روسيا ترفض البقاء سنوات في ” المخاض ” السوري !

الاميركيون والروس ونظام الأسد في سوريا والجمهورية الاسلامية وتركيا والأكراد وآخرون منشغلون هذه الأيام بحرب استعادة القسم العراقي من دولة “داعش”، ومنشغلون أيضاً بالإعداد لاستعادة القسم السوري من الدولة نفسها. وقد بدا في الأيام الأخيرة أن الإعداد المذكور يترافق مع بدء “قوّات سوريا الديموقراطية” (أكراد وعرب) التحرّك عسكرياً في اتجاه الرقة لمحاصرتها تمهيداً لاقتحامها.

هل يعني ذلك أن هؤلاء نسوا حلب أو أرجأوا حسم حربها بعودة شطرها الشرقي الى الأسد وحليفيه الايراني والروسي أو باخراج هؤلاء من شطرها الغربي؟ وهل يعني أن روسيا التي نُسب إليها اعتبار حلب معركتها غيّرت رأيها أو آثرت التريّث لمعرفة مصير الحرب على “داعش” في الموصل والرقة؟
يجيب قريبون من طهران و”حزب الله” أن موسكو لا تزال تعتبر حلب معركتها، وأنها “ستكون لنا اذا احتليناها مع الجيش السوري وقوات “الحزب”، أو اذا استمرينا في محاصرتها. طبعاً كان موقفها قبل أشهر مختلفاً. وهي الآن مختلفة مع واشنطن. ونحن نتساءل عن سبب الاختلاف. الاتفاق الأخير الذي توصّلتا إليه فرط. لماذا؟ هناك عدم وضوح أو ربما غموض أو نقص في المعلومات عند الأسد و”الحزب”، وربما عند إيران. حقيقة نحن لا نعرف. هل كان الاتفاق سرّياً وارتكبت موسكو خطأ عندما دعت الرئيس الأميركي أوباما الى إعلانه أو الكشف عن مضمونه؟ أم لم يكن سرّياً؟ ولماذا الامتناع عن إعلان مضمونه إذا لم يكن كذلك؟ هل فيه بند أو أكثر يتعلّق بالأسد ومصيره؟

تركيا الرافضة بقاءه في السلطة قالت أخيراً في المفاوضات مع الروس أنها تقبل استمراره في موقعه الرئاسي لمرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً تجري بعدها انتخابات رئاسية. وبعد ذلك قبلت أن يُرشِّح نفسه فيها. لكن يرى الأميركيون، وربما الروس، أن الانتخابات يجب أن يشترك فيها السوريون كلهم الذين منهم داخل بلادهم سوريا، والذين غادروها نازحين ولاجئين الى دول مجاورة لها والى أخرى منتشرة على مساحة العالم. وهذا أمر يقلق الأسد وربما إيران لأنه قد يتسبب بفشل الأسد وتالياً بتخليه عن السلطة. علماً أن هناك احتمالاً أن يفوز الأسد لأنه سيكون المرشح الرئاسي الوحيد للسوريين الذين يؤيدونه، في حين قد يكون لمعارضيه منهم وهم غالبية أكثر من مرشح للرئاسة، بسبب انقساماتهم التي رسّختها وعمّقتها اصطفافاتهم الاقليمية والعربية. ولا يعني ذلك أنه سيحصل على غالبية ساحقة من أصوات المنتخبين، إذ يكفيه 50 في المئة منها وربما أقل بعض الشيء كي يفوز في هذه الحال. لكن في كل الأحوال الأمور غير واضحة”.

ماذا تريد روسيا من تدخّلها في سوريا؟ يجيب القريبون من طهران و”حزب الله” اللبناني أنفسهم “أنها لا تريد البقاء في المخاض السوري عشر سنوات أو أكثر. ولذلك فإنها ستقول يوماً ما للرئيس الأسد، إذا توصلت الى اتفاق مع أميركا، ما يجب أن تقوله. وهو يتعلق باستمراره في السلطة أو بتخليه عنها. لكنها الآن ستصمد لاعتقادها أن أميركا لن تتحرك جدّياً في الموضوع السوري قبل تسلم رئيسها المنتخب (أو الرئيسة) سلطاته الدستورية في الـ20 من كانون الثاني المقبل في أعقاب احتفال قسم اليمين”.

لكن اذا فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة فإن الرئيس الحالي أوباما قد يبدأ “تحركاً سورياً” لا يغيّر الموازين الحالية، لكن يمهّد الطريق أمامها لكي تمارس سياسة أكثر مواجهة مع الأسد وحلفائه. علماً أنها ستكون مثله متمسكة بالامتناع عن المواجهة العسكرية مع روسيا. وهو موقف سيد الكرملين نفسه فلاديمير بوتين. لكن الأمر الخطير هنا هو أن واشنطن وموسكو منخرطتان في معركتين مهمتين الأولى في سوريا والأخرى في أوكرانيا. واذا كانت أميركا سكتت على تحديات الروس في سوريا فإنها لا تستطيع السكوت على تحدياتهم في أوكرانيا ودول البلطيق الثلاث وأوروبا الشرقية. طبعاً لا يعرف أحد ماذا ستفعل لمواجهة ذلك، لكن لا بد أن يأخذ الروس في الاعتبار أمراً مهماً جداً هو أنه لا يمكن مساواة أميركا وروسيا من حيث القوة الاستراتيجية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية. فأميركا دولة عظمى على المستوى العالمي وروسيا لم تعد كذلك. لكنها تحاول وبعناد وتصميم العودة الى مستواها السابق يوم كانت الاتحاد السوفياتي من باب الشرق الأوسط. وهو باب صغير رغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لهذه المنطقة ومن نواح عدة.

ماذا عن التطورات سورياً وعراقياً بعد حسم معركتي الموصل والرقة؟

سركيس نعوم – النهار[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها