هذا القوي لن ينقذنا

يصعب الاعتقاد بأن دونالد ترامب سيساعدنا على الخروج من الهاوية التي انزلقنا إليها. هذا ليس همّه، أو برنامجه. ولم نجهز أنفسنا لجعل مصلحتنا جزءاً من مصلحة حكمه وبلاده. والولايات المتحدة لم تكن يوماً جمعية خيرية ولن تكون. صحيح أننا نستحق الشفقة، لكن ذلك يمكن أن يترجم ببعض الخيام والمساعدات الغذائية واللقاحات.

يصعب الاعتقاد بأن فلاديمير بوتين سيمدّ لنا يد الإنقاذ مهما تقاذفتنا الأمواج وتوزّعت جثثنا في البحار والمحيطات. هذا ليس هدفه، أو برنامجه. لا يمكن اتهام سيد الكرملين بحمل مشاعر من تلك التي حكمت مسيرة الأم تيريزا. بوتين معنيّ بحصة بلاده. وصورتها، وهيبتها. وقد تثبت الأيام أن سلوكه في منطقتنا صبّ مزيداً من الزيت على حرائقها، وأن الأقليات قد تدفع أثماناً مضاعفة للأحلام التي ارتكبتها بالرهان على موسكو أو طهران أو الاثنتين.
لا جدوى على الإطلاق من الاستغاثات التي سنوجهها إلى خليفة بان كي مون في ذلك المبنى المقيم في نيويورك. خوابي الدموع لا تغيّر جوهر السياسات. قلب العالم حجر أعمى، وعيون مجلس الأمن من زجاج. لا دمعة تنحدر، ولا غضب يقلب الطاولة. موازين قوى صارمة تطحن دولاً وخرائط وشعوباً ومجموعات. مبعوثون مهذبون لمواكبة الأهوال، وبطانيات لتغطية الجثث الصغيرة ودموع اللاجئين.

العربي أعقل من العودة إلى إلصاق دموعه على جدران ذلك المبنى المقيم على كورنيش النيل قرب ميدان التحرير في القاهرة. لَسَعَته التجارب. يستحيل أن تكون جامعة الدول العربية فاعلة في أمة تفسّخت روحها، وتداعت ركائز وحدتها وصار العجز أعتى جيوشها. أتخيل أحياناً أحمد أبو الغيط يواري دموعه في النيل فهو يعرف أن الأمة تشبه ثكلى تشيِّع أولادها واحداً تلو الآخر.

لا تتسرّع عزيزي القارئ. ولا تتّهمني بالمبالغة أو اليأس. شاءت المصادفة أن أكون صحافياً في حقبة الانحدار الكبير. وأن أعرف هذه الملاعب الغارقة في الوحل والدم والحطام. وأن أحاور أصحاب القرار فيها.

لستُ مجروحاً من عتمة الماضي، ولا من قسوة الحاضر. أنا مذعور من ضراوة المستقبل. المستقبل القريب. لست خائفاً من فشل الحكومات. أنا خائف من فشل المجتمعات. وطبيعة المعارضات. والأفكار الغدّارة المسنونة.

والجامعات المعتّمة، والمدارس التي تنتج الجنازات. لم نتوقع يوماً هذا الإعصار من الوحل والدّم. منذ سنوات لا أغادر الصحيفة إلا بعد أن أكون دفنتُ ما يزيد على مئة عربي في صفحتها الأولى. حوّلني الانهيار العربي الكبير حفاراً للقبور.

إنني خائف من سؤال يلازمني وهو إلى أين يتجه العرب؟ أكاد أشعر بأن العربي صار يُعتبَر وقحاً إذا قال أنه يريد أن يعيش في الإقليم كما يعيش فيه الإيراني أو التركي. وصار يُعتبَر وقحاً إذا طالب بخريطة غير متصدّعة، وعاصمة بلا حرب أهلية. وبدولة تعيش في حماية جيشها لا الميليشيات… وبالحد الأدنى من الكرامة والمياه الصالحة للشرب.

أفكّر أحياناً في ما سيكتبه صحافي سيزور بغداد بعد عشرة أعوام. وفي ما سيرسله زميل له من دمشق، أو صنعاء، أو بيروت. عن أي عراق سيكتب؟ عن أي سورية؟ عن أي يمن؟ وعن أي لبنان؟ أخطر من السؤال عن الحدود الدولية السؤال عن الحدود داخل هذه الدول، والتي ترسم اليوم بالدم والشطب وأمواج النازحين والجذور المقتَلَعة وتبديل الهويات. يخالجني شعور بأن مجموعات بكاملها تندفع في رهانات انتحارية مجنونة.

لا أقصد أبداً أنّ على العرب الاستسلام للهاوية. العيش تحت الركام ليس خياراً لأمة جذورها ضاربة في التاريخ. لا بد أن يكون سؤال إلى أين حاضراً وأن يتقدّم على كل ما عداه. لا بد من قرارات جريئة وسريعة لكبح جاذبية الهاوية. لا بد من قرارات مؤلمة تكبح رياح التفكُّك وتصدّ النار عمّا تبقى من البيوت الآمنة. على الحكومات أن تسأل إلى أين؟ وعلى القوى والجماعات والكتّاب والجامعات طرح السؤال ذاته، وعلى العربي أن يعد نفسه لدفع ثمن وقف الانحدار إلى إقامة دائمة في الهاوية.

غسان شربل – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. اتفق مع الكاتب في كل ما قاله الا ما قاله عن القرارات المؤلمة التي يجب ان يتخذها العربي لانقاذ ما يمكن انقاذه
    ذلك لان المشكلة ليست في العربي الذي كان متسامحا حتى السذاجة بل قل الهبل لان الاخرين وعندما ظهر لهم اظافر وانياب لم ينشبوها الا في جسد ذلك العربي الاهبل والذي تحاول هذه الانياب والاظافر تقطيعه الان بل والتهامه حتى لا يبقى منه أثر على الارض التي وصلت بهم الوقاحة والحقد الى انكارها علينا وان الصحراء هي موطننا الوحيد فلنعد اليها
    اليس هذا هو المنطق السائد الان وانت ايها السيد تعرف هذه الحقيقة كما يعرفها الاخرون ولكن الذي يضع رأسه في الرمال حتى الان هو العربي الاهبل الذي مازال يهتف بالروح بالدم نفديك يا جزار والشعب واحد علما ان الاخرين يعلنون غير ذلك وبوقاحة ولؤم
    فالخيار الوحيد لهذه الامة ان ارادت الحياة مقاومة الاوغاد الذين يذبحونها واستعانوا بكل القوى في العالم لتحقيق هدفهم الدموي وهذه ليست دعوة للحرب وانما للدفاع عن النفس

  2. احترم كل ما قلته ولكنك اتيت الى العنوان الخطأ لان الذين تطالبهم باتخاذ قرارات جريئة ليسوا هم المتمنعين عن الحل وليسوا هم اصحاب التطرف انما الاخرون هم من يفعلون ذلك والكلام يجب ان يوجه اليهم قل هذا لعمائم قم ولابن بلدك حسن (سيد المقاومة) الذي منع انتخاب رئيس لجمهوريتك لثلاث سنوات ويتباهى ان لديه جيشا يهاجم ويقتل في سوريا والعراق واليمن
    سيد شربل لقد قرعت بابا غير موصد فاذهب الى الابواب الاخرى وشكرا لنواياك الطيبة

  3. نحن العرب عموما والمسلمين السنه خصوصا قلبنا طيب كتيررر لذلك هيك عم يصير فينا تعاملنا السهل مع جميع الطوائف والاديان كان سبب لحياكة المؤمرات ضدنا عن طريق هؤلاء الاقليات انظروا الى اوربا في القرون الوسطى ومحاكم التفتيش في اسبانيا ماذا فعلوا بالاقليات كان لزامنا علينا ابادة هؤلاء لكن اخلاقنا وديننا الحنيف وقف حائلا ضد هذا الفعل هذه ليست دعوى للقتل ولكن ليعلم الناس من هم المسلمين وماهو دينهم

  4. و من أولئك القوم الذين يريدون من زعيم دولة معادية لأمتنا أن ينقذنا . المواطن البسيط لدينا يدرك أن المفروض أن لا يطلب المعروف من غير أهله. ما يراد هو كف أذى الغرب عنا ، فمنذ مئات السنين شاع في بلاد الشام القول “ما بييجي من الغرب شي بيسر القلب” . و هو قول حكيم مبني على التجربة الطويلة ، أنظر كيف حاربونا من خلال عدة حملات صليبية ، ثم أنظر إلى الغزو الاستعماري و تجزئة بلادنا ، ثم أنظر كيف نصبوا علينا حكاماً نواطير يسوموننا سوء العذاب.
    لقد جابهوا أمتنا بكافة الأسلحة التي في جعبتهم و كان أخطرها ذلك السلاح الذي غزا العقول ، و استغلوا بعض الأقليات لتكون طابوراً خامساً أو سادساً بيننا .
    لم تكن سوريا في يوم من الأيام سوى بلد اعتدال ، و هذا ما جعل مختلف الطوائف تعيش معنا حتى اليوم . و لكن هذه الأقليات تمادت و اجتازت كافة الخطوط الحمراء . البديع في الثورة السورية أنها كاشفة فاضحة للأفراد و للجماعات و للدول ، و مع مرور الزمن سندرك أنها علمتنا الكثير المفيد . لن يدوم هذا الحال لأن دوام الحال من المحال ، و نحن بعون الله مقبلون على مستقبل مشرق ، و دائماً يكون طلوع الفجر بعد أشد لحظات الظلام الحالك و لسوف تكون العاقبة للمستضعفين .

  5. الى اين بسيطة روح على افريقيا مثل زيمبابوي وزائير وموزنبيق وغانا وليبيريا بتعرف الى اين ، عنا خيارين يا افريقيا يا تركيا وما حقلك اوروبا لانو بدنا قرون عمقلك تركيا اذا اشتغلنا على حالنا شوي وما بعتقد بجيلي او بجيل اولادي حتى منصير مثل تركيا