حلب التماس الأميركي – الروسي
هل تذهب واشنطن في خياراتها السورية الى حد الاصطدام العسكري المباشر بروسيا؟ هذا هو السؤال المركزي الذي يتردد منذ تعليق الاتصالات الاميركية – الروسية حول وقف النار في سوريا وبدء النظام مدعوماً بغطاء جوي روسي عملية استعادة الاحياء الشرقية من حلب. وهي عملية إذا ما نجحت من شأنها أن تزيل خطوط تماس نشأت في المدينة منذ عام 2012، وتعزز موقع دمشق في خريطة أي حل سياسي مقبل.
وعندما قالت الولايات المتحدة إنها تدرس “كل الخيارات” في سوريا، سعت الى اعطاء انطباع أنها قد تلجأ الى توجيه ضربة عسكرية الى الجيش السوري، لتسود أجواء شبيهة بتلك التي سادت في أيلول 2013 عند الحديث عن عزم واشنطن على اللجوء الى الخيار العسكري بعد اتهام المعارضة السورية والغرب النظام باستخدام أسلحة كيميائية في الغوطتين الشرقية والغربية. وانتهت حال الاستنفار التي اعلنتها أميركا باقتراح روسي لتفكيك دمشق ما تملكه من أسلحة كيميائية.
اليوم تقوم حلب مقام الاتهامات باستخدام الاسلحة الكيميائية مع فارق أنه عام 2013 لم تكن روسيا منخرطة بهذا الحجم في سوريا لا سياسياً ولا عسكرياً. وعليه فإن أية ضربة عسكرية أميركية حتى لو استهدفت مواقع سورية بعينها، سيكون المتضرر منها أيضاً روسيا في دورها السوري وبمكانتها الدولية.
وسيتحول أي عمل عسكري أميركي ضد الجيش السوري استطراداً الى استهداف ليس للنظام السوري فحسب وإنما للدور الروسي في سوريا. لذلك تحشد روسيا مزيداً من قواها الجوية والبحرية ليس بالضرورة من أجل خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة. لكن هذا الحشد العسكري يمكن أن يبعث برسالة واضحة الى واشنطن عن التبعات التي يمكن ان تترتب عن بدء أميركا مرحلة جديدة في الحرب السورية تقوم على انخراطها العسكري المباشر في إضعاف النظام عسكرياً تمهيداً لفرض تسوية سياسية عليه.
وهذا ما تسعى روسيا الى منع حصوله منذ قررت في 30 أيلول 2015 إرسال مقاتلاتها لوقف تقهقر النظام أمام فصائل المعارضة “المعتدلة” والجهادية. وكانت رسالة الرئيس الروسي واضحة من حيث اتخاذه قراراً استراتيجياً بالدفاع عن مصالح روسيا في سوريا ومنع سقوطها في يد الغرب أو تحولها الى ليبيا أخرى.
وإذا كان التدخل العسكري الروسي فاجأ واشنطن وأعاق اسقاط النظام السوري وهو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اليه الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، فإن العودة الاميركية الى الخيارات العسكرية المباشرة، تترتب عليها مخاطرة الاصطدام المباشر مع روسيا، وهو اصطدام اذا ما حصل لن تقتصر مساحته على سوريا.
وربما كان من شأن أخذ هذا الأمر في الحسبان أن يردع أميركا ويجعلها تعود الى السياسة!
سميح صعب – النهار[ads3]