دقيقتان من أجل سوريا !

لم يخجل مسؤول في البيت الأبيض، حينما صرّح بأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تحدثا لمدة أربع دقائق عن سورية وأوكرانيا، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك). ولم يبدُ عليه أي انفعال وهو يردّد كالببغاء بأنّ أوباما شدّد على ضرورة أن يستمر وزيرا خارجية البلدين في «متابعة المبادرات مع المجتمع الدولي للحدّ من العنف وتخفيف معاناة الشعب السوري».

ولا يبعث هذا التصريح الذي يكشف حقيقة الواقع العارية، أي إحساس بالدهشة، بمقدار ما يسرّع في فقدان الأمل بقدرة الإرادة الدولية على انتشال الشعب السوري من مفرمة الموت التي تفتك بأشلائه في حلب، بعدما زارت طائرات الموت وبراميله المتفجّرة كل أحياء سورية، وحوّلت غالبيتها إلى ركام من الدم والأنقاض والصرخات المخنوقة.

وكلما عظم الرهان على ضغط أميركي يضع حداً لهذه المحرقة السورية، زاد الإحساس العدمي الذي يكتشف، بعد وصول القهر منتهاه، أنّ واشنطن استقالت منذ زمن بعيد من مسؤولياتها الأخلاقية نظاماً وشعباً، ولعل في انتخاب دونالد ترامب ما يشي بأنّ التواطؤ على مأساة السوريين أضحى أمراً مضمراً لدى غالبية المجتمع الأميركي، وهذا أمرٌ مخيّب للأمل، وباعث على تصدّع المنظومة الافتراضية الحالمة للأسرة الكونيّة.

وحتى لا يتورّط المرء في استجداء التعاطف من لدن الأغيار الذين لا يعنيهم ما يجري في حلب، فإنّ من الأجدى أن يلوم المرء نفسه والمقرّبين منه، ويسأل: ماذا فعلنا، عرباً ومسلمين، من أجل سورية. ماذا فعل السوريون من أجل سورية، وماذا فعلت المعارضات المتمزّقة من أجل الوطن المدمّى النازف؟

طالعنا تصريحات المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة رياض حجاب، بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي، فألفينـــاها لا تختلف عن تصريحات أي مسؤول أممي، فهي تكتفي بالإدانة، وتعيد المعزوفة ذاتها الباحثة عن «سبل رفع الحصار الذي تفرضه قوات الأســد والميليشيات الطائفية التابعة لإيران على المدن والبلدات السورية، وضرورة الاستجابة للتحذيرات الدولية من احتمال حصول مجاعة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية لدى المحاصَرين».

العالم لا يسمع صوت المتردّدين. والأصابع المرتجفة لا يمكنها الضغط على الزناد، والرهانات البائسة على تحرك المجتمع الدولي، ويقظــة الحميّة العربية والإسلامية، ليست أكثـــر من محض هراء، فلا «معتصم» بمقدوره أن ينهـــض مــن غبار التاريخ، فينتشل الأطفال الذين تتلذّذ الطائرات الروسية في اصطيادهم، فيما ينتشي الأسد وهو يحصي عدد الأشلاء والأطراف المبتورة، فيرفع كأس الدم في صحة الموت!

وفي عتمة هذا الصمت الكريه، وفي غياب أي ضوء يعدنا به آخر نفق هذا الألم السوري الطويل، تتبرّأ الإنسانية من ذاتها، وتتخشّب اللغة التعاطفية مع ذلك الرضيع الذي نجا من البراميل المتفجرة، فحملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى الذي كانت تحدق فيه طائرة روسية أفرغت حمولتها في جسد المستشفى والمبنى والمعنى، وظلت تنتظر على أحرّ من الجمر عبارات الاستنكار، وبيانات الحضّ على ضبط النفس.

الدقيقتان اللتان قضاهما أوباما وبوتين لمناقشة الأزمة السورية، هما الزمن الذي تستحقه هذه المأساة غير المسبوقة في التاريخ، في ذهن رئيسيْ أكبر دولتين في العالم. لذا لا عجب إن تمّت الإبادة الجماعية للشعب السوري من أجل تمرير مخططات بوتين والولي الفقيه، وترسيم الخرائط الطائفية في منطقة تنجب الموت والانتحاريين وفاقدي الإحساس بطعم الحياة، والناقمين على «الأسرة الكونية»، والمزنّرين بأحزمة الانفجار، والحالمين بانتصار ضئيل ويائس كطعم الانتصار الذي يهرسه بشار الأسد تحت أضراسه «الدراكيولية»، فينزف هزائم مسربلة بالعار.

موسى برهومة – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. الحقيقية التي لا ينكرها الا الحمقى و الذين في قلوبهم مرض أن امريكا و روسيا و الغرب و ايران و اسرائيل و الاقليات و الانظمة الحاكمة في المنطقه اتفقوا جميعا على قتل و تشريد اهل السنة في سوريا و العراق تحت ذريعة الحرب على الارهاب

  2. وهل كتب على (أهل السنة) بأن يبقوا دراويش في السياسة إلى يوم يبعثون ؟ طيب … إذا كنا جميعنا نعلم بأن الدول الغربية والتي بيدها مفاتيح الحل والربط في سوريا والعالم بأسره لديها حساسية مفرطة تجاه المتأسلمين ولو حتى بالمظهر الخارجي فكيف نريد إقناعهم بمساعدتنا ؟؟ فما بالكم بمئات الفصائل المتأسلمة من أصحاب اللحى المخيفة واللباس الأفغاني والألقاب الإسلامية ممن يرفعون راية الجهاد وقتال الروافض والشرق والغرب علنا أمام الكاميرات ؟؟ ألم يكن بإمكانهم فعل ذلك بالخفاء وأمام الكاميرات العالمية ينادون بالحرية والديمقراطية ؟؟ ألم يتعلموا من تقية إيران حيث ينادون علنا بقتال الإرهاب والدواعش وهم بالحقيقة بؤرة للإرهاب ومن صنعوا داعش ؟؟ السياسة هي فن الممكن وفصائلنا المتأسلمة فهمتها بأن السياسة هي فن التجحيش والتشدد .

    1. سيدي العزيز :

      وما أدرانا أن هذه الفصائل سنية او انها مسلمة أساسا ؟؟؟؟ لماذا لاتكون جزء من المؤامرات لتشويه هذا الدين الحنيف وهدم لقيم وفضائل الاسلام !!!! من وصمهم بأنهم مسلمون !؟!؟؟!

      الاسلام الحق بحاجة الى إخلاص في القول والعمل ومن لا يعرف كيف كانت حال الأمة في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز حينما وظف الإخلاص في العمل والدين وكيف كان الازدهار والمساواة في فترة خلافته التي امتدت سنوات قليلة بحيث لم يبق جائع او فقير في ارض الخلافة حتى أنه أمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال حتى لا تجوع الطيور في بلالا المسلمين ،

      فَلَو كنّا مخلصين حقا لما تأخر النصر من الله على الظالمين ولما امتدت هزه المأساة حتى الان ،،،

      حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالم مهما اختلفت التسميات والانتماءات والولاءات

      وعذرا للإطالة

  3. هاد الي بيحط أيدوا بأيد الامريكان هيك بيصير فيه اذا النظام مجرم هذا لا يعني ان نتحالف مع دوله في قمة الحقاره (الولايات المتحده الامريكه) كان الجدى للساده (الثوار) ان يعتمدوا على الداخل وليس على الدول الداعمه (المخربه)هذا درس كبير لمن اراد ان يقوم بثوره عليكم بأنفسكم واعتمادكم ع الله