اعتقل لدى النظام و داعش .. ناشط إعلامي يتحدث عن تجربته في حلب منذ اندلاع الثورة حتى اليوم

خلال خمس سنوات من نزاع مدمر، تتالت المآسي في حياة مراسل وكالة فرانس برس في حلب كرم المصري: من سجن لدى النظام الى اعتقال لدى تنظيم الدولة الاسلامية، ومقتل والديه في غارة جوية، وصولا الى حصار حلب وما يرافقه من جوع تحت وابل من القصف لا يرحم.

في ما يأتي شهادة كرم المصري، المراسل والمصور في الاحياء الشرقية من حلب، يروي فيها معاناته ومعاناة هذه المدينة المقسمة منذ 2012 بين أحياء واقعة تحت سيطرة المعارضة وأخرى تحت سيطرة قوات النظام.

“عندما بدأت الثورة في 2011، كنت في العشرين من عمري. بعد شهرين أو ثلاثة، تم اعتقالي لدى فرع الامن السياسي التابع للنظام. بقيت شهرا كاملا في الفرع من ضمنها أسبوع داخل زنزانة منفردة طولها متر وعرضها متر، في ظروف قاسية. بعد شهر، خرجت مستفيدا من أول عفو عام في 2011.

بداية الثورة كانت عبارة عن تظاهرات سلمية، لم يكن هناك قصف… الخطر كان يتمثل اما بالاعتقال وإما بالوقوع ضحية قناص في الشارع.

في 2012، انقسمت حلب بين شرق وغرب. في 2013، خطفت على يد داعش. كنت في سيارة إسعاف مع اثنين من رفاقي، أحدهما مسعف والآخر مصور. تم اقتيادنا الى جهة مجهولة. كانت تجربة سيئة جدا، أسوأ من تجربة سجون النظام. كانت الظروف قاسية جدا جدا.

بعد ستة أشهر، خرجت ورفيقي المصور بموجب “عفو”، أما رفيقنا الثالث، المسعف، فقد تمت تصفيته بعد 55 يوما من الاعتقال. ذبحوه، قطعوا رأسه وصوروا العملية بالفيديو وعرضوه علينا. قالوا لنا: “هذا رفيقكما قطعنا رأسه وأنتم قريبا سيحصل لكما الأمر نفسه”.

أرهبونا، عشنا على أعصابنا طوال فترة السجن. كل يوم كنت أقول لنفسي: غدا سيأتي دوري، بعد غد سيأتي دوري.

– 165 يوما في سجن “داعش” –

أمضيت تقريبا 165 يوما في السجن لدى داعش، لا أنسى منها يوما واحدا، التفاصيل كلها محفورة في ذاكرتي. خلال الأيام ال45 الاولى، كانوا يعطوننا كل ثلاثة أيام وجبة طعام عبارة عن رغيف خبز أو ثلاث حبات زيتون أو بيضة مسلوقة واحدة. كانت المعاملة سيئة جدا. لا أذكر أنني رأيت في سجن داعش أي عنصر تابع للنظام او أي “شبيح”. كل السجناء كانوا معارضين وقادة وعناصر في الجيش الحر وصحافيين.

تعرضت للتعذيب عند النظام وعند داعش. التعذيب عند النظام كان أقسى بالنسبة إلي لانهم كانوا يطلبون مني “اعترافات”. بينما لدى داعش لم يكن هناك أي سبب ليعذبوني. كانت التهمة جاهزة. عندما خطفوني كانت معي آلة تصوير، وبرأيهم من يحمل كاميرا هو كافر ومرتد. حكموني إعدام مباشرة من دون أن يحققوا معي. لذا كان التعذيب أقل نوعا ما.

خسرت عائلتي في بداية 2014. كنت لا أزال معتقلا لدى داعش. نزل برميل متفجر على بيتنا، تهدم المبنى بالكامل، لم ينج أحد من سكان البناية وبينهم أهلي.

لم أعرف بخبر استشهادهما إلا عندما خرجت من السجن. كنت متوجها الى المنزل، فحاول رفاقي منعي من ذلك، ثم اخبروني بما حصل. بقيت شهرا كاملا محطما نفسيا ويائسا من الحياة.

خلال أشهر السجن، لم يعرف أهلي عني شيئا، ولم أعرف عنهم شيئا، خرجت ولم أجدهم. كانوا ينتظرون خبر فك أسري، وفي النهاية، لم يفرحوا بخروجي من السجن.

عندما بدأ الحصار على الأحياء الشرقية في حلب في 2016، كنت في الخامسة والعشرين. بالنسبة إلي، وبالمقارنة مع السجن وخسارة عائلتي، لم يكن الحصار شيئا.

قبل الثورة ، كانت حياتي عادية جدا وبسيطة جدا. كنت طالبا في جامعة حلب أدرس الحقوق. كان لدي أهل، وكنت ابنهم الوحيد. لقد خسرت كل شيء، خسرت عائلتي، خسرت جامعتي. أحنّ خصوصا الى أهلي، الى أمي وأبي، خصوصا الى أمي التي أتذكرها تقريبا كل يوم، وأراها أحيانا في أحلامي.

أنا أعاني كثيرا بسبب هذا الغياب. أعيش وحدي وليس لدي أحد. خسرت معظم أصدقائي الذين قتلوا أو غادروا سوريا.

– البقاء على قيد الحياة –

حياتي منذ ان بدأ القصف على حلب مجرد هروب ومحاولة للبقاء على قيد الحياة. كما لو أنني أعيش في غابة وأسعى الى أن أبقى حيا لليوم التالي. هروب من القصف، هروب من البراميل… عندما تكون الطائرات في الجو، أحاول الهرب الى بناية بعيدة. وعندما يبدأ القصف المدفعي أنزل الى مدخل الأبنية.

قبل الحصار، كنت أعتمد على محلات بيع الطعام الجاهز. مع الحصار، كل هذه المحال أقفلت. لا أعرف كيف أطبخ. يمر علي أحيانا يوم كامل آكل خلاله وجبة واحدة او لا آكل. أجول في حلب الشرقية منطقة منطقة حتى أجد علبة مرتديلا او ما شابه. قبل الحصار، كنت أمضي يومي خارج المنزل أبحث عن مواضيع لتصويرها. مع الحصار، لم اعد اقوى على الحركة كثيرا، لأنني أشعر بالجوع بشكل كبير، صرت ألازم البيت أوقات طويلة.

فكرة التصوير راودتني عام 2012. كنت أصور بالهاتف الخليوي، وكان هدفي حينها أن أنشر المقاطع على يوتيوب وأكشف للناس ان عندنا ثورة وليسوا عشرة اشخاص إرهابيين يخرجون الى الشارع، كما يدعي النظام. لا، كانت هناك ثورة وناس لا يريدون هذا النظام ويريدون الحرية والعدالة والديموقراطية.

في 2013، بدأت العمل مع وكالة فرانس برس كمصور فيديو، ثم كمصور، ثم كمراسل. وتحسن مستواي تدريجيا. بدأت أتابع القنوات الاخبارية بشكل أكبر وأتابع المصورين الأجانب وزوايا اللقطات التي يقومون بها، وأحاول تقليدهم. بعدها تعلمت.

لم أكن أتوقع يوما ان أعمل في الصحافة او أحمل كاميرا، لكن مع الوقت أحببت هذه المهنة. أحترم هذه المهنة كثيرا وأتعامل معها بصدق. حتى لو أن ميولي مع المعارضة وأقيم في مناطق المعارضة، ولو أنني من الذين خرجوا في تظاهرات ضد النظام، لكنني أحاول قدر الامكان أن انقل الحقيقة ولا أنحاز الى المعارضة. اذا كان هناك خطأ من المعارضة أحاول تسليط الضوء عليه.

مشاهد المجازر، الاطفال تحت الركام، الجرحى، الاشلاء… كلها باتت أمورا عادية. أتذكر في نهاية 2012، عندما رايت رجلا رجله مقطوعة، اصبت بدوار وسقطت أرضا. فقدت وعيي ولم أتحمل رؤية الدم. اليوم، عندما أرى الأشلاء والدم، كأنني لا أرى شيئا. بات أمرا طبيعيا بالنسبة إلي.

حاليا، أصعب شيء بالنسبة إلي هو الذهاب الى منطقة بيتي القديم. منذ خروجي من الاعتقال في العام 2014، لم اذهب الى مكان البيت. هي المنطقة الوحيدة في حلب التي أفضّل ألا اعود إليها”. (AFP)

مواضيع متعلقة :

ناشط إعلامي حلبي يفوز بجائزة للتصوير الصحفي الدولي في اليابان

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. كل التقدير والاحترام لك ايها الشاب ولا املك الا الدعاء لك ورجائي لمن يقدر على المساعدة الا يتردد في ذلك
    نعرف الكثير عن سجون النظام لانه لا اظن الا ان مواطنا سوريا واحدا الا وقد زارها يوما او عرف شخصا زارها كصديق او قريب وسمع منهم الكثير
    وما لفت نظري في كلام هذا الشاب ان سجون داعش كان كل روادها نن الجيش الحر والمعارضة والصحفيين والمسعفين وعدم وحود اي شبيح او عسكري نظامي او مخبر ومتعاون مع هذا النظام المجرم وهذا يؤكد ما يقال عن داعش انها صنيعة النظام وايران وكل يوم نرى دليلا يؤيده دليل
    اما عن سوء معاملة داعش للمساجين فيؤكد عدم انتماء هؤلاء من قريب او بعيد للدين الاسلامي الحنيف الذي يرفض ذلك ويطلب من الجميع حسن المعاملة ووجودهم له هدف واحد هو الاساءة لهذا الدين واحضار كل قوى العالم لمحاربته