كأن لا أميركا غدًا

خلال استقباله في البيت الأبيض، الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان، ارتكب الرئيس الأميركي باراك أوباما خطأين كبيرين في الجمل الخمسة الأولى في الحوار بينه وبين السعوديين ومن خلالهم، بينه وبين دول مجلس التعاون الخليجي.

مُرحبًا بولي ولي العهد، قال أوباما، أرحب بولي ولي العهد الأمير سلمان، خالطًا بين اسم الأمير الشاب ووالده الملك سلمان بن عبد العزيز. وبعد جملتين فقط، قال أوباما إن العلاقات الأميركية السعودية المميزة والتاريخية تعود إلى ما أرساه الرئيس دوايت آيزنهاور مع الملك فيصل، ويقصد طبعًا اللقاء التاريخي بين آيزنهاور، والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.

ليس بسيطًا أن يخطئ أوباما خطأين بهذا الحجم في كلمة افتتاحية لا تتجاوز بضعة أسطر. الأمر أبعد من خلل بروتوكولي، أو ضعف في تحضير موجزات الرئيس قبل اجتماع مماثل. بل يؤكد على وهن إلمام الرئيس بالسياسة الخارجية عامةً، وقلة اهتمامه بشؤون الخليج خاصة، في مقابل فائض الاهتمام بالتفاصيل الإيرانية كما ظهر في مقابلته مع الكاتب الأميركي توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أسابيع.

يتضح من هذا الحديث حجم الجهد الذي يبذله أوباما للإحاطة بتفاصيل التفاصيل الإيرانية، بما فيها الاستغراق في تحليل شخصية المرشد السيد علي خامنئي، وردود فعله وحساباته وخطواته المتوقعة، وحجم الانقسامات المفترضة داخل النظام الإيراني وصراعات الأجنحة وغيرها الكثير.

إننا أمام نصين يعكسان التفاوت الهائل في الأولويات الاستراتيجية التي تحكم خيارات الرئيس الأميركي وبالتالي متابعته للتفاصيل. كما يعكسان حقيقة ما تستشعره القيادة السعودية أن العلاقات الأميركية السعودية، على الأقل مع إدارة أوباما وما بقي لها في البيت الأبيض من وقت، ما عادت تقوم على الأسس نفسها، وما عادت تحتل الأولوية إياها في واشنطن.

المقلق، أن اهتمام الرئيس الأميركي بالتفاصيل الإيرانية، لا ينتج عنه فهم دقيق لإيران وسياساتها الإقليمية، وهو ما يلحظه المرء في كلامه الواضح مع فريدمان، الذي حاول الرئيس الأميركي التخفيف منه بشيء من المجاملة في نص مقابلته مع صحيفة «الشرق الأوسط» ومقابلة قناة العربية.

مع فريدمان، قال أوباما، «إن أكبر التهديدات التي تواجهها (دول الخليج) قد لا تكون متأتية عن غزو إيراني لها، بل ستكون هذه المخاطر ناتجة عن الامتعاض في الداخل»، متحدثًا عن الشباب الذي يعيش حالة اغتراب عن النظام، والآيديولوجيات التدميرية (يقصد التطرّف الديني) واعتقاد شرائح مجتمعية بانعدام سبل التعبير السياسي.

بعض ما قاله أوباما صحيح. وهو يصح بتفاوت بين دولة خليجية وأخرى، رغم ما ينطوي عليه من مبالغة، تنتج عن قلة درايته بعمق التحولات المجتمعية الحاصلة في الخليج، وعدم انتباهه إلى التجارب الخليجية التي نجحت، رغم الهوة الكبيرة بين الرفاه الاجتماعي والرفاه السياسي فيها، في إنتاج معادلات استقرار جدية في منطقة ملتهبة وموصوفة بالتفكك والتحلل.

هذه البساطة التي يقارب بها أوباما مسائل غير بسيطة، جعلته يفصل فصلاً ساذجًا وغير واقعي بين إيران كدولة خارجية، تنطبق عليها القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، وبين إيران كجزء عضوي من المشكلة الداخلية في الخليج والمشرق، على وجه التحديد، والتي أحالها أوباما إلى الأسباب المذكورة أعلاه.

ولعل البيت الأبيض يجد فيما قاله في بيروت مستشار المرشد علي خامنئي، ووزير خارجية إيران الأسبق لستة عشر عامًا علي أكبر ولايتي، سببًا لمغادرة السذاجة في صناعة السياسة الخارجية حيال المنطقة. جاء ولايتي إلى بيروت ليبارك لحزب الله انتصاره في القلمون السوري، أي في المعركة التي تندرج في سياق خلافي كبير في لبنان بات يهدد الوحدة السياسية والمجتمعية للبنان. وأعطى ولايتي أوباما نموذجًا فاقعًا حول إيران كجزء من الأزمات الداخلية للمنطقة، حين قال في مقابلة مع صحيفة لبنانية محلية: «نحن ندعم حزب الله منذ 30 سنة. ما من جديد هنا. وعندما ندعم المقاومة في لبنان فلأن ذلك في صلب العقيدة الإيرانية». لا يقيم تصريح ولايتي هذا وزنًا للخط الفاصل، في ذهن أوباما، بين الداخل والخارج. بين إيران كدولة تتعاطى مع غيرها من الدول بمفهوم الدول. يقول الرجل بسلاسة مطلقة ما هو حقيقة التصور الإيراني لهذه العلاقات. فإيران ثورة، وكل ما يحيط بها هو مدى حيوي للثورة، تحكم العلاقة به «العقيدة الإيرانية» وليس قواعد العلاقات الدولية.

كلام ولايتي البيروتي يهدم عمارة كاملة من التصورات والأوهام الأوبامية، ويعيد النقاش إلى المربع الأساسي. وبالتالي فخلاصة كامب ديفيد هي تأكيد المؤكد أن على دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، وبشراكة لا تزال دون المستوى مع مصر، باتت أمام استحقاق، جر أحمالها بنفسها، وتقرير مصيرها، وإعادة صياغة علاقاتها الدولية والإقليمية، كأن لا أميركا غدًا!

ما بعد كامب ديفيد لا ينبغي أن يكون كما قبله.

نديم قطيش – الشرق الاوسط

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد