كيف صار التقدميون رجعيين و الرجعيون تقدميين ؟

هل تذكرون أيام الناصريين والبعثيين واليساريين والقوميين في مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر عندما كانت النخب ووسائل الإعلام والمثقفون والسياسيون في تلك البلدان يتشدقون ليل نهار بالتقدمية، ويشتمون الدول التي كانوا يسمونها «رجعية» في المنطقة العربية؟

لقد ظلت الطبقات السياسية والثقافية والإعلامية في البلدان العربية التي كانت تسمي نفسها «تقدمية» تتهم الدول العربية الأخرى التي لا تسير فيما يسمى بالخط القومي واليساري بأنها دول رجعية متخلفة، وبأن الدول التي ترفع شعار القومية والعروبة هي دول تقدمية. وقد استقت تلك الدول شعاراتها «التقدمية» طبعاً من الاتحاد السوفياتي البائد الذي كان يعتبر كل القوى الدولية التي تعاديه قوى رجعية. وكذلك فعلت الأنظمة العربية التي كانت تدور في الفلك السوفياتي في سوريا واليمن وليبيا والعراق والجزائر وحتى مصر قبل مجيء الرئيس أنور السادات إلى السلطة في بداية السبعينيات من القرن الماضي. لقد انقسم العالم العربي حسب التصنيف القومي اليساري العربي إلى تقدميين ورجعيين.

لكن كما انهارت التقدمية السوفياتية الاشتراكية الشيوعية المزعومة في الكتلة الشرقية، انهار أتباعها في العالم العربي وانهارت مشاريعهم الصناعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية، حتى أننا لم نعد نسمع الشعارات التقدمية في البلدان العربية الاشتراكية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

والمضحك في الأمر أن الدول التقدمية المزعومة في العالم العربي تدهورت أحوالها على كل الصعد السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، وأصبحت تعاني من ألف علة وعلة، ولم يعد لديها مشاريع سوى مشروع القمع والقهر وحكم الناس بالحديد والنار.

على العكس من ذلك ازدهرت الدول التي كان يسميها القومجيون العرب دولاً رجعية على جميع الصعد. وقد أصبحت دول الخليج العربية التي كان يشتمها التقدميون القومجيون البائسون ازدهاراً كبيراً مقارنة بنظيراتها التقدمية المزعومة. وقد أصبح التقدميون المزيفون رجعيين فعلاً بعد أن تراجعت بلادهم على كل الصعد، وأصبح بالإمكان أن نطلق على تلك الدول التي تشدقت بالتقدمية سابقاً بالدول التراجعية لشدة تقهقرها وتخلفها، بينما ما زالت دول الخليج تحقق تقدماً ملحوظاً في معظم المجالات، بحيث أصبحت مركز الثقافة والفن والاقتصاد والسياسة في العالم العربي. لم تعد لا دمشق ولا بيروت ولا القاهرة ولا بغداد «التقدمية» سابقاً مركز الثقافة ولا حتى الفن، بل أصبحت رمزاً للتخلف السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والصحي.

لاحظوا أين أصبحت الدول التقدمية المزعومة وأين صارت الدول الرجعية. العراق انهار تماماً وأصبح من أشهر الدول الفاشلة في العالم. أما سوريا فقد صار حتى الصومال يخجل من وضعها بعد أن تحولت إلى ركام على أيدي حكامها «التقدميين». وحدث ولا حرج عن ليبيا التي عادت إلى زمن ما قبل الدولة. أما اليمن الاشتراكي فصار التخلف نفسه يخجل منه. وحتى الجزائر فهي متماسكة حتى الآن بقوة الحديد والنار وليس بقوة مشاريعها التنموية. وأكبر دليل على أن الجزائر قد تلحق ببقية «الشلة التقدمية» أنها من أكبر أنصار النظام التقدمي السوري المزعوم، وكأنها تحلم بأن تلحق بالنموذج السوري الكارثي.

لكن بالرغم من أن الدول العربية التي كانت تسمي نفسها تقدمية صارت مضرباً للمثل في الفشل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، إلا أنها ما زالت تنظر نظرة الازدراء القديمة نفسها لدول الخليج. وأكثر ما يضحكني عندما أسمع بعض السياسيين والإعلاميين السوريين القومجيين وهم يشتمون دول الخليج وينعتونها بأبشع الصفات، مع العلم أنهم أصبحوا بعد الصومال من حيث الانهيار والتفكك والفوضى وعدم الاستقرار والتخلف، ويحتاجون إلى سنوات ضوئية كي يصبحوا مثل دول الخليج.

ومما يجعلك تقلب على ظهرك من الضحك عندما ترى شبيحاً سورياً أسدياً قومجياً منتوفاً يكاد يموت من الجوع والبرد في سوريا الأسد، ولا يجد لا مازوت ولا كهرباء ولا دواء ولا خبز، ولا مستشفيات ولا مدارس، ويعيش مثل الكلب الأجرب، مع ذلك قال شو قال يهاجم العرب الآخرين، ويتهمهم بشرب بول البعير لعلاج بعض الأمراض، مع العلم أن أهل الخليج يسافرون إلى أمريكا وأوروبا لعلاج أبسط الأمراض، بينما «بتوع» الدول «التقدمية» لا يجدون حبة أسبرين في سوريا مثلاً، ولا يجدون حتى بول الحمير فما بالك ببول البعير. وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة كيف أن نظام الأسد يقوم بتعويض عوائل القتلى الذين سقطوا في الحرب من أجله بأقل من مئة دولار عن كل قتيل، بينما ثمن الحمار الواحد في سوريا يساوي مئتي دولار. وهذا يعني أن ثمن الحمار الواحد في سوريا الأسد أصبح يساوي ثمن جنديين نظاميين.

وأخيراً نقول للشبيحة الذين يهزأون من الدول العربية الأخرى: فقط انظروا إلى عُملات دولكم «التقدمية» المزعومة كيف صارت بسعر التراب، وكيف صار الدولار يوازي كيساً كبيراً من الليرات السورية بفضل قيادتكم التقدمية. هل تعلمون أن الجامعة العربية الوحيدة التي حصلت على مركز متقدم في تصنيف الجامعات العالمي موجودة في الخليج وليس في بلدانكم يا بتوع التقدم؟ هل تعلمون أن أفضل المشافي في الشرق الأوسط موجودة في الخليج وليس في دول «التقدم» الهُلامي؟

دعكم من بول البعير. والله حتى بول الكلاب أنتم لا تجدونه في سوريا الأسد «التقدمية». وأنا واثق أنكم مستعدون أن تشربوا كل أنواع البول، لكنكم لا تجدونها يا حسرتكم. وقد آن الأوان أن تعترفوا بأنكم حوّلتم الجنة في بلادكم إلى صحراء، بينما الذين كنتم تتهمونهم بالرجعية قد حوّلوا الصحراء في بلادهم إلى جنة.

فيصل القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫6 تعليقات

  1. يوجد فقط حاكم مستبد وسارق لاموال شعبه واذا كانت الظروف قد خدمت بعضهم نتيجة الفائض النفطي فوجدوا متسعا من المال ليبنوا ما تسميه انت تقدما فاني اعدك ان الجميع الى زوال (تقدميين ورجعيين ملوكا ورؤساء وامراء) بعد ان يسرقوا آخر لقمة يقتات منها فقير على الارض العربية ولكن ليس قبل ان يدمروا آخر حجر بناه العربي على ارضه منذ فجر التاريخ وحتى الغد وليس اليوم

  2. الحقيقة أن الوضع مخيف في البلدان العربية جميعها من حيث التخلف عن ركب التقدم و من حيث أننا “أبطال” الاستيراد في العالم أي أننا غير منتجين “بمعنى الكلمة” و مستهلكون “بكل دلالات الكلمة”.
    في الماضي كانت سوريا من البلدان التي انعقد عليها الأمل للتقدم صناعياً ، و لكن آذار المشؤوم عام 1963 و ما بعده حتى عام 2011 جلب لنا عصابات حكم قادت البلاد إلى سلسلة من التراجعات على كافة الأصعدة “صناعية و زراعية و تعليمية …”.
    استغل الأعداء الحاقدون فرصة الثورة لتحقيق “الفوضى الهلاكة” في سوريا و استعر فيها القتل و الدمار و التهجير و عادت غالبية سوريا إلى العصر الحجري ، و لا حول و لا قوة إلا بالله. على فرض أن الثورة انتهت و بشار و عصابته قد رحلوا إلى إيران ، من سيقوم بدعم إعمار سوريا ؟ الجواب : لا أمريكا و لا أوروبا و لا روسيا و لا إيران ستسهم بشيء.
    من سوء فعل العصابة الحاكمة ليس فقط ما مارسته و تمارسه من إجرام و لكن أيضاً “من خلال شبيحة الجيش الالكتروني و الإعلام ” أفسدت العلاقات مع عرب الجزيرة العربية و لكأن العصابة تريد أن تبقى سوريا مهدمة كما حال القنيطرة و حمص و غيرها من بلدات تدمرت منذ سنوات.

  3. الدول العربية التقدمية والرجعية خرية وانقسمت نصين يعني مفكر حالك انو الخليج دول 6 اشهر فقط ينهار سعر البترول الى تحت 20$ وشوف شو بيصير ، كل يلي شايفوا من ورا النفط بس السوس والعفن والتخلف آكلهون اكل من جوا ، لا انتاج وجيوش من الموظفين الحكوميين النفعيين ولا انتاج عملي ، والعائلات الحاكمة شافطة النفط شفط وكل امير له بئر ، بس يلي منيح اول مرة بتقارن شي يقارن مع بعضه ، يعني قارنت ميلة الطيز اليمن مع ميلة الطيز الشمال حلوة منّك على قد سنّك

  4. هناك دولة ” تقدمية ” أسمها الجزائر ! رئيس هذه الدولة ” بوتفليقه ” أصيب بجلطة في المخ منذ 20 سنة !! ولازال باقي في الحكم .. بل لا يريد التنحي نهائيآ ! فقط الموت هو من يخلص الشعب الجزائري منه !! تختلف التقارير عن عمره الحقيقي ، هناك من يقول 80 سنة .. وهناك من يقول 90 سنة .. وربما عمره الحقيقي له 100 سنة !! حاليآ بسبب مرضه لا يستطيع زيارة
    ” بلد أجنبي ” ! هل هذا الرجل المريض يصلح ليكون ” القائد الأعلى للقوات المسلحة ” في بلاده ؟! تعتبر الجزائر من أكثر الدول الداعمة للعصابة الأسدية منذ أكثر من 35 سنة ! هناك تقدمية في العالم العربي يمكن تسميتها ب ” المهلبية ” !

  5. لا أعتقد أن ثمن الحمار في سوريا يصل 200 دولار فقط .. هاد الكلام قبل الثورة .. ولكن بعد الثورة قام النظام الأسدي بتدمير ممنهج للطرق السريعة ، بالاضافة للحواجز المسلحة فيما تبقى من الطرق الاخرى التي يستخدمها ” النظام ” لسرقة أموال الناس وبالتالي أصبح الحمار هو وسيلة النقل البديلة والآمنة .. الآن ربما سعر الحمار في سوريا وصل 1000 دولار .