كوريا الشمالية في رحلة البحث عن ” ميسي ” خاص بها !
يبدو ان القيمين على كرة القدم في كوريا الشمالية تخطوا الخط الرفيع الذي يفصل بين الاحلام والاوهام وذلك لان البلد الشيوعي الذي فشل حتى الان في فرض نفسه كأحد اللاعبين المؤثرين على الساحة القارية، وضع لنفسه هدف انتاج لاعبين افضل من نجم برشلونة الاسباني والارجنتين ليونيل ميسي وتكوين منتخب باستطاعته الهيمنة على اللعبة عالميا.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف انشأت السلطات عام 2013 اكاديمية بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم ووضعت استراتيجية تدريبية باستطاعتها الارتقاء بمستوى اللاعبين لتصل بهم الى مستوى يجعلهم ينافسون افضل لاعبي العالم وعلى رأسهم ميسي، وذلك بحسب ما يؤكد مدرب الاكاديمية ري يو-ايل الذي يرى بان السماء هي الحدود في ما يخص طموحات بلاده الكروية.
واضاف ري: “نحن ندرب طلابنا لكي يصبحوا لاعبين موهوبين جدا ما سيخولهم تجاوز مهارات لاعبين مثل ليونيل ميسي. بالنسبة للاهداف الآنية، اعتقد بانه يتوجب علينا الهيمنة على اسيا، واتمنى ان نصل في المستقبل القريب الى تحقيق الهيمنة العالمية”.
ومن المؤكد ان الاهداف التي وضعتها كوريا الشمالية غير واقعية خصوصا ان المنتخب الوطني لم يشارك في كأس اسيا سوى اربع مرات وهو ودع النسختين الاخيرتين من الدور الاول (2011 و2015) كما انه غاب عن النسخة الاخيرة من كأس العالم التي عاد اليها عام 2010 وللمرة الاولى منذ 1966 لكنه خرج ايضا من الدور الاول.
وما زال منتخب كوريا الشمالية المعروف بـ”تشوليما”، نسبة الى حصان خرافي مجنح يرمز الى القوة والسرعة في كوريا الشمالية، يحلم ان يعود بالزمن الى عام 1966 حين فاجأ العالم بوصوله الى الدور ربع النهائي في مونديال انكلترا على حساب ايطاليا العملاقة بعدما تغلب عليها في الجولة الثالثة الاخيرة من الدور الاول بهدف لباك دو-ايك.
وكان “تشوليما” قريبا جدا من تحقيق المفاجأة الكبرى والوصول الى الدور نصف النهائي بعدما تقدم على البرتغال بثلاثية نظيفة الا ان الاسطورة اوزيبيو ورفاقه انتفضوا بعدها وقلبوا تخلفهم الى فوز 5-3.
انتظرت كوريا الشمالية 44 عاما للعودة مجددا الى العرس الكروي العالمي لكن مشاركتها الثانية لم تكن موفقة بقدر الاولى وودعت النهائيات بثلاث هزائم ثم غابت عن نسخة 2014 وخرجت ايضا من دائرة المنافسة على احدى بطاقات القارة الاسيوية لمونديال روسيا 2018.
ووسط هذه المعطيات، يبدو من الصعب جدا على هذا البلد الذي يحتل المركز 126 في تصنيف الاتحاد الدولي “فيفا” ان يحقق الاهداف التي وضعتها اكاديمية بيونغ يانغ والسلطات بقيادة الزعيم كيم جونغ-اون، وهذا الامر اكده المدرب النروجي للمنتخب يورن اندرسن الذي استلم منصبه في ايار/مايو 2016.
واعترف اللاعب السابق لنورمبرغ واينتراخت فرانكفورت الالمانيين في حديث لوكالة فرانس برس: “كلا، لا اعتقد انها (الاكاديمية) بامكانها ان تخرج لاعبا بمستوى ليونيل ميسي لكني اعتقد ان بامكانها تخريج لاعبين جيدين على صعيد القارة الاسيوية”.
واضاف المدرب النروجي البالغ من العمر 53 عاما: “نملك الكثير من اللاعبين الموهوبين لكنهم مضطرون للبقاء دائما داخل البلاد. ليس بامكان كوريا الشمالية ان تتقدم في حال لم تحتك بالفرق الاجنبية…”.
من المؤكد ان المشكلة الاساسية التي تعاني منها اللعبة في كرة الشمالية هي غياب الاحتكاك، فالاندية لا تشارك في المسابقتين القاريتين (دوري الابطال وكأس الاتحاد الاسيوي) والدوري المحلي لا يشارك فيه سوى 11 فريقا فقط والحضور الجماهيري متواضع جدا اذ لا تتجاوز نسبة المتفرجين الـ300 مشجع في المباراة الواحدة.
لكن المشاكل لا تنحصر بهذا الامر وحسب بل تواجه اللعبة ازمات متلاحقة، فالمنتخب الوطني للسيدات حرم من المشاركة في كأس العالم العام الماضي بسبب سقوط خمس من لاعباته في فحص للمنشطات خلال نسخة 2011.
والقى طبيب الفريق باللوم على العلاج الصيني الذي تناولته اللاعبات من اجل معالجة الاصابات التي تعرضن لها جراء صاعقة ضربتهن.
والاسبوع الماضي، غرم حارس منتخب دون 16 عاما جانغ بايك-هو واوقف لمدة عام بعد تسببه عمدا باهتزاز شباكه من ركلة مرمى نفذها نظيره في المنتخب الاوزبكستاني في حادث ضجت به مواقع الانترنت حول العالم.
ويتذمر اندرسن بان “لاعبي المنتخب الوطني متواجدون معي دائما لكنهم لا يلعبون المباريات وكل ما نقوم به هو التمارين، التمارين، التمارين…”.
وهناك عائق اخر يقف في وجه تقدم اللعبة في كوريا الشمالية ويرتدي طابعا سياسيا بسبب العقوبات المفروضة على البلاد نتيجة تجاربها النووية.
ففي اذار/مارس الماضي، اعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الذي يتخذ من زيوريخ مقرا له، انه حجب مبلغ الـ7ر1 مليون دولار الذي كان مخصصا لمشاريع تطوير كرة القدم في كوريا الشمالية وذلك بسبب العقوبات السويسرية ضد البلاد.
وفي ايار/مايو الماضي، اثار البرلمان الايطالي مسألة وجود لاعب كوري شمالي في فريق الشباب لنادي فيورنتينا، متحدثا عن امكانية حصول انتهاك للعقوبات المفروضة على بيونغ يانغ لان السلطات الكورية الشمالية قد تحصل على الراتب الذي يتقاضاه من الفريق الايطالي.
واضطر اللاعب الى ترك الفريق في تموز/يوليو الماضي بحسب المتحدث باسم فيورنتينا والذي اعترف بوجود “بعض المشاكل البيروقراطية”.
هذه المشاكل “السياسية” اثرت كثيرا على اكاديمية بيونغ يانغ التي كانت تتلقى سابقا مساعدات من فيفا، واعترف سونغ هاي-يونغ، المسؤول في الاتحاد الكوري الشمالي للعبة، بان المشاكل المالية القت بظلالها قائلا: “العقوبات تسببت بالكثير من المصاعب لبلدنا، بما في ذلك هنا (الاكاديمية)”.
المنافسة لدخول الاكاديمية شديدة والذين ينجحون في حجز مقعدهم فيها يخضعون لنظام قاس من التقييم المستمر ويتم اقصاء عدد من الطلاب كل عام لانه “لا بد من استبعاد اللاعبين غير الموهوبين” بحسب المدرب ري.
ومن البديهي ان يكون الدفاع عن الوان المنتخب الوطني الاول الهدف الاسمى لجميع طلاب هذه الاكاديمية، لكن لا يبدو ان هناك اي خطة بديلة امام الذين يفشلون في شق طريقهم الى المنتخب وهذا ما اكده احد طلابها عندما قال: “جئنا الى هنا من اجل تحقيق النجاح الكروي بكافة الوسائل الممكنة، وبالتالي لم افكر يوما بهذا الامر (الخطة البديلة في حال عدم الوصول الى المنتخب)”. ( AFP )[ads3]