سوريا و ترامب : في انتظار الأسوأ !

يتسلم دونالد ترامب غداً مفاتيح البيت الأبيض، و «يتسلم» معها شرقاً أوسط مضطرباً ومنقسماً، بل مفتتاً تنهشه الحروب ومشاريع العنف والتطرف والدويلات. لكن القادم الجديد الى رئاسة الدولة الأقوى في العالم، لا يملك فكرة واضحة عن كيفية تعامله مع بؤرة التوترات هذه، باستثناء أن لديه صديقاً واحداً هو إسرائيل وعدواً واحداً هو «الإرهاب».

هذا الاختصار السطحي لمشكلاتنا من وجهة نظره، يعني أن منطقتنا مقبلة على تطورات ليست في مصلحة تقدمها المنشود نحو الديموقراطية والاستقرار، وهو الشعار الذي رفعه الأميركيون زوراً منذ «ورثوا» الشرق الأوسط من أوروبا الكولونيالية، واعتمدته الإدارات المتعاقبة ذريعة لتبرير خيارات تدخلها فيه أو انكفائها عنه. لكن مواقف ترامب المبتسرة التي تشبه الأحاجي، تكشف رغبته في تعديل مفهوم السياسة الخارجية الأميركية وقصر دورها على مهمة رئيسة واحدة هي «مكافحة الإرهاب» الذي لا يرى في خلفية صورته سوى الإسلام والمسلمين.

ولعله سيكون في مقدم المتضررين من غموض سياسات ترامب والتباساتها ثوار سورية الذين لم يعد لهم سند كثير في العالم، بعدما تقاعس القريبون والبعيدون، باستثناء قلة، عن نجدتهم، وفضلوا التعاطي بواقعية مع موازين القوى المستجدة بعد دخول روسيا الحرب وتفاهمها مع تركيا وإيران، وهذا بالتأكيد ما دفع معظم فصائل المعارضة الى القبول بوصاية أنقرة والذهاب الى مفاوضات كازاخستان من دون شروط مسبقة.

فخلال عهد أوباما، وعلى رغم تنصل إدارته من التزام أي دعم عملي للثورة السورية، ظلت هذه الأخيرة تستفيد من دعم سياسي أميركي عام وفضفاض، لكنه كان كافياً لتوفير غطاء للدعم الذي تتلقاه من حلفائها الفعليين في المنطقة ومنحها هامشاً من المناورة. أما اليوم، فإن ما تشي به مواقف ترامب وتصريحاته وتغريداته التي تقارب السذاجة أحياناً، في شأن الأطراف الفاعلين في الأزمة السورية، يسمح باستنتاج أن الرجل يتحالف عملياً مع الذين يدافعون عن نظام بشار الأسد ويقاتلون لبقائه، ويهادنهم، حتى عندما يتخذ مواقف قد تبدو مناوئة لهم.

ولنأخذ أولاً العلاقة مع موسكو التي من المرجح أن تشهد، في انتظار انحسار سحابة تقارير وكالات الاستخبارات عن القرصنة والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، تحسناً كبيراً قد يصل سريعاً الى حد التنسيق في سورية. وعلى رغم أن ترامب انتقد في أحاديث صحافية أخيرة الدور الروسي في حلب، إلا أن ذلك جاء متأخراً كثيراً باعترافه هو نفسه، بعدما سقطت المدينة أمام قصف الطيران الروسي واجتياح الميليشيات الإيرانية. ويبدو موقفه مجرد تصفية حسابات مع الإدارة الراحلة أكثر مما هو اهتمام بالمدينة ومصيرها، فهو لم يتطرق الى هذا الموضوع إطلاقاً خلال احتدام معركة حلب ومحاصرة المدنيين فيها، بل يستخدمه اليوم للنيل من إدارة أوباما التي يتهمها بـ «التقصير» وبأنها لم تفعل شيئاً لإنقاذ «العجائز المتعثرات اللواتي أطلقت عليهن النار وهنّ يخرجن من حلب».

ويأتي تأكيد ترامب أكثر من مرة أن تغيير نظام الأسد ليس من اهتماماته، ليناقض تماماً حملته على «الدور الإقليمي» لطهران، الداعم العسكري والمالي الرئيس لحاكم دمشق. وهنا أيضاً يقتصر «التهديد» الإيراني بالنسبة الى الرئيس الجديد على إسرائيل وحدها، علماً أن الدولة العبرية تضخم كثيراً هذا «التهديد» لاستدرار المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية. ذلك أن مصالح طهران وتل أبيب تتقاطع في سورية ولبنان، وهما تتفقان على «ضرورة» بقاء الأسد واستمرار الهدنة في الجنوب اللبناني.

وحتى إصراره خلال حملته الانتخابية على إجراء مراجعة شاملة للاتفاق النووي مع إيران، يبدو اليوم قابلاً للتعديل لأن فرصه في إقناع الدول الخمس الأخرى التي وقّعته شبه معدومة، خصوصاً انه لم يوفر أياً من الشركاء الأوروبيين في انتقاداته التي جاء أقساها ضد المستشارة الألمانية مركل عندما لامها على استقبال النازحين السوريين.

وبالتأكيد، فإن ترامب لا يرى فارقاً بين الثوار السوريين الذين يقاتلون من أجل التغيير والديموقراطية والحق في العيش بكرامة في وطنهم، وبين إرهابيي «داعش» و «النصرة»، بل يضعهم كلهم في سلة واحدة. ولهذا يمكن للمعارضة السورية انتظار الأسوأ خلال عهده، على رغم محاولات التلطيف المتوقعة في آستانة.

حسان حيدر – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. السيد حيدر أستغرب من مقالك هذا وشرحك لحالة الشرق الأوسط بأنه ممزق وتأكله الحروب وبأن ترامب لايملك فكرة عن الوضع وكأنه هو الذي سيحكم ياسيد حيدر أمريكا هي دولة مؤسسات وتهمها مصالحها وكل الذي يجري في المنطقة هو تحت اشرافها وتخطيطها مع اسرائيل فتحركات الجميع من بوتين الى الملالي تمت بموافقة أجهزتها ومخابراتها فلاداعي لكل هذا الكلام ووجع الراس

    1. كيف زبطت معك هاي ، يعني خلص منسلّم السوق والصندوق لا الله الا اميركا !!! شو هالحكي الفاضي هذا يسمى بالعالم العربي فكرة المؤامرة وموجود بكثرة عند الشعوب العربية التي لا تملك الوعي السياسي ، ولكن الحقيقة مختلفة كلياً ، اميركا لها تاثير قوي جداً بسبب ان الدول العربية الحليفة لا شيء وهي تتحكم بالسلاح وعقودها واعادة تصديرها وهذا مرجعه الى الدول الحمقاء التي لا تطور نفسها وليس الى اميركا ، ولو راحت اميركا حيعملوا مع روسيا هيك او المانيا او الصين ، ناس متعودة على الاستعباد والجهل ، ويلي عمبروح على اوربا يتعلم ما عميرجع يطور بلدو هو ما صدق من الله فركها

  2. شذاة من يدعون انهم محللون صحفيون مخضرمين يعيشون على ذكريات الماضي ..كل مايحدث ينتهي عندما يريد اي ساكن في البيت الابيض وكل الموجودين في الساحة هم مجرد ادوات فقط من اختراعات المخابرات الاميركية اتت بالجمي من الشارع ونصبتهم قياصرة وملوك و رؤساء ورجال دين وملالي وسيختفون عندما يرد من يسكن البيت الابيض