عن الاعتراف الدولي و خيارات المعارضة
بدا غريباً ومؤسفاً حديث الرئيس الفرنسي ماكرون عن أنه لا يرى بديلاً شرعياً للنظام السوري، متراجعاً عما أعلنه قبل أسابيع أمام الهيئة العليا للمفاوضات، عن دعم المعارضة والشعب السوري للخلاص من الاستبداد وتحقيق الديموقراطية والعدالة.
وإذ نعترف بأن تبدل الموقف الفرنسي يرتبط بحسابات المصالح واحتمال التناغم مع الدور الروسي ومكاسبه في سورية، ونعترف بأن غياب البديل كان، وطيلة سنوات، ذريعة غربية بغيضة، للتهرب من التدخل الجدي لوقف المأساة السورية، لا بد أن نعترف بأن المعارضة السياسية والعسكرية أخفقت في تقديم نفسها كبديل مقنـع، وتالياً كفئة تثير الاطمئنان حول قدرتها وكفايتها لإدارة البلاد، ما عزز مخاوف مراكز صنع القرار العربي والعالمي من انهيار الدولة وانتعاش الإرهاب، وأضعف ثقة الشعب السوري بمشروع التغيير وقواه الديموقراطية.
ما كان لحديث الرئيس الفرنسي أن يحظى بقيمة كبيرة لو حفل الوضع السوري بمعارضة سياسية وازنة وقادرة على ممارسة دورها باستقلالية، ولو لم تستبح البلاد، نتيجة توغل قوى خارجية فرضت إرادتها على المتحاربين وباتت بحكم المقرر لراهن الصراع ومستقبله، وإذ يرجح أن لا يلقى جديد الموقف الفرنسي اهتمام الفصائل العسكرية التي تستمد حضورها بفعل السلاح والعنف، فإنه سيثير بلا شك اهتمام المعارضة السياسية التي حاولت اكتساب حضورها وشرعيتها من حصيلة الاعتراف الدولي بها، ودأبت على مغازلة واستمالة الأطراف الغربية والعربية المؤثرة في الصراع السوري والاستقواء بدعمها، لمنازعة النظام على مواقعه في المحافل العربية والأممية، ولحض المجتمع الدولي على التدخل عسكرياً لفرض واقع يتيح لها ممارسة دورها القيادي سياسياً.
ومع أن الاعتراف الدولي بالمعارضة، على رغم أهميته في تعرية النظام ومحاصرته سياسياً، لم يؤد تلقائياً إلى اعتراف السوريين بها وبقيادتها لهم، فإنه وللأسف، لا يزال خياراً رئيساً وحاسماً لأطراف معارضة على حساب اعتمادها على الداخل، حتى لو أفضى ذلك إلى انصياع تلك الأطراف لأوامر الخارج والسير وفق حساباته وتوقيتاته، والدليل تزامن تطور العديد من مواقفها السياسية مع مطالب من يسمون أصدقاءها، وليس وفق أجندة تتعلق بالوضع السوري الملموس وآفاق تطوره، ما ترك أثاراً ضارة على صحة المعارضة ككل وعافيتها، وشوه دورها كقوة وطنية قادرة على قيادة عملية التغيير.
لا جدوى من الالتفاف على الوقائع وإدارة الظهر لما وصلت إليه البلاد من تهتك وخراب، بل الجدوى في الاعتراف بانكسار وهزيمة مشروع التغيير الديموقراطي، بما هو اعتراف بضحالة الدور السياسي المنتظر للمعارضة السورية وصار محكوماً بإرادة أطراف خارجية تتنازع السيطرة على البلاد، وبأجندات القوى المتحاربة وحساباتها، وبما هو اعتراف بأن المستقبل السوري القريب، تبعاً للقوى الوازنة على الأرض وتحالفاتها، بات بعيداً كل البعد من روح الثورة وشعاري الحرية والكرامة، ولا يغير هذه الحقيقة استمرار الاعتراف الدولي والعربي ببعض جماعات المعارضة، والدور الذي تمارسه الهيئة العليا للمفاوضات، من دون أن يقودنا ذلك إلى اليأس وإغفال حقيقة أن ما راكمته التجربة المرة والتضحيات الغالية للشعب السوري سيفتح بلا شك أفقاً نضالياً جديداً.
هل يصح النظر من هذه القناة إلى رؤية طموحة لإصلاح وتفعيل دور الائتلاف السوري المعارض، تطرحها قيادته الجديدة، شريطة تحررها من المبالغة في التعويل على دور حاسم للقوى الخارجية في تقرير مصير البلاد، وأن يكون مركز اهتمامها معالجة أسباب الاستخفاف الشعبي بالمعارضة السياسية واستعادة ثقة الناس بها واحترامهم لها؟!
وتالياً، هل يصح التعويل على دور جديد لمعارضة تمتنع عن تغطية أدوار الفصائل الإسلاموية ولا تسوغ التغاضي عن شعاراتها الشمولية وانتهاكاتها وردود أفعالها الطائفية بحجة أولوية مواجهة السلطة؟ وأيضاً التعويل على معارضة ترفض بحزم سطوة السلاح، أياً كان حامله، ولا تنقصها الجرأة، في نقد الخطاب التصعيدي الذي يحبذ استجرار الدعم العسكري، حتى لو سوغ كرد فعل على انفلات عنف النظام واستجراره التدخلات الخارجية، والأهم المطالبة بأولوية وقف العنف بصفته عتبة الإقلاع لاستعادة المجتمع والحقلين السياسي والمدني؟!
صحيح أنه لا يمكن المعارضة السورية بعد النتائج الوخيمة التي خلفها العنف المنفلت أن تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل الدارج، يزيد الطين بلة محدودية قدراتها على مواجهة تداعيات الكارثة السورية، في ظل شح ما تقدمه القوى الإقليمية والدولية، فضلاً عما تعانيه من أمراض خلفتها عقود طويلة من جور السلطة وظلمها، ومن بنية تنظيمية تشوهها المصالح الحزبية الضيقة وظواهر الأنانية والاستئثار والفساد، لكن الصحيح أيضاً أنه ليس ثمة أحوج من اللحظة الراهنة لجهود جميع المعارضين وأدوارهم للحفاظ على ما راكمته الثورة من معطيات ودروس، وعملياً، لبناء قنوات للتواصل والتفاعل مع مختلف التنظيمات التي أفرزتها الثورة، لمعالجة ملفات ملحة وحساسة تتعلق بالاعتقال والتغييب والتشرد واللجوء، بما يخفف معاناة الناس ويمدهم بما يتوافر من أسباب الدعم، ربطاً بتمكين الشباب المتعطش لتحمل المسؤوليات، وتعميم تجربة المجالس المدنية لإدارة وتنظيم الحياة بين اللاجئين والنازحين وفي المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة.
ربما هي مناشدة أخلاقية، يحدوها التفاؤل والأمل بأن تتمكن جماعات المعارضة السورية على اختلاف أطيافها من تكثيف جهودها لإظهار نفسها كنموذج مصغر لبديل ديموقراطي يقطع مع نظام الاستبداد وجماعات الإرهاب، ويمكنه النماء والتطور في مواجهة الأساليب التسلطية والتآمرية والوصائية… وكم يفيد، وفاءً للتضحيات الغالية التي قدمها السوريون من أجل حريتهم وكرامتهم، وجود بديل يطمئن الجميع، بأنه على اختلاف منابت فئاته الاجتماعية ومشاربها السياسية والإيديولوجية قادر على التوافق واحترام التعددية والتنوع، يرفض منطق القهر والغلبة وما خلفه الصراع الدموي من تهتك في المجتمع ومن تنامي العصبيات والولاءات المتخلفة المدمرة لروح المواطنة، ويبدي الجاهزية للتعاضد والتكافل وأعلى درجات الاستعداد للمثابرة والتضحية للظهور كقدوة وكمثل يحتذى. (عبد الوهاب بدرخان – الحياة)[ads3]
مع كل الاحترام، انما هذا الكلام متأخر جداً . للاسف