هل قامت الثورات لإعادة استعمار العالم العربي ؟

سنظل نقول إن العالم العربي بحاجة إلى ألف ثورة حتى نموت. وهذه حقيقة يجب أن نؤكدها في كل مرة نعود فيها إلى قضية الربيع العربي كي لا يعتقد البعض أننا فقدنا الأمل بالثورات. لكن، وعلى ضوء ما آل إليه وضع الثورات في سوريا واليمن وليبيا تحديداً، أليس من حقنا أن نتساءل: هل ثارت الشعوب في تلك البلدان من أجل التخلص من الطواغيت، أم إن هناك قوى إقليمية ودولية استغلت الثورات وعذابات الشعوب تمهيداً لإعادة استعمار المنطقة؟ قد يبدو هذا السؤال ضرباً من نظرية المؤامرة المتجذرة في اللاوعي العربي، لكن السؤال وجيه جداً بعد أن أصبحت تلك البلدان تحت الوصاية الإقليمية أو الدولية بشكل مفضوح.

لو بدأنا بسوريا: ماذا جنى السوريون من ثورتهم غير الظروف المأساوية التي أدت في نهاية المطاف إلى تدخل قوى إقليمية كإيران وإسرائيل ودولية كروسيا وأمريكا وفرنسا وغيرها لإعادة تقاسم النفوذ في سوريا ووضعها تحت الانتداب الدولي؟ هل يستطيع أحد أن ينكر تلك الحقيقة الصادمة الآن؟ ألم تصبح سوريا مستعمرة أو لنقل مستعمرات روسية وإيرانية وأمريكية وغيرها؟ ماذا نسمي عشرات القواعد الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإيرانية والروسية والمحميات الإسرائيلية في سوريا الآن؟ ألا تمتلك أمريكا الآن مطارات عسكرية داخل سوريا؟ ألا تمتلك دول أوروبية كفرنسا وغيرها أيضاً قواعد عسكرية في سوريا؟ أليست المنطقة العازلة التي يتم الحديث عنها الآن في جنوب سوريا منطقة نفوذ إسرائيلية بالدرجة الأولى؟ وحدث ولا حرج عن الاستعمار الروسي الصارخ في سوريا بقيادة قاعدة حميميم في الساحل السوري التي أصبحت رمزاً فاقعاً للاحتلال الروسي لسوريا. وقد رأينا كيف أن وزير الدفاع الروسي يستقبل الرئيس السوري في القاعدة الروسية في سوريا كزائر. وقد عبر الرئيس السوري نفسه على الشاشات عن دهشته من وجود الوزير الروسي في سوريا من دون علم الرئيس السوري. وكي يخفي حرجه، خاطب الأسد وزير الدفاع الروسي قائلاً: «يا لها من مفاجأة سارة». كما شاهدنا الرئيس السوري قبل أسابيع أيضاً يزور قاعدة حميميم كما لو أنها أرض أجنبية. وكيف ننسى أن روسيا حصلت على امتيازات التنقيب عن النفط والغاز في سوريا لربع قرن قادم؟ وقبل أيام فقط وافق مجلس الدوما (البرلمان الروسي) على بقاء القوات الروسية في سوريا لنصف قرن قادم. ماذا نسمي ذلك غير احتلال واستعمار؟ هل يكفي أن يوافق النظام على الاحتلال الروسي لسوريا كي تزول عنه صفة الاحتلال؟

لقد غدت سوريا بلداً متعدد الاحتلالات، فبالإضافة إلى النفوذ الروسي الصارخ على الأرض السورية، أصبحت إيران بدورها تسيطر على مناطقها الخاصة في سوريا بعد أن ربطتها برياً بالعراق ولبنان. وفي بعض المناطق السورية صرت ترى الإيرانيين أكثر مما ترى السوريين، فهو ليس فقط احتلالاً عسكرياً، بل صار إحتلالاً إحلالياً بحيث باتت بعض المناطق في ريف دمشق وكأنها قطعة من طهران.

أما اليمن فقد صار منطقة نفوذ إمارتية وسعودية وإيرانية وأمريكية بامتياز. هناك أيضاً تقاسم للنفوذ بين قوى كثيرة متداخلة ومتصادمة. اليمنيون أنفسهم يتهمون دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها باتت تسيطر على مناطق كثيرة في اليمن بما فيها الموانئ والمطارات، لا بل إنها منعت ذات مرة طائرة الرئيس اليمني من الهبوط في مطار عدن. وهي ماضية في تحويل اليمن إلى مستعمرة إمارتية حتى في محمية سقطرى البعيدة عن مناطق الحرب في البلاد. ولا ننسى المحاولات الجارية الآن لتقسيم اليمن إلى شمال وجنوب مبدئياً وربما إلى عدة مستعمرات لاحقاً. هل تسعى السعودية بدورها إلى استقرار اليمن وإعادة الشرعية كما يزعمون، أم إن الهدف هو السيطرة على اليمن ووضعه تحت العباءة السعودية بالاشتراك مع جهات أخرى؟ باختصار شديد، لم يعد أحد يتحدث عن ثورة في اليمن، بل عن تقاسم نفوذ وتقسيم واستعمار مفضوح.

أما ليبيا فقد صارت ميداناً للصراع بين جهات كثيرة تسعى للهيمنة عليها وتقاسم ثرواتها. وقد غدا الليبيون المتصارعون على السلطة مجرد مخالب قط بأيدي جهات خارجية تستخدمهم للسيطرة على البلاد ووضعها تحت عباءتها. هل ستترك القوى الخارجية المتورطة في الصراع الليبي ليبيا لليبيين، أم إنها تدخلت أصلاً لوضع ليبيا تحت الانتداب والوصاية؟ ألم يقم الكثير من البلدان قواعده العسكرية على الأرض الليبية بمن فيهم الروس؟ هل جاء هؤلاء إلى ليبيا للسياحة، أم للبقاء فيها لوقت طويل كقوى استعمارية في إطار لعبة تقاسم النفوذ المفضوحة؟

ثارت الشعوب للتخلص من الطاغية المحلي، فجاءها طغاة أجانب. ثارت للتخلص من الاستعمار الداخلي، فعاد الاستعمار الخارجي. ثارت على الوكيل، فاصطدمت بالكفيل. هل تمتلك سوريا وليبيا واليمن سيادتها الوطنية الآن، أم صارت عملياً تحت الانتداب، إن لم نقل تحت الاستعمار؟ ماذا بقي من الثورات غير الاستعمار الجديد؟

فيصل القاسم – القدس العربي

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫8 تعليقات

  1. عن أي استعمار تتحدث يا دكتور فيصل ؟ وهل يوجد في كل سيناريوهات الثورات العربية من هو أوسخ من الحاكم (الوطني) سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن؟ ألم يجعل حكام تلك الدول استبدالهم مستحيلاً بعد أن فصلوا يإرهاب أجهزتهم الأمنية بلدانهم على مقاسهم ومقاس عائلاتهم وورثتهم من أبنائهم مما يجعل تلك الدول تسقط في الفراغ لدى رحيلهم ما يمهد لظهور الظلام والإرهاب لسد الفراغ الناجم عن زوال إرهاب السلطة المنظم؟ وهل أبقت تلك الأنظمة الوطنية على احتمال ولو واحد في المليون ليخلفهم في الحكم المثقفون أو الوطنيون الحقيقيون بعد أن أفرغوا بلادهم منهم تماماً ؟ لربما كانت غلطة تلك الشعوب الفادحة هي بتخلصها من الاستعمار التقليدي القديم أقله كان هناك الحد الأدنى من القانون وحرية الرأي والعدالة.

  2. وهل الدول العربية جميعها الا عالة على العالم ! السودان مثالا قادر على اطعام كل العالم اذا استثمرت اراضيه بصورة ذكية , انظر اليه يموت شعبه من الجوع !
    السعودية رغم النفط و الاموال و تجارة الحج , لا حول لها و لا قوة الا زرع الفتن لنشر ما يسمى السلفية
    العراق رغم موارده الضخمة يموت اطفاله من الامراض و الاوبئة ومن الجوع و من غباء الطائفيين
    اليمن السعيد لم يعد كذلك
    مصر هبة النيل الذي سيصبح ساقية بعد انشاء سد النهضة الاثيوبي , يبكي اهلها من الجوع و الظلم
    ليبيا
    الجزائر – المغرب – تونس تعيش على هامش المجتمع الدولي
    دعكم من المؤامرات الخارجية و الامبريالية العالمية ! اذا ارادت الدول التطور فلن يستطيع احد ايقافها , ماليزيا , تركيا , سينغافورة, الهند .
    الحل ليس في الثورات المسلحة و الانظمة الوطنية , الحل في الثورات الفكرية و الانظمة الديمقراطية التي لا تعتمد على طائفة او فئة او اشخاص .
    خذوا الثورات العربية كلها من اقصاها الى اقصاها , بعد كل هذه الاعوام هل انتجت هذه الثورات مفكرين اصبحوا رموزا لها؟ الجواب —–لا , هل انجبت الثورات سياسيين وطنيين غير طائفيين , و لا متحزبين قادرين على التكلم بلسان كل الشعب ؟ لا
    ماذا عن الانتداب او الوصاية ؟ هل الدول العربية بحاجة لها ؟ اعتقد ان الجواب الصادم هو نعم !!!
    فالانتداب تعريفا هو تسيير الدولة المتقدمة لامور الدولة المتخلفة لفترة من الزمن حتى تصبح الدولة المتخلفة قادرة على تسيير امورها , و مثال ذلك الامارات العربية المتحدة فهي موصى عليها من اكثر من دولة و شركة عالمية على الرغم من الاستقلال الشكلي الذي تبدو عليه !

  3. أنا لا يهمني الشعارات الكاذبة للثورات .. بل يهمني نتائج هذه الثورات .. النتائج هي تفكيك الاوطان وتشريد الشعوب .

  4. التاريخ .. التقاليد .. الدين .. العوامل الاساسية في كل ما يجري .. الاسلامويون يريدون الخلافة (جميعا) والخلاف بينهم على من سيكون الخليفة.. وغالبية الشعب اسلاموي بدرجات مختلفة .. بدون فهم بالتاكيد.. لانهم لو فهموا لما بقوا مسلمين. الحاكم من الشعب وغالبا سيكون مثلهم. عنصري , طائفي , متحيز و قبلي ..
    الاحتلال لن يحل المشكلة لان المحتل لايرى اي مستقبل لشعوب تلك المنطقة ولن يكون مرتاحا في الحكم . الامريكان تركوا الحكم للعراقيين مبكرا وقبل المدة المحددة . لانهم لم يجدوا طريقة يستطيعون من خلالها اقناع العراقيين بأنهم مواطنين تابعين لدولة وقانون .. الخ ..
    الشعوب في المنطقة لاتزال تعيش في عصر القبيلة “ماقبل الدولة” .. وكل الامور بما فيها تنفيذ القوانين تجري بشكل قبلي وتنفذ بطريقة مزاجية شخصية لان من يقوم بالتنفيذ عنصري قبلي ايضا .. لا امل بالمنطقة .. مع احتقاري الشديد لكل المبعبعين اصحاب الخطابات الفارغة عن مهد الحضارات والاديان

  5. الثورات حقيقية ولكن الاستعمار خبيث
    درس الوضع وخطط للهجوم المضاد بكل همجية على الشعوب فبينما نجحت بشكل جزئي ثورتي تونس ومصر
    في هذه الأثناء كان الاستعمار العالمي مجتمع
    واعطى الأوامر بانقلاب السيسي والقضاء على ثورات ليبيا واليمن وسوريا
    بإدخال داعش فقط الى هذه الدول !!!!
    وتجنيد من يريد الجهاد بمساعدة المخابرات الغربية الأسدية الإيرانية !!!
    الا تروا معي ان داعش موجود بثقله في سورية وطبعا هو دخل من العراق
    لان الجيش العراقي في شمال العراق انسحب باوامر المخابرات الامريكية الإيرانية العراقية
    لإفساح المجال
    لبدا حقبة داعش !!!

  6. دكتور فيصل على حد علمي انت سوري وتعرف الجغرافيا السورية. اللي بيقرأ مقالتك بيفكر انو المنطقة الممتدة من جرابلس حتى الباب هي تركيةولم تكن يوما اراضي سورية. ما يكون صاير معك فقدان ذاكرة لاسمح الله. ولا خايف يكشوك من الجزيرة.
    بالله عليك كيف بتريد انو يكون الك مصداقية وانت من بين كل الاحتلالات تسقط عن عمد الاحتلال التركي. (موأنا اللي عمبقول. هني هيك عمبقولوا!!)

  7. يا جماعة الثورات ليست حل لمشاكل العرب .. بدنا نرجع لورا .. الى الحرب الأهلية التي دمرت لبنان .. شو سبب الحرب ؟ السبب هو الثورة التي قام بها الدروز .. كان قائد الثورة هو كمال جنبلاط أحتجاجآ على الامتيازات السياسية للموارنة .. ماذا حصل ؟! تحولت هاي الثورة الى حرب أهلية طاحنة دمرت لبنان واستمرت 15 سنة وشارك فيها عدد من الجيوش الأجنبية متل الجيش السوري والجيش الاسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية وحتى الجيش الاميركي شارك في الحرب .. أذا الثورة ليست الحلول لمشاكل العرب .. بل الإصلاح السياسي الهادئ هو الحل .

  8. هلأ صحيتوا يا فيصل الزفت؟؟؟!!!!
    …………………… بس بعد خراب مالطة…!!
    …………………… بعد ما فات الفاس في الراس ..!!

    هلأ حتى راحت السكرة و إجت الفكرة !!!
    جيت مأخّر …!!!

    و سامحونا