تنحي الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً للغرب في ذكرى الثورة !

قبل أيام تبلغ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من مسؤولين غربيين كبار ان باريس لم تعد تشترط «تنحي» الرئيس بشار الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية (الأمر الذي اكد عليه رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض خالد خوجة)، مشيرين الى «اتصالات غير عدائية» بين أجهزة الاستخبارات الاميركية والسورية، بالتزامن مع اعلان منظمات دولية أن الشعب السوري «غارق في الظلام» إذ أن أكثر من ٨٣ في المئة من الأنوار الليلية اطفئت في الاراضي السورية بما فيها الثلث الذي يسيطر عليه تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، اضافة الى خروج ١١ مليون سوري (من اصل ٢٣ مليوناً) من بيوتهم نازحين أو لاجئين.

 

أما دي ميستورا، الذي تسلّم منصبه في نهاية الصيف الماضي، فقد خفّض سقف هدفه من وقف النار في كل البلاد إلى «تجميد» القتال في حلب ثم إلى «وقف القصف بالسلاح الثقيل» من دون أن يشمل السلاح الخفيف والمدفعية، لمدة ستة اسابيع، وصولاً إلى البناء على «وقف القتال» في حي واحد في ثاني أكبر مدينة، وهو حي صلاح الدين، وتقديم مساعدات انسانية. وهو يتحدث الآن في لقاءاته الخاصة انه يجب عدم تجاهل تطور رئيسي: ظهور «داعش».

طموح سلفه كان مختلفاً. في نهاية ٢٠١٢، وصل الاخضر الابراهيمي إلى دمشق. اطلع على خريطة للتوازن العسكري على الأرض قدمها إليه أحد خبرائه الرئيسيين: «الجيش الحر» على أبواب العاصمة واضعاً نصب عينه القصر الرئاسي. كان الحديث آنذاك يتناول «معركة دمشق»، وكان الإبراهيمي يحمل في رأسه «هماً» هو ترتيب «خروج آمن» للرئيس الأسد. اقترح عليه أن يكون «صانع الملوك» بدلاً من أن يكون «الملك» بحيث يدخل اسمه في التاريخ، الأمر الذي رفضه الأسد متمسكاً بـ «الحق كمواطن سوري في انهاء الولاية الرئاسية ثم الترشح لولاية جديدة».

كان الاسد «يتسلح» بالدعم الروسي والايراني ووضع الجيش النظامي وثبات الموالين، فيما كان الابراهيمي يعتقد انه يستند وقتذاك إلى «القوة الصلبة» نتيجة هجمات مقاتلي المعارضة و «القوة الناعمة» التي عبّر عنها كبار قادة الدول الكبرى وبينهم الرئيس باراك اوباما من ان على الأسد «التنحي» والافساح في المجال لبدء «المرحلة الانتقالية».

بين نهاية ٢٠١٢ وانتهاء السنة الرابعة وبدء السنة الخامسة، الكثير من الألم السوري والدم السوري والصفقات والتفاهمات بين اللاعبين على الأرض السورية والتطورات السياسية في دول «الربيع العربي» والدمار في البنية التحتية والخراب في النسيج المجتمعي، لكن أهمها، اربعة عوامل: تدخل «حزب الله» في نهاية ٢٠١٢ لـ «منع سقوط دمشق»، وصفقة السلاح الكيماوي في نهاية ٢٠١٣ وتراجع اوباما عن تهديداته العسكرية، وظهور «داعش» ثم إعلان التنظيم «الخلافة» في نهاية حزيران (يونيو) ٢٠١٣ وتدخل قوات التحالف الدولي – العربي ضد «داعش» وليس النظام، اضافة إلى تفسخ عدد من دول «الربيع» وعودة قوية لـ «الدولة العميقة» في بعض الدول.

وينقل عن كبار المسؤولين السوريين اقتناعهم بعد اعلان الرئيس أوباما بأن الكيماوي «خط احمر» ان العقدة والحل هي في الملف الكيماوي. وهذا ما حصل، إذ أن اتفاقا أميركياً – روسياً ترجم بالقرار الدولي ٢١١٨، كان التزامن فيه واضحاً بين برنامج التخلي عن السلاح الكيماوي وموعد انتهاء ولاية الرئيس الاسد. وقوبل اجراء «الانتخابات الرئاسية» منتصف العام الماضي، بانتقادات علنية غربية من دون أي اسنان، بقيت مستمرة في الخطاب الاميركي مع تراجع ونزول من اعلى الشجرة: من «التنحي فوراً» للأسد الى ترك السلطة «قبل بدء المرحلة الانتقالية» ثم الى «عدم قيادة المرحلة الانتقالية» و ان «لا مستقبل للأسد» وصولاً الى ما اعلنه المبعوث الاميركي دانيال روبنستين قبل ايام في «ذكرى الثورة» من أن الأمر عائد الى الشعب السوري. اذ قال في كلمة متلفزة ان «السوريين الشجعان هم من يجب أن يحددوا مستقبلهم وليس الديكتاتور أو المقاتلون الاجانب» من دون أن ينسى القول إن بلاده تعتبر «الإئتلاف الممثل الشرعي للشعب السوري»، علماً أن واشنطن رفضت الى الآن استضافة أي اجتماع وزاري أو لكبار الخبراء، لمجموعة «اصدقاء سورية» سواء الموسعة او «النواة الصلبة».

واذا كان «بيان جنيف» الاول في حزيران (يونيو) ٢٠١٢، طوى صفحة «تغيير النظام» وفق النموذج الليبي أو العراقي وطرح فكرة تشكيل «هيئة انتقالية» من ممثلي النظام والمعارضة تحافظ على مؤسسات الدولة، فإن الاتفاق الكيماوي في نهاية ٢٠١٣ أقر بأن الاسد «امر واقع» مع استمرار الحديث الاعلامي عن «فقدانه الشرعية» وان «لا مستقبل له». لكن ظهور «داعش» غيّر الاولويات. بات الحفاظ على مؤسسات الدولة «خصوصاً الجيش والامن» اولوية، بل أن الجانب الاميركي ابلغ من يهمه الأمر انه «لن يفعل أي شيء يؤدي الى انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة» وانه «لا يريد خلق فراغ يمكن ان يستفيد منه داعش».

واذا اضيف هذا الى ان الاولوية لاوباما هي «الصفقة النووية» مع طهران ومحاربة «داعش» في العراق، فان المعادلة التي فرضت نفسها على اوباما وفرضها على حلفائه الغربيين والاقليميين: التمسك بتسلسل الامور، محاربة «داعش» اولاً في العراق وعدم انهيار مؤسسات الجيش والامن في سورية مع الحفاظ على الضغط والنزف على «أمل» الوصول الى «حل سياسي» في سورية في السنوات المقبلة. وما على النظام وحلفاؤه الا انتظار اوباما في السنوات المقبلة ونتائج البرنامجين السري والعلني لـ «تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة». اي، على «حلفاء النظام» و «اصدقاء الشعب» تجميد الوضع الى حين بلوغ المتدربين المعتدلين سن الرشد.
لكن «داعش» لا تنتظر، اذ ان خريطة السيطرة العسكرية تكشف ان «الخلافة» المعلنة تفرض نفسها على ثلث اراضي سورية وعلى عشرة ملايين انسان بعدما محا الحدود السورية – العراقية، اضافة إلى سيطرة التنظيم على حقول النفط والغاز والزراعة ما أدى الى قيام «اتفاقات أمر واقع» مع قوات النظام لنقل منتجات الطاقة والزراعة من مناطق السيطرة في شمال شرقي البلاد الى مناطق النظام في القوس الممتد من درعا والسويداء ودمشق جنوباً الى حمص وحماة في الوسط وانتهاء في طرطوس واللاذقية غرباً.

كما ان «جبهة النصرة»، التي صنفتها واشنطن تنظيماً ارهابياً في نهاية ٢٠١٢، لا تنتظر، إذ باتت تسيطر على ريف ادلب في شمال غربي البلاد بعدما قضت على «جبهة ثوار سورية» المعتدلة. كما مدت «النصرة» نفوذها الى ريف حلب شمالاً والى هضاب مشرفة على حدود لبنان وفي بعض مناطق ريف درعا، في وقت انطلقت معارك في «مثلث الجنوب» بين ارياف درعا ودمشق القنيطرة بمشاركة لافتة من قبل ايران و «حزب الله» ما دفع محللين إلى ربط ذلك بالمفاوضات النووية بين طهران والغرب. وبعدما كان يشكل «الجيش الحر» الكتلة الرئيسة في مقاتلي المعارضة، اضمحل في الفترة الاخيرة، لكن فصائل اسلامية معتدلة بقيت محافظة على وجودها في ريف حلب والمدينة، مقابل بقاء «جبهة الجنوب» قرب حدود الاردن والجولان المحتل، تحت ضبط قوي من قبل حلفاء المعارضة مع استمرار سيطرة «جيش الاسلام» وحلفائه على غوطة دمشق. وربما كان أكراد سورية الطرف المستفيد، اذ انهم اعلنوا تشكيل ادارات ذاتية قبل سنة، كما انهم حظوا بدعم قوات التحالف الدولي – العربي في معاركهم ضد «داعش» في عين العرب (كوباني) ومناطق اخرى شمال شرقي البلاد.

وما يوحد جميع الاراضي، سواء «سورية المفيدة» او «المحررة» و «الادارات الذاتية» او تلك المتنازع عليه بين الكر والفر، هو حجم الدمار الهائل من «البراميل المتفجرة» و المقاتلات الحربية و «مدافع جهنم» وخطوط القتال، اذ ارتفعت كلفة الدمار الى اكثر من ٢٤٠ بليون دولار اميركي. وكشف تحالف منظمات انسانية قبل يومين ان ٨٣ في المئة من انوار سورية أُطفئت، بل انها وصلت الى ٩٣ في المئة في بعض الحالات. وقال ديفيد ميليباند، رئيس مجلس إدارة لجنة الإنقاذ الدولية، ان «الشعب السوري غارق في الظلام: عوز وخوف وحسرة على أصدقاء رحلوا، وبلد كانوا يوماً يعرفونه. أربع سنوات مرت على اندلاع الأزمة، وليس هناك الآن سوى ضوء خافت في هذا النفق المظلم»، لافتاً إلى ان «أكثر من مئتي ألف قتلوا و11 مليون أجبروا على الفرار من منازلهم».

وبين الـ ١١ مليوناً، هناك اربعة ملايين شخص لجأوا الى دول الجوار وسجلوا في قيود المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تتفاوت ظروفهم بين لبنان والاردن وتركيا والعراق، لكن الجامع الرئيسي هو حجم المعاناة وغياب الأمل بحل سريع، ما دفع بعضهم الى ركوب «قوارب الموت» لركوب أمواج البحار بحثاً عن مستقبل في دول أوروبية.

 

ابراهيم حميدي – الحياة

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫10 تعليقات

  1. مبروك لعكس السير الحلة الجديدة للموقع, اما بالنسبة للموضوع اعلاه و الله يا صاحبي ما راحت غير علينا نحن السوريين نقطة و انتهى…

    1. سيهزم الجمع ويولون الدبر..
      مهما طال ظلام الليل سيأتي يوم تكون فيه سوريا خالية من كلاب الأسد..
      لا تتعجل وتبارك لأسدك..فوالله خوازيق محلزنه تنتظر مؤخرته..ومؤخرة كل من معه..

  2. لم يكن الحراك الشعبي بإذن من الغرب . و غير مهم أساساً أهواء الغربيين الاستعمارييين . إنما الأهم هو حرية شعبنا العظيم . من وصمة العار الاسدية التي لوثت بلده .

  3. عائلة الاسد انتجها الاوربيين واسرائيل معاً من جده سليمان الاسد الذي استقبل الاستعمار الفرنسي الى ابوه الانقلابي حافظ المعين بمكيدة اسرائيلية عبر الجاسوس “إل ياهو كوهين” إلى جصول المجرم بشار نفسه على الجنسية البريطانية و وشاح فارس مالطا برتبة خائن أول

  4. اليوم يتحدثون على أن تنحي الأهبل لم يعد شرطاً مسبقاً للحوار وغداً سيتحدثون على أن إجراء الانتخابات المبكرة لم يعد شرطاً أساسياً لحل (الأزمة) في سوريا وبعد غد سيقولون بأن محاكمة المجرمين ستعكر صفو الحل في سوريا وبعد بعد غد سيقولون أيضاً بأن المعتقلين في سجون الأهبل هم معتقلين جنائيين وبعد بعد بعد بعد بعد غد سيأتي وزير الخارجية الأمريكي لتعزية حافييييييظ الثاني بوفاة والده الأهبل عن عمر ناهز التسعين عاماً حاكماً مطلقاً لسوريا وليُعمد حافظ الثاني وريثاً لوالده .

  5. طبعاً الغربيين يخافون أن تعود سوريا الى النهضة و التقدم . لهذا يضعون اسرة لصوص الاسد عليها . ولكن ستسحق هذه الاسرة الخسيسة شاء من شاء و أبى من أبى

  6. وكأن الغرب وعلى رأسه أمريكا واسرائيل كانوا يريدون فعلا سقوط النظام الطائفي الاسدي بل على العكس تماما هم من أمّن له البقاء على قيد الحياة بلعبة قذرة تقاسموا فيها الادوار روسيا والصين حمايته من القرارات الدوليه وهم مع الشيعة تزويده بالمال والسلاح والعتاد والمقاتلين وتبقى المهمة الكبرى لأمريكا وهي منع وصول السلاح النوعي للمنتفضين على نظام الاسد والعمل على تشتيت هذه المقاومة وجعلها رهينة الولاء وطبعا على جميع دول العالم وخاصة المحيطة بسوريا تنفيذ ذلك بأدق التفاصيل وحتى عندما تجاوز نظام الاسد خطوط أمريكا الحمراء استطاعت أمريكا وبكل بساطة تخطي ذلك ومنحته العفو والغفران وأهم طوق نجاة قدمته امريكا واسرائيل لنظام الاسد هو اختراع داعش التي بدأت بتهريب آلاف المساجين من سجن أبو غريب بالعراق ومن ثم تسليمهم مدينة الموصل بسلاحها ومالها وعتادها والنتيجة ولادة هذا المسخ, دعوات وتصريحات الغرب وعلى رأسهم أمريكا لسنوات بفقدان الاسد لشرعيته وبأنه لن يكون جزء من الحل بسوريا كان ولايزال أكبر كذبة وموضوع تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة نكتة بايخة ومؤتمر أصدقاء سوريا حلف من ورق والدول العربية لسلن حالها يقول أنا ومن بعدي الطوفان, لم ولن تسمح أمريكا بسقوط نظام الاسد ولسبب بسيط وهو كون نظام الاسد حلقة من حلقات المشروع الامريكي الاسرائيلي الكبير للشرط الاوسط الذي سيكون النفوذ فيه لإيران حليفها الاستراتيجي وأمريكا لن تسمح بأن تذهب تضحياتها بالعراق سدى وهي التي احتلت هذا البلد وسلمته كاملا لإيران التي ستكون كلبهم الوفي ضد السنة المتشددين من العراق حتى اليمن.

  7. لااستطيع ان اضيف الكثير لان التعليقات التي قراتها تدل على الوعي الفكري الذي كان مغيبا قبل الثوره السوريه المباركه وهذا الوعي هو سلاح بيد العرب والمسلمين بجانب سلاح الجهاد ضد خونة الداخل من النصيريه واتباعهم ومتامروا الخارج من الرافضه المجوسيه وحافاؤهم من الصهيوصليبيه