بفضل بشار الأسد

في أقل من أسبوع نجح بشار الأسد في تحويل دونالد ترامب من رئيس انعزالي لا يعير اهتماماً لما يجري في العالم إلا بالقدر الذي يفيد أميركا ومصالحها، ويدعو الى ترك مصير الرئيس السوري في يد السوريين، الى رئيس مستعد لاستخدام القوة لمواجهة الجريمة التي ارتكبها النظام السوري ضد أطفال خان شيخون ونسائها وشيوخها بقصفهم بالأسلحة الكيماوية.

نجح الأسد في تغيير الصورة التي كوّنها العالم عن ترامب. صار المشككون بقدرات الرئيس الأميركي مضطرين للدفاع عن قراره. بفضل الأسد صار ترامب نقيضاً لباراك أوباما. لا يطلق التهديدات الجوفاء. لا يقف متفرجاً أمام مشاهد الأطفال الذين يختنقون نتيجة تنشق السموم التي أنعم بها رئيسهم عليهم. لا يضع علاقته مع موسكو في موقع الأولوية التي تسبق مسؤولية الولايات المتحدة كدولة عظمى عن حماية الأمن العالمي. بفضل بشار الأسد استيقظ دونالد ترامب على حقيقة ما يجري في العالم من حوله، خارج الحدود الأميركية، وخصوصاً على حقيقة دور روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين في البلطجة الدولية التي يمارسها، والتي انتهت بالرئيس الروسي الى التحالف مع اسوأ الأنظمة في العالم ومع أسوأ السياسيين العنصريين والشعبويين.

في قراءته الحمقاء لمواقف دونالد ترمب، اعتبر بشار الأسد أن كلام الرئيس الأميركي وأركان إدارته عن أولوية الحرب على تنظيم «داعش»، وترك مصير الأسد للسوريين ليقرروه، بمثابة ضوء أخضر يسمح للنظام السوري أن يفعل بالسوريين ما يشاء. لا بد أن الأسد قرأ ايضاً أن ترامب اعترض أيام باراك أوباما على التدخل الأميركي في سورية، بحجة أن هذا التدخل لا يخدم المصلحة الأميركية. لا بد أنه اعتبر ايضاً أن التصريحات الايجابية التي اطلقها ترامب عن بوتين، حليف الرئيس السوري، تشكل غطاء كافياً يحمي الأسد ويوفر له المظلة الدولية التي تمدّ بعمر نظامه وتقطع الطريق على مطالب المعارضة بإزاحته عن السلطة. ولا شك في أن هذا الاستقواء هو الذي دفع بشار الجعفري، ممثل النظام في مفاوضات جنيف الأخيرة، الى شن هجماته على ممثلي المعارضة، معتبراً انهم إرهابيون، لا يستحقون الجلوس الى مقاعد التفاوض حول مستقبل سورية.

قد يسأل البعض، من المدافعين عن بشار الأسد ونظامه: لماذا يقدم الأسد على «خطأ» مثل الذي ارتكبه في خان شيخون، فيما هو يدرك أن الظرف الأميركي والدولي مواتٍ له الآن؟ ويتجاهل هؤلاء أن هذه الحماقة ليست الأولى التي يرتكبها رأس النظام السوري خلال السنوات الست الماضية. كما ينسون أن جريمة خان شيخون ليست أولى جرائمه الكيماوية في حق السوريين. واذا كان 80 شخصاً ماتوا في خان شيخون، فقد قتل الأسد 1300 في غوطة دمشق، التي حماه بوتين بعدها من «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما، ليتبيّن الآن أن إخراج الأسلحة الكيماوية من سورية كان التزاماً كاذباً لم ينفذه النظام، بدليل استخدامها مرة جديدة في خان شيخون.

منذ بداية التظاهرات في درعا كان في وسع بشار الأسد استيعابها بطريقة لا تصل الى تهديد النظام وتدمير سورية. وعلى امتداد هذه السنوات كان في وسع الأسد أن يواجه المعارضين بسلوك مختلف عن ارتكاب المجازر، ما دفع التيارات المعتدلة في المعارضة الى الاصطفاف مع المتطرفين، بعدما لم يترك لها النظام خياراً آخر. غير أن الأسد اختار أن يصنف الجميع في خانة الإرهابيين، معتقداً أن هذه الطريقة تحميه وتدفع العالم الى الوقوف الى جانبه.

من أسوأ أقدار السوريين أنهم باتوا مضطرين للرهان على حماية رئيس مزاجي مثل دونالد ترامب، لإنقاذهم من جرائم «رئيسهم». من أسوأ أقدارهم أيضاً أن قصف مطار الشعيرات يمكن أن يكون بداية مسلسل حربي لا يد لهم فيه ولا حيلة. إذ لا أحد يستطيع أن يحدد منذ الآن مصير العلاقات الأميركية الروسية بعد هذه الضربة، ولا المدى الذي يمكن أن يصل اليه التدخل الأميركي، وما اذا كان سيبقى في حدود قصف محدود يشكل درساً للنظام، أم يتدهور هذا التدخل الى مقدمة لحملة واسعة تعيد الى الأذهان سيناريو غزو العراق، بعد أن فتح العالم عيونه على جرائم صدام حسين، بعد قصف أكراد حلبجة بالسلاح الكيماوي.

الياس حرفوش – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

4 Comments

  1. هذا ليس جديد النظام منذ استلامه السلطة بني على القتل والارهاب

  2. في خطابه الأول بعد الثورة صدم بشار المؤيدين قبل المعارضين نتيجة ضحكه الهيستيري وعدم احترام من سقط من شعبه بيد (المندسين على الأقل حسب روايته) وقتها الناس قالت معقول بشار يخطأ هكذا خطأ …..ولما كانت تنتشر فيديوهات لأهانة المواطنين (بدكن حريي) او حادثة البيضا اكتشفنا لاحقا ان النظام هو من سرب هذه الفيديوهات وعندما قامت بحماة مظاهرات سلمية ولم يستشهد احد بشار (او من يقف وراءه) ماعجبهم الموضوع وغيرو المحافظ …..لحتى ندرك ليش النظام ضرب كيماوي او البراميل المتفجرة او قتل المتظاهرين او استفز الناس او لم يحاول لملمت الموضوع بدرعا من البداية يجب ان نعرف ان بشار لا يملك من الأمر شئ وان من يحركه هو ايران التي تريد تدمير سوريا حتى يظهر المهدي تبعهن (شبت النار في حلب فجر مهدينا اقترب) لذلك ايران لاتريد من البداية انتصار النظام هي ارادت ان يضعف النظام وان يلجأ لها وكلما قوي النظام هي تضعفه حتى يستمر مسلسل القتل والدمار (وهذا الشي يتم بمباركة اسرائيلية)

  3. بعض المحللين أو الصحافيين يقعون في الخطأ الفادح “المقصود أو غير المقصود” و هو أن قواعد السياسة لدولة كبرى تتغير بسهولة نتيجة قول أو عمل عابر . قواعد السياسة الأمريكية ثابتة لم تتغير منذ أن خرجت من عزلتها بعد الحرب العالمية الثانية و عملت على السيطرة على منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا لتحل مكان الإستعمار القديم “البريطاني و الفرنسي”.
    ما أن جاء مطلع الستينات من القرن الماضي حتى كانت أمريكا قد أخذت كل شيء ، و لقد وافق لها الاتحاد السوفياتي “السابق” عبر الوفاق الدولي على أن هذه المنطقة نفوذ أمريكي خالص و هو فقط يخدم أمريكا فيها.
    فيما يتعلق بسوريا ، سيطرت عليها أمريكا كلياً عام 1963 و عينت النصيريين لحكمها و لا يزال هذا الترتيب قائماً حتى اليوم . وصف ترامب لبشار بأنه حيوان و ضربة لمطار الشعيرات يعني تغييراً في الأسلوب و ليس في القاعدة السياسية . ما يهم أمريكا أن لا تخرج سوريا من استعمارها و أن تبقى الأدوات الروسية و الفارسية تعمل خادمة للسيد الأمريكي.
    لقد قررت أمريكا إضعاف شعب سوريا و تغيير هويته و جعله يستسلم لهيمنتها بعد “أن يبوس التوبة” و قررت أن تؤدب الشعوب العربية و تجعلها تبقى راضخة و مرددة قول الشاعر “ناموا و لا تستيقظوا … ما فاز إلا النوّم” . لذلك القول بأن أمريكا “عدوة الشعوب” هو قول صائب فهي كانت و لا تزال و ستبقى تمارس قهر الشعوب و استعبادها عن طريق أدوات رخيصة.