القلمون و غيرها لا تنقذ نظام الأسد

كأن “حزب الله”، بذهابه الى القتال في سوريا، استعدى الشعب السوري، واستدعى انتقاماتٍ منه ومن لبنان واللبنانيين، رغم أنه غير معني بلبنان إلا بمقدار ما يشكّل له الساحة التي استطاع مصادرتها لممارسة وظيفته الايرانية. ليس مهماً أن يسمّي الجماعات المسلحة الناشطة على الحدود “ارهابيين” أو “تكفيريين”، فهو لم يعد مؤهلاً للمحاضرة في العفّة، اذ كان “مقاومة” محترمة ومقدّسة وأصبح شيئاً آخر، ويكفي أنه قاتلَ وقتلَ سوريين يقاومون بطش حاكم مستبد.

ها هو الذهاب الى القلمون يثير حماسة الحزب، “الباحث عن انتصار”، كما بات يقال. هذه حربه الثانية في القلمون، ومعروفٌ سلفاً أنها حربٌ لا انتصار فيها. بالكاد يمكن طرد المسلحين، أو إبعادهم، وإجبارهم على الانكفاء، تأميناً لظهر نظام الاسد في دمشق، وتأميناً لاستمرار تدفق الأسلحة عبر سوريا. فهذا شريان الحياة، ومن دونه لا حياة للحزب، ومن أجله وبسببه يمعن في العسكرة حتى للمراهقين والأطفال. بعد المرّة الأولى اقترب المسلحون وصاروا على الحدود، من يدري ماذا سيحصل بعد الثانية؟ يؤمل بأن لا نراهم داخل الحدود.

كالعادة، يذهب “حزب الله” الى هذه الحرب بمنطق ميليشيوي خالص، من دون أي اعتبار للعواقب والتداعيات.لا يبالي بقلق اللبنانيين على العسكريين المحتجزين لدى “جبهة النصرة” في جرود القلمون، فيضع مصيرهم في مهب الريح. من الواضح أن سلامتهم ليست بين هواجسه، وهي بالطبع لا تهم النظام السوري. في أي حال، ظُلم هؤلاء العسكريون منذ بداية احتجازهم والتخبط المتواصل في مساعي تأمين اطلاقهم أو مبادلتهم.

لكن هذه الحرب وغيرها لم تعد مفيدة، حتى في نظر ايران، لتأمين بقاء النظام، لأن بقاءه لم يعد كافياً لضمان مصالح طهران. أصبحت “مرحلة ما بعد الاسد” حديث الساعة في كل مكان، مع اقتراب التوصل الى اتفاق نووي. لذلك لم تحرك ايران ساكناً للرد على خسائر النظام، شمالاً وجنوباً، ولم تأمر “حزب الله” بالذهاب الى ادلب وجسر الشغور، أو الى حلب وحمص ودرعا. القلمون استثناء، نظراً الى حساسيتها، بقربها من دمشق، أو بازدياد الخطر على الحدود.

ليس مؤكداً، بل من المستبعد، أن يكون “حزب الله” مدركاً فداحة خسارته فرصة أن يكون مكوّناً طبيعياً، ومساهماً أساسياً في استقرار البلد، وفي توطيد التعايش بين فئاته. فما أضحى “طبيعياً” الآن هو أن يشابه مصير الحزب مصير الديكتاتور الذي يسفح دماء أبنائه دفاعاً عنه. وهذا ليس تمنياً حاقداً ولا مهاترة جدلية. إنه استقراء للتوقعات والوقائع. لا يمكن مسيرة بهذا الكمّ من الأخطاء والمخاتلات والتهوّرات إلا أن تفقد معايير الصواب وتضلّ طريق العودة اليه.

عبد الوهاب بدرخان – النهار[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها