ناج من قنبلة هيروشيما قلق على حلب

ساداو ياموتو أحد «المحظوظين» في مدينة هيروشيما اليابانية كونه نجا مصادفة من القنبلة النووية، يأمل بأن تكون حلب «محظوظة أيضاً» ويأتيها السلام كي «تولد مع بقية سورية من جديد مثل اليابان»، لكنه في الوقت نفسه قلق من «غموض» النيات الروسية.

ياموتو كان عمره ١٤ سنة عندما ألقت طائرة أميركية في ٦ آب (أغسطس) ١٩٤٥ القنبلة على وسط هيروشيما، لكن ذاك «اليوم العظيم» حاضر معه إلى الآن ويستطيع أن يحكي ساعات عن كل لحظة منه بأريحية وسلاسة، بل إنه كرس العقود الأخيرة من عمره البالغ ٨٥ سنة، للحديث عن «الدروس المستفادة من الحرب وإمكانية الولادة من جديد».

يجلس على كرسي ويضع على طاولة أوراقه وخرائطه وكمبيوتره لعرض «سلايدات» خرائط ورسومات. ويقول لـ «الحياة» إنه كان «محظوظاً لمرات عدة»، إذ إن مدرسه أخبره وزملاءه مساء الخامس من آب أن لا يأتوا إلى المدرسة وأن يذهبوا إلى الحقل شرق المدينة. مدرسته كانت على بعد ٦٠٠ متر من مركز هيروشيما، حيث ألقيت القنبلة في حين يبتعد الحقل 2.5 كيلومتر. نجا هو وزملاؤه في الصف، في حين قتل زملاء الصف الأصغر الـ ٣٢١ وأساتذتهم الأربعة.

يتذكر أنه على غير العادة شاهد ثلاث طائرات كبيرة تأتي في النهار من طرف المياه إلى هيروشيما. ظن أنها طائرات استطلاع جاءت إلى المدينة التي كانت واحدة من المدن التي لم يقصفها الأميركيون كما فعلوا مع ٢٧ مدينة أخرى خلال الحرب. يرتب نظاريته وسماعة أذنه اليسرى حيث تعرّض جانباً من وجهه إلى حروق ويقول: «نظرت إلى السماء فإذا بالطائرات تعود بسرعة من المدينة. استغربت ثم سمعت صوت انفجار ضخم. أغمي علي لفترة وعندما استيقظت شاهدت كرة نار فوق وسط المدينة. عرفت أن قنبلة ألقيت على مدينتي وافترضت أن قنبلة أخرى ستلقى هناك لذلك ركضنا إلى معبد قرب الجبل».

وبعدما رتب ممرضون أمر حروق وجهه بالزيت، نظر إلى قلب المدينة، فاذا به أثر بعد عين. ويضيف: «كنت أرى نيراناً وكرة مثل الفطر والمنازل تنهار الواحد تلو الآخر»، لافتاً إلى أنه كان محظوظاً مرة أخرى عندما نجا والده بفضل جدران إسمنتية في مكاتبه في «شركة توزيع الكهرباء» على بعد ٦٨٠ متراً من مركز الانفجار.

يتوقف لحظة ثم يخرج صوراً من خزائنه، ويقول: «في اليوم الثاني ذهبت إلى المدينة فوجدت جثثاً تحترق وأخرى ذائبة ورأيت النيران في كل مكان… وإجسام فتيات عاريات وذائبات وبقايا جنود» كانوا بين ٤٠ في المئة قتلوا من أصل ٣٥٠ ألف شخص في هيروشيما، بينهم ٦٢٦٨ تلميذاً و١٣٢ أستاذاً. ويضيف: «أنا وأسرتي، حروقنا كانت سطحية، كنا محظوظين لأننا لم نقتل ولم نصب بالإشعاعات. لكن بعض الناجين من القنبلة عانوا من إشعاعات وسرطان ومشاكل كثيرة» ظهرت لاحقاً.

بين هؤلاء كانت ساداكوا ساساكي، ذات الربيعين، لم تظهر عليها عوارض أي أمراض خلال عشر سنوات عندما أدخلت إلى المستشفى تبين أنها تعاني من السرطان منيجة إشعاعات. خلال العلاج، بقيت أشهراً تصنع أشكال طائر الكركي لاعتقادها بأسطورة أن صنع ألف شكل منه يحقق الأماني والشفاء.

ساساكي ماتت لكنها تحولت إلى رمز لحملة أطفال عالمية للبحث عن السلام، وفي عام 1958، كُشف عن تمثالها وهي تحمل الكركي من الورق الذهبي في مجمع السلام التذكاري في هيروشيما. وكُتب: «هذه صيحاتنا. هذه صلاواتنا. السلام في العالم». وعندما زار الرئيس باراك أوباما هيروشيما في أيار (مايو) الماضي، كأول رئيس أميركي منذ قصفها بالنووي، وضع في متحف المدينة شكل طائر ورقي. وكتب: «عرفنا عذابات الحرب. دعونا نجد الشجاعة معاً لنشر السلام والوصول إلى عالم من دون سلاح نووي».

ساساكي بالنسبة إلى ياموتو قد تلهم السوريين أيضاً. وهو تحول منذ أن قرر التحدث بعد عقود من الصمت، إلى رمز للبحث عن السلام. ويقول: «لا أفهم الحرب السورية. هل دولة خارجية تقصف السوريين؟ من يقصف من؟. اليابان وأميركا كانتا في حرب. اليابان استمرت في الحرب ظناً منها أننا سنربح ذات يوم… لا أفهم السياسة الغامضة لروسيا في سورية وأسمع الأخبار عن حلب وأرجو لها السلام. لا أظن أن السوريين قادرون على حل الموضوع لأن أميركا وروسيا تورطتا في الحرب والأمم المتحدة لها دور مهم في إيجاد حل».

وإذ يعرب عن الأمل بأن يبقى السوريون «صبورين للاستحواذ على السلام المقبل لامحالة»، يشير إلى إمكانية «الإفادة من تجربة هيروشيما: ولدت من الخراب. كما أننا بدأنا في اليابان من تحت الصفر إعادة إعمار بلادنا بعد خراب الحرب».

ابراهيم حميدي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها