مراسل القناة للداخل السوري، والأمثلة على هذا كثيرة سجلها متابعون وعاملون داخل المحطة، دون أن يجدوا تفسيرًا لهذا الصمت على تجاوزات كثيرة.

لقد سبق للمراسل نفسه أن غطى حصار داريا بصفته مسؤولية معارضي النظام، وهذه مغالطة فاضحة تدحضها الحقائق وتقارير المنظمات الدولية على أقل تقدير. والقناة نفسها اعتذرت في حادثة شهيرة عرضت خلالها تقريرًا مصورًا عن حلب، قالت فيه إن المعارضة هي التي كانت تقصف، مستخدمة صورًا من مناطق المعارضة على أنها صور في مناطق سيطرة النظام. لاحقًا عرضت تقريرًا ذكرت فيه مقتل 44 مدنيًا في قصف لفصائل المعارضة على مناطق سيطرة النظام في حلب، لكنها استخدمت صورًا ومقاطع فيديو لمجازر ارتكبها طيران النظام وحليفه الروسي في أحياء تسيطر عليها فصائل المعارضة. هذا فضلاً عن التقارير الميدانية للمراسل التي غالبًا ما تموه دور النظام وتحيده، ولا تنسب إليه شيئًا من فظائعه.

هناك من يبرر هذه الممارسة الإعلامية بأنها ناجمة عن رغبة المحطة في الوجود داخل سوريا، ولو بشروط النظام. لكن في الحقيقة، فإن هذه الوقائع يصعب هضمها بتبرير هزيل من نوع حيازة الحصول على تصاريح عبر ستارة النظام. فحين ترتكب فصائل من طراز «داعش» أو «النصرة» جريمة أو مجزرة تنسب لها القناة جريمتها، وهذا ضروري، لكن لا يحصل الأمر نفسه مع النظام. مثلاً يمر شريط أخبار في أسفل الشاشة وعليه «مقتل 100 سوري في غارات على حلب»، من دون ذكر أن هؤلاء الضحايا سقطوا بسبب قصف النظام.

هذا الوضع الملتبس يصبح محط سخط مضاعف، حين يصدر عن محطة عالمية كـ«بي بي سي»، وهي محطة تقدم نفسها بصفتها مستقلة ومتمايزة. من هذا المنطلق علينا أن نطرح تساؤلات حقيقة حول «الحياد» في تغطية على هذا القدر من التعقيد والأهمية، كالوضع السوري.

ديانا مقلد – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. والله لم أعد أستطيع التمييز بين من هم فعلا أصدقاء الشعب السوري وبين من هم الأعداء الحقيقيين حتى قول الحقيقة بخلت فيه علينا هذه هذه المحطات التي تدعي المهنية والاستقلالية ٠ ما هذا العشق الغريب بين العصابة الحاكمة في سوريا والإعلام العالمي ٠ اذا قالوا الحقيقة مرة في الصباح يعتذرون عنها مساء ٠ كما قلنا لانها ثورة شعب حقيقية سوف تقف حكومات العالم واولها الدول العربية ضد هذه الثورة وليس لنا الا الله انه نعم المولى ونعم النصير ٠

  2. كل من يعمل بمهنية يجب أن يختار المكان المناسب ليبث الحقيقة ..و ليس تناقل روايات كاذبة من التنسيقيات من سابق و من المرصد السوري حاليا…من أراد المصداقية فليكون في قلب الحدث و ليس قلب من يدفع اكثر