ألمانيا : ورقة اللاجئين .. سلاح ” الإشتراكي ” الانتخابي ضد ميركل
بعدما هيمنت ملفات الضرائب والمعاشات التقاعدية والعدالة الاجتماعية والأزمة مع تركيا على الحملة الانتخابية للحزب “الاشتراكي الديمقراطي” للانتخابات العامة، عاد زعيم الحزب ومرشحه المنافس للمستشارة أنجيلا ميركل على منصب المستشار، مارتن شولتز، وقبل 8 أسابيع من يوم الانتخاب، ليصوب فجأة على المستشارة مستخدماً هذه المرة ورقة اللاجئين.
ويأتي لجوء الاشتراكي إلى اعتماد هذا السلاح، بحسب ما يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية، في محاولة منه لإضعاف ميركل وحزبها، والحد من تقدمهما في استطلاعات الرأي التي تظهر أن الحزب “المسيحي الديمقراطي” استطاع توسيع الفارق لصالحه بـ17 نقطة. ويشير الخبراء إلى أن ملف اللاجئين كان خلال العامين الماضيين سبباً لزعزعة الثقة بالمستشارة ميركل، بعد قرارها المرحب باللاجئين، قبل أن تتمكن بعدها، والائتلاف الحاكم، من السيطرة على الوضع مع إقفال طريق البلقان وإنجاز اتفاق اللاجئين بين أوروبا وتركيا العام الماضي.
ويعتبر الخبراء أن حملة الحزب “الاشتراكي الديمقراطي” تقوم على إثارة ملف اللاجئين وتخويف الرأي العام منه عبر مرشحه شولتز، لا سيما أن هذا الموضوع كان قد تسبب لميركل بمشاكل وأضعف من مكانتها ومؤيديها، ليبقى الهدف الأساسي هو تقليص الفارق مع الاقتراب من يوم الحسم الانتخابي. ويريد “الاشتراكي الديمقراطي” بالتالي تعزيز حظوظه في إعادة التحالف مع “المسيحي الديمقراطي” وتشكيل ائتلاف حكومي جديد بعد الانتخابات، كما هو معمول به حالياً، وعدم إفساح المجال لحزب ميركل بإقصائه والبحث عن حليف جديد يحل محل “الاشتراكي الديمقراطي” في الحكومة المقبلة، كالحزب “الليبرالي الديمقراطي” الضعيف نسبياً على مستوى ألمانيا.
وفي هذا السياق، يرى أساتذة في العلوم السياسية أن استراتيجية شولتز واضحة وتقوم على تعبئة الناخبين في هذا الموضوع، وهو الذي قال في حديثه أخيراً لصحيفة “بيلد” الألمانية، إن من يحاول تجاهل مسألة اللاجئين عمداً حتى الانتخابات البرلمانية فإنه يتصرف باستهزاء، محذراً من أنه إذا لم يتم اتخاذ تدابير الآن ستكون هناك مجازفة بتكرار ما حصل عام 2015، وفق تعبيره.
ويعتبر المراقبون أنه من البديهي ألا تعطي المستشارة ميركل، صاحبة الحنكة السياسية، منافسها فرصة لتأجيج الرأي العام، وهي كما عرف عنها تأخذ الأمور بكثير من الروية، وتقضي عطلتها في إيطاليا، وليس هناك من دافع أساساً للرد على هذه “الافتراءات”، في نظر البعض. وسبب عدم الرد يتمثل في أن استطلاعات الرأي لا تزال تعطي ميركل فارقاً مريحاً نسبياً، في حين أن الحزب “الاشتراكي الديمقراطي” ومرشحه يعيشان حالة من التخبط ويحاولان الالتفاف على الكثير من الملفات التي شارك الحزب فيها كونه شريكاً في الائتلاف الحاكم وأيّد القرارات التي اتخذت على المستوى الاتحادي في أزمة اللاجئين، وهذا ما يزيد من ضعفه. ويمكن الاستنتاج بالتالي أن كلام شولتز عن موضوع اللاجئين اليوم ليس سوى “محاولة يائسة منه لتحسين وضعه”، كما يعتقد بعض الخبراء. ويضيف هؤلاء أنه يتوجب على شولتز التوقف عن المزايدة في هذا الملف والتركيز على قضايا تتعلق بالأسرة والتعليم والمعاشات والعمل والابتكار خلال جولاته الانتخابية المقررة على عشرات المدن الألمانية لرفع أسهمه ودفع دفة الأمور لصالحه.
وفي سياق الرد على شولتز، يعتبر الأمين العام للحزب “الاجتماعي المسيحي”، أندرياس شوير، القريب من حزب ميركل، في حديث لصحيفة “بساور نويه بريسه”، أن شولتز نفسه هو من رفض جميع الوسائل اللازمة لمراقبة ومكافحة اللجوء ومزيد من عمليات الترحيل إلى البلدان الأكثر أمناً، كما رفض مراقبة الحدود ومناطق العبور، بحسب شوير. ويضيف أن كلام شولتز لا يمكن الاعتماد عليه وغير جدير بالثقة وعديم المصداقية، وفق تعبيره.
بدوره، يقول المتحدث باسم السياسة الداخلية للكتلة البرلمانية لـ”الاتحاد المسيحي”، شتفان ماير، إنه إذا أراد شولتز إحداث تغيير إيجابي انتخابياً، فالأجدى أن يتخلى حزبه عن موقفه في مجلس الولايات والسماح بتصنيف دول كالمغرب والجزائر وتونس بالدول الآمنة. مع العلم أن أحزاب المعارضة هي التي طالبت وخلال العامين الماضيين، بمراقبة الحدود النمساوية – الألمانية وتصنيف دول غرب البلقان بالآمنة، وتسهيل الترحيل والحد من الفرص الاجتماعية للاجئين الذين يخفون هوياتهم الحقيقية، في وقت رحب فيه حزب “البديل من أجل ألمانيا”، اليميني المتطرف، بتصريحات شولتز، مع إعلان نائب رئيسته، ألكسندر غاولاند، أن “شولتز قال ولمرة واحدة كلمة الحق”.
وكان شولتز وخلال زيارته الأسبوع الماضي إلى إيطاليا، اعتبر أن المطلوب خطة جديدة لأزمة اللاجئين، محذراً من تكرار سيناريو عام 2015، وبالتالي فإن على أوروبا إعادة النظر بسياستها تجاه أزمة اللاجئين وإيجاد حل للوضع الفوضوي الذي تعيشه، مؤكداً أن أوروبا تحتاج الآن إلى حصص واضحة واستراتيجية قانونية جديدة للهجرة، مع العلم أن التقديرات ترجح وصول أكثر من 200 ألف لاجئ هذا العام إلى ألمانيا. وحث على المزيد من الدعم الأوروبي لإيطاليا، مشدداً على ضرورة القيام بشيء ما حيال الكارثة الإنسانية التي تكشفت في منطقة البحر المتوسط، آملاً بأن يسود التماسك والتضامن بين دول الاتحاد الأوروبي.
وفي المقابل، يرى مراقبون أنه مما لا شك فيه أن أزمة اللاجئين عادت لتقلق السلطات الألمانية من جديد، ومن الممكن أن تتسبب بقلق للمستشارة ميركل على عتبة يوم الانتخاب، في ظل الأعداد الهائلة من المهاجرين التي تصل إلى إيطاليا، فيما فصل الصيف لا يزال بمنتصفه.
ويتوقف المراقبون عند عدم تطوير السياسات بشأن ملف اللاجئين، وتقلص أعداد المتطوعين في فرق الدعم لهم، على الرغم من أنه تم تسجيل حوالي 90 ألف شخص حتى نهاية النصف الأول من العام 2017، في وقت ذكر فيه تقرير للشرطة الأوروبية أن هناك حوالي 800 ألف لاجئ بالانتظار في ليبيا للعبور إلى أوروبا.
ويشار إلى أن أعداد المرحّلين من ألمانيا بلغت في النصف الأول من العام الحالي 12545 شخصاً، بحسب ما نشرته صحيفة “دي تسايت” أخيراً، في حين وصل العدد في العام 2016 إلى 25375 شخصاً، وهو ما يعني أن مستوى أعداد المرحّلين هذا العام يبدو متقارباً مع عددهم العام الماضي، وهذا مؤشر سلبي، في نظر البعض.
كما أن برنامج المغادرة الطوعي الذي يقوم على حمل الناس على العودة إلى بلدانهم الأصلية، أصبح فجأة غير جذاب للاجئين، على الرغم من الحوافز المالية التي تتكفل بها السلطات الاتحادية في ألمانيا. وغادر العام الماضي 54 ألف شخص. ومن أجل تعزيز هذا البرنامج، زادت السلطات الألمانية من دعمها له بمبلغ إضافي بقيمة 40 مليون يورو هذا العام. إلا أن الاتجاه تغيّر بشكل واضح في عام 2017 وبحلول نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وبحسب صحيفة “دي تسايت”، لم يغادر سوى 16645 شخصاً، وهذا ما يظهر الانخفاض الحاد بأعداد الراغبين بالمغادرة وعدم اكتراث اللاجئين بهذا النوع من البرامج. (صحيفة العربي الجديد)
[ads3]