“البصمة” في بلغاريا وهنغاريا كابوس يطارد اللاجئين السوريين في ألمانيا

لا تنتهي رحلة العذاب والإنتظار بالنسبة للسوريين، عند تقديم طلب اللجوء في ألمانيا، فالرعب الذي يلاحقهم من “بصمة” هنغاريا أو بلغاريا، أصبح يشبه إلى حدّ بعيد رعبهم من الوقوع في أيدي رجال النظام في بلادهم أو عناصر تنظيم “داعش” على حد سواء. أنه رهاب الترحيل من ألمانيا، يضاف حالياً إلى جملة المخاوف أضحى السوري يعيشها ولم يألفها بعد.

ونقلت صحيفة “الحياة” اللندنية جزءاً من معاناة السوريين، ممن رفضت طلبات لجوئهم في ألمانيا، بالتالي ينتظرون ترحيلهم أو إعادتهم إلى هنغاريا.

كمال مدرّس مادة الفلسفة، أصيب بإكتئاب حاد، نقل على أثره إلى المستشفى، بعدما رفض طلب لجوئه. يقول: “ماذا يعني الترحيل إلى هذين البلدين، يعني النهاية. فأنا شخصياً لن أعود للعيش في هنغاريا. سأعود إلى سورية، إلى إعزاز، هناك أريد أن أموت بين أولادي، كان لدي أمل بإحضارهم إلى هنا، ومع فقدان هذا الأمل سأعود اليهم”.

وحال كمال هي حال كثر، فجل ما يشغل بال الآباء، هو مستقبل الأطفال في حال رُحّلوا. ويلخّص الذين الذين تلقوا طلبات ترحيل، الوضع بأن لا حياة ترجى في بلد مثل بلغاريا أو هنغاريا. وإزاء ذلك، بات لديهم قرار واحد هو العودة إلى سورية حيث لديهم خياران لا ثالث لهما، إما أن تعدمهم “داعش” كونهم كانوا في بلاد “الكفار” أو تعاونوا مع جهات فيها، لا سيما أن غالبيتهم تهجرت أو نزحت من مناطق أصبحت تحت سيطرة “داعش”. أما الخيار الثاني فهو أن يتعاملوا مع التنظيم، وينخرطوا في صفوفه، ليكبر أبناؤهم في ظل حكمه، وهذا ما لا يستطيع بعضهم مجرّد تخيّله.

من جهة أخرى، يضيف خالد الحلبي (مهندس كومبيوتر) أن التجربة المريرة التي عاشها في هنغاريا، لا يمكن أن تنسى. ويقول: “بداية وضعنا في مركز للإندماج هو أقرب إلى حظيرة. وجراء تعرّضي للضرب بقوة أصبحت أعاني من مشكلات في عمودي الفقري، تحتم خضوعي للعلاج”. ويوضح متابعاً: “الفكرة من لجوئنا إلى ألمانيا تحديداً طلبنا للأمان، ولأن هذا البلد يرعى حقوق الإنسان. نحن لم نهرب من سورية لنعيش في بلد نعامل فيه كحيوانات”.

وعموماً، تصادر الشرطة الهواتف الخليوية ممن “تزجهم” في هذه المراكز، فيصعب بالتالي نقل ما يحصل في الداخل، إلا إذا نجح أحدهم في إخفاء هاتفه وسرّب صوراً إلتقطها سراً.

وتطرّقت صحف ألمانية كثيرة إلى أوضاع اللاجئين أو من يتم ضبطهم كدخلاء غير شرعيين من بلغاريا أو هنغاريا، وسلّطت الضوء على صعوبة المعاملة التي يتلقونها، ما وضع المسؤولين في برلين أمام أزمة التبرير، إذ لا يمكن لدولة مثل ألمانيا أن تبرر السجن للفارين من الحرب. وقد أثار هذا التصرّف سخطاً مضاعفاً عند ناشطين ألمان، مثل ليزا شميدت التي قالت للصحيفة: “إعتدنا أن نقول عن كل إختلاف أنه أمر خاص بموروث أو ثقافة هذا البلد أو ذلك، تحاشياً للتدخّل أو التغيير أو من أجل تعزيز فكرة تقبّل الأخر. لكن ما يجري داخل مراكز الإيواء في بلغاريا أو هنغاريا أو حتى اليونان، لا يمكن أن يعزى إلى إختلاف الموروث أو خلافه. ويجب أن تخصع هذه البلدان لقوانين الاتحاد الأوروبي وحقوق الإنسان، ولا خيار آخر، كما يجب أن يكون للبلدان القوية في الاتحاد ضغط وتأثير كافيان لإحداث تغييرات حقيقية وجذرية في بلدان أخرى تحسب على الاتحاد”.

من جهته، يقول “أبو أمير” : “قضيت يوماً واحداً فقط في بلغاريا، أجبروني على البصمة، ولا أعرف بالضبط على ماذا بصمت، وعرفت لاحقاً أنني بصمت على أوراق طلب لجوء هناك. إعتقدت أنها إستمارة دخول فقط، وبحسب اتفاقية الـ”شينغن” يحظّر طلب اللجوء في بلدين في الوقت عينه. لقد سجّل طلب لجوئي في هنغاريا وعلي العودة إلى هناك”.

وجل ما يخافه السوريون من الترحيل إلى هذه البلدان هو سوء المعاملة وأساليب “وحشية” تتبعها السلطات هناك في التعامل معهم. ما دفع ببعضهم إلى الضغط والمطالبة في ألمانيا بإلغاء بصمتهم في بلغاريا وهنغاريا، ويأمل بعضهم في أن يتحقق ذلك.

وما يخشاه لاجئون سوريون في هنغاريا وبلغاريا، ينسحب على آخرين في إسبانيا وإيطاليا واليونان. ويكشف المحامي أبو عبد: “أنا تعرّصت للضرب في إيطاليا. وعلى رغم التركيز على أن سوء المعاملة رائج في هنغاريا وبلغاريا، لكن إيطاليا لم تكن أرحم. والخوف الأساسي من أن أعود إلى هناك هو عدم قدرتي على إحضار أسرتي. إذ أن ألمانيا تمنح حق لجوء من الدرجة الأولى يمكن بموجبه للشخص المعني إحضار عائلته، وتمنحهم الحكومة مبلغاً كافياً في البداية لتأمين منزل ونفقات الطبابة وتسجيل الأولاد في المدارس. أما إيطاليا فتمنح حق لجوء من الدرجة الثانية، بحيث يتحمّل الشخص المعني نفقات أسرته كاملة، وهذا مرهق خصوصاً إذا كان “اللاجىء” لم يؤّمن وظيفة دائمة.

وفي سياق متصل، يضيف “اللاجىء” رضا أن “المشكلة الأساسية في هذه البلدان هي البطالة. فإذا كان الشباب الأيطالي نفسه يعاني من البطالة، فما بالك باللاجىء الذي يحتاج إلى سنتين على الأقل لإتقان اللغة، والأمر ليس على هذا النحو في ألمانيا”.

ونشرت صحف ألمانية، تقارير سلّطت الضوء على ما يفعله سكان مقيمون قرب مراكز الإيواء واللجوء. فقد عقدوا صداقات مع سوريين نازحين، ووقف بعضهم في وجه رجال الشرطة ومنعوهم من دخول أحد مراكز الإيواء وترحيل لاجئين صدر أمر بحقهم. وفي حالة أخرى سعى رجل وزوجته إلى تأمين لجــوء كنســي للذين رفضت طلبات لجوئهم.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها